الزلزال... نساء إدلب تبحثن عن قبور أطفالهن
أفضت كارثة الزلزال وأعداد القتلى والإسراع في عمليات الدفن، لرحلة بحث طويلة عن مكان دفن الضحايا من أبناء وأقرباء لمن بقي على قيد الحياة.
هديل العمر
إدلب ـ أعاد الزلزال وما خلفه من أعداد كبيرة من الضحايا مشهد المقابر الجماعية إلى إدلب، ليضفي الزلزال الأخير للمشهد مزيداً من الرعب والفقدان.
وسط مقبرة في مدينة سرمدا شمال إدلب، بحثت النازحة مريم العبي (43 عاماً) عن قبور زوجها وأبنائها الثلاثة دون أن تهتدي إليهم، حيث رفعت شواهد قبور كتب عليها "مجهولي الهوية"، ملئت بضحايا الزلزال، تعود بعضها لعائلات كاملة قضت بالزلزال، أو تضم أفراداً من عائلة واحدة.
تقول والغصة تعلو وجهها "هدم المبنى علينا، كانت لحظات تحبس الأنفاس، الموت يحاصرنا من كل جانب، ومنذ ذلك الحين لم أرى أبنائي أو زوجي الذين فارقوا الحياة لأبقى وحدي أقاسي معاناة فقدهم وآلام الفراق المضني".
وأضافت "كنت الناجية الوحيدة، استيقظت بعد أيام من الزلزال لا أعلم ما الذي حدث، كنت في غرفة العناية المشددة أعاني كسور ورضوض وحالات هرس ونزيف داخلي، بقيت في المشفى شهراً كاملاً، إلى أن تمكنت من المغادرة، لأبدأ رحلة البحث عن قبور عائلتي التي لم أهتدي إليها حتى اللحظة".
حاولت مريم العبي الوصول إلى معلومات حول مكان دفن ضحايا الزلزال من بعض فرق الإنقاذ التي أكدت لها الدفن في عدة أماكن في المدينة، وكلها ضمن مقابر جماعية نظراً للكم الكبير من الضحايا الذين قضوا خلال تلك المدة، لكنها لم تستطع تحديد مكان أبنائها بعد.
لم تكن حنان البرو (39 عاماً) بأحسن حالاً من سابقتها حين راحت تبحث في المقبرة الجماعية بمدينة حارم عن قبري طفليها عمر ووسيم اللذين قضيا في الزلزال قبل أن يبلغ أكبرهما الست سنوات من عمره في مباني بسنيا شمال غرب إدلب.
تقول والدمعة لا تكاد تفارق وجهها المتعب أنها فقدت طفليها في الزلزال، ولم تعد تعلم أين قبريهما بعد أن سارعت فرق الإنقاذ لدفن كل من أخرجتهم من تحت الأنقاض خوفاً من تحلل الجثث وعدم وجود برادات تكفي لحفظ كامل جثث الضحايا إلى حين التعرف عليهم من قبل ذويهم "لأننا غرباء هنا من الصعب أن يعلم أحد من تحت الأنقاض، أو إن كان ثمة عائلة ترقد بين زوايا الركام هنا أو هناك، لم يبحث عنا أحد، لا أهل لدينا هنا، وجيراننا معظمهم قضوا في الزلزال مع عوائلهم".
لم تكن حالة حنان البرو الصحية إبان الزلزال تسمح لها بمتابعة أمور أبنائها، فقد تعرضت مع زوجها لكسور وحالات نزف ونوبات عصبية، قضت مع زوجها وقت طويل في المشافي تتلقى العلاج ريثما استطاعا الوقوف على قدميهما مجدداً، لتكون أول مهمة لهما بعد المثول للشفاء هي رحلة البحث عن قبور طفليهما ليتسنى لهما زيارتهما كل مدة على الأقل.
تزور حنان البرو المقابر الجماعية العائدة لضحايا الزلزال بشكل شبه يومي لتبحث عن خيط أمل يرشدها لقبري طفليها دون جدوى، حيث تقول "هنالك عبارات كتب عليها مجهولي الهوية، طفل لابس كنزة زرقة، طفلة لابسة كنزة حمرة وغيرها من العبارات، وبحثي عن طفلي بين كل هؤلاء الضحايا كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، مشهد المقابر الجماعية يدمي القلوب".
لا يمكن إحصاء أعداد الضحايا مجهولي الهوية، بحسب حسناء الزينو (35 عاماً) وذلك يعود إلى أن حالات الدفن كانت عشوائية بسبب حجم المأساة والضغط على الأهالي وفرق الإنقاذ.
وأشارت إلى أن طبيعة الدفن غير الرسمية، والهزات الارتدادية التي تلت الزلزال ساهمت في تلك العشوائية ولم يتم ترقيم وتسمية جميع القبور، واكتفت فرق الدفاع المدني بالتقاط صوراً للضحايا لعرضها على من يسأل عنها لاحقاً.