"اليوم العالمي لمنع الانتحار" مساعي لمنح الحياة لمليون شخص

لا يقتصر الانتحار والذي يعد ظاهرة خطيرة تغذيها الظروف المحيطة بالأشخاص، على دولة معينة بل إنه غزا دول العالم.

مركز الأخبار ـ في عام 2003 وبعد ارتفاع نسب الانتحار حول العالم تم تخصيص يوم عالمي للتوعية به، والتأكيد على إمكانية الحد منه، وتم تحديده في العاشر من أيلول/سبتمبر من كل عام، ويتضمن العديد من الفعاليات والأنشطة التوعوية، وبدأ الاحتفال به أول مرة عام 2004.

برعاية منظمة الصحة العالمية تقوم الرابطة الدولية لمنع الانتحار بتنظيم الاحتفال خلال هذا اليوم، وتشمل الفعاليات أنشطة تثقيفية وتوعوية ومؤتمرات صحفية وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب منظمة الصحة العالمية يموت في كل عام أكثر من 800 ألف شخص أي ما يقارب المليون شخص في جميع أنحاء العالم انتحاراً ما يعادل حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية، فبعد الموت بحوادث الطرق يأتي الانتحار كسبب ثاني للوفاة بين الشباب من الفئة العمرية (15ـ29) عاماً.

وكشف تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر عام 2019 أن 79% من حالات الانتحار عالمياً وقعت في دول ذات دخل متوسط أو منخفض، لكن السعودية احتلت مرتبة متقدمة في تصنيف الدول العربية لحالات الانتحار رغم عدم معاناة البلاد من الحروب ويعد متوسط دخل الفرد جيداً جداً مقارنة بغيرها من البلدان ما يؤكد أن أسباباً أخرى تدفع الشخص لإنهاء حياته.

تشير تقارير لمنظمة الصحة العالمية إلى أن الانتحار يعد ظاهرة في جميع أنحاء العالم ولو بنسب مختلفة، حيث تسجل مناطق أوروبا الشرقية أعلى معدلات في حوادث الانتحار، ودول أوروبا الغربية أيضاً تشهد حالات انتحار مرتفعة، ففي عام 2016 شهدت بلجيكا انتحار 2000 شخص بمعدل 6 حالات يومياً.

الدولة التي تتصدر قائمة أكثر الدول التي تشهد حالات الانتحار هي ليتوانيا حيث أصبح الانتحار قضية اجتماعية خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في عام 1998. تليها روسيا حيث ترتبط الأسباب بانتشار الأسلحة وتعاطي الكحول وارتفاع معدلات الاكتئاب.

 

الرجال أكثر إقداماً على الانتحار

تميل النساء للأفكار الانتحارية بنسبة أكبر من الرجال لكنهن أكثر ارتباطاً بالحياة لكن الرجال أكثر إقداماً على الانتحار رغم أن النساء تشكلن نسبة كبيرة ممن حاولوا ذلك، ففي عام 2016 كان معدل الانتحار بين الرجال 13.5 لكل مئة ألف شخص، مقارنة بنسبة 7.7 لكل مئة ألف شخص بالنسبة للنساء.  

ويفرق الطب النفسي بين الأفكار الانتحارية والتي تراود جميع البشر تقريباً والأفعال الانتحارية التي تصل بالشخص إلى الموت المحتم، فالمرأة تميل إلى الأفكار الانتحارية بشكل أكبر، فأعداد ضحايا الانتحار تظهر معدلات أعلى من السلوك الانتحاري عند النساء لكن يتم تداركه، في حين يمتلك الرجال معدلات أعلى للانتحار (الموت).

بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية بعنوان "الوقاية من الانتحار ضرورة عالمية" يمثل الرجال المنتحرين في الدول الغنية ثلاثة أضعاف عدد النساء المنتحرات، أما في الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل فمقابل انتحار خمس نساء ينتحر سبعة أو ثمانية رجال.

في ليتوانيا نسبة الرجال المنتحرين تبلغ 58%، وفي روسيا 56%، وفي استراليا الرجال عرضة للانتحار أكثر من النساء بأربع مرات، وفي المغرب تبلغ نسبة انتحار الرجال 87% من المنتحرين، وفي لبنان ينتحر ثلاثة رجال مقابل انتحار اثنين من النساء، وفي السعودية 58 بالمئة من المنتحرين هم رجال.  

الدولة العربية الوحيدة التي خالفت القاعدة العامة وشهدت نسبة انتحار مرتفعة بين النساء مقارنة بالرجال هي المغرب ففي عام 2016 سجلت البلاد 613 حالة انتحار لنساء مقابل 400 حالة بين الرجال.

 

قدرة على التحمل والبوح

تتحمل النساء مسؤوليات جمة منها تربية الأطفال فالنساء اللواتي يفشلن بالزواج تجدن تعويضاً في الأمومة وهذا أحد الأسباب التي تجعلهن تتراجعن عن الانتحار رغم جميع الضغوط.

بحسب أخصائيين نفسيين فإن النساء أكثر صراحة وانفتاحاً لمناقشة مشاكلهن مقارنة بالرجال، ففي مجتمعات الشرق الأوسط يعاب على الرجل التعبير عن مشاعره والشكوى أو مناقشة مشاكله لأنها وبنظر المجتمع تقلل من مكانته على عكس الفتاة التي تلقى أذناً صاغية للتحدث والتعبير عما يدور في داخلها.

لا يقتصر الأمر على مجتمعات الشرق الأوسط ففي بعض الدول الغربية يمنع الطفل الذكر من البكاء وإلا يتم تشبيهه بالفتاة. كما تنخفض نسب الرجال الذين يطلبون استشارات نفسية ويفضلون الكتمان والعزلة.

 

أسباب الانتحار والوسائل الأكثر استخداماً

تتعد أسباب الانتحار، عواملها نفسية واقتصادية بالدرجة الأولى فالاكتئاب الناتج عن الصدمات العاطفية والفقر والبطالة، وتعرض النساء للعنف الأسري ومختلف الضغوط الاجتماعية هي أبرز الأسباب التي تقود صاحبها لإنهاء حياته، قد يخطط المنتحر لذلك وقد يتخذ القرار بشكل فجائي.

في الشرق الأوسط يمارس المجتمع ضغوطاً على النساء، فتأخر الزواج والطلاق ومختلف الضغوط المجتمعية التي تستهدف النساء أوصلت العديد منهن إلى هاوية الانتحار.

يعد الاكتئاب وهو أحد أكثر الأمراض انتشاراً في العالم أحد أكثر الأسباب المؤدية للانتحار خاصةً الحاد منه ويمثل نقطة فاصلة في حياة الأشخاص، إن لم تتم معالجته فالمريض يفقد أي رغبة بالاستمرار، ويلجأ في نهاية المطاف إلى الانتحار.

في مجتمعات الشرق الأوسط والتي تعاني فيها الشعوب من ضغوط اقتصادية واجتماعية وكبت وحروب، تعمل الثقافة والتنشئة على إعطاء أدوار محددة للرجال والنساء، فتلجأ الفئة الشابة إلى اختيار إنهاء حياتها لإنهاء معاناتها في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية وأمنية متردية.

الأسباب الرئيسية نفسية لكن سهولة الحصول على السموم أو الأسلحة يساهم في ارتفاع نسب الانتحار حول العالم، ففي الولايات الأمريكية أكثر من نصف حالات الانتحار تمت بأسلحة نارية وهو ما يؤكد أن سهولة الحصول على هذه الأسلحة الفتاكة يحول دون إنقاذ حياتهم.

وكذلك يلجأ الأشخاص لإنهاء حياتهم عن طريق تناول المبيدات الحشرية، فوفقاً لبحث لمجلة "علم السموم الإكلينيكي" فإن حوالي 15 مليون شخص انتحروا بتناول المبيدات الحشرية وعزا التقرير ذلك لسهولة الوصول إليها.

 

الانتحار في الشرق الأوسط

في مجتمعات الشرق الأوسط المسلمة والمحافظة يلاقي الانتحار رفضاً قاطعاً لدواعي مرتبطة بالدين ويعد بمثابة جريمة كاملة قام بها الشخص ضد نفسه، كذلك يتم الطعن بشرف المرأة المنتحرة. كما تفرض الدول العربية عقوبات مشددة لكل من ساعد شخصاً على الانتحار. إضافةً لذلك تغلف بعض جرائم الشرف بطابع الانتحار لضمان نجاة عائلة الضحية من المسؤولية.  

فوفق احصائيات أردنية لعام 2016 تزايدت حالات الانتحار في البلاد حيث فقد 120 شخص حياته خلال عام 2016، أي حالة انتحار كل 3.2 يوم، بارتفاع بلغت نسبته 6.1 بالمئة مقارنة مع عام 2015. وتنتشر في البلاد ظاهرة انتحار الأطفال حيث تقدر نسبتهم 18 بالمئة من الحالات.

ووفقاً للمنظمة التنسيقية المصرية للحقوق والحريات فإن البلاد تشهد ثلاثة آلاف محاولة انتحار سنوياً معظمها لرجال.

وخلال العشر سنوات الأخيرة ارتفعت معدلات الانتحار في السعودية إلى الضعف وفقاً لبيانات وزارة الداخلية السعودية، كما وتظهر النساء نسب أعلى من السلوك الانتحاري.

في تقرير لمنظمة الصحة العالمية لعام 2019 تصدرت مصر قائمة الدول التي شهدت أعلى معدلات انتحار رغم أنها أكثر أماناً من بعض الدول العربية، حيث شهدت البلاد 3799 حالة انتحار.

جاءت السودان في المركز الثاني عربياً حيث شهدت البلاد 3205 حالة انتحار بمعدل 17 حالة انتحار لكل مئة ألف نسمة دون ذكر تفاصيل عن جنس المقدمين على الانتحار، تلتها اليمن بـ 2335 حالة انتحار.

في المركز الرابع جاءت الجزائر بعدد حالات وصل لـ 1299 حالة ثم العراق بـ 1128 حالة، ثم السعودية بـ 1023 حالة انتحار، ثم المغرب بـ 1014 حالة بمعدل خمس حالات انتحار لكل مئة ألف نسمة.

تتذيل سوريا قائمة الدول العربية للانتحار فرغم ظروف الحرب والأزمة الاقتصادية واللجوء والانتهاكات إلا أن البلاد لا تشهد حالات انتحار مرتفعة.

وفي لبنان وبحسب قوى الأمن الداخلي تشهد البلاد حالة انتحار كل يومين ونصف ومحاولة انتحار كل ست ساعات.

تسجل معظم حالات الانتحار في العراق على أنها حوادث. المفوضية العليا لحقوق الإنسان رصدت نحو 3000 حالة انتحار في الفترة (2015ـ2017).

 

إمكانية القضاء على ظاهرة الانتحار

في اليوم العالمي لمنع الانتحار تتضافر جهود المؤسسات المعنية بمنع الانتحار والناشطين في هذا المجال لإنقاذ حياة الناس من خلال التواصل وتوفير علاجات واستشارات نفسية. 

إن أبرز المساعي التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية والهيئات المختصة هي نشر التوعية بين جميع الشرائح حيث أن القضاء على ظاهرة الانتحار يبدأ مع تغيير قناعة الشخص من خلال تقديم استشارات نفسية وعلاج الاكتئاب والإدمان على الكحول والمخدرات وتقديم النصائح لمن حاولوا الانتحار، ومحاولة تغيير الظروف المحيطة إن أمكن. 

وهناك جهود مرتبطة بالدول ذاتها من خلال وضع استراتيجيات في برامجها الوطنية والتعليمية للوقاية من الانتحار وكذلك فرض قيود على بعض الوسائل المستخدمة في الانتحار كالسموم والمبيدات الحشرية والأسلحة.

واثمرت هذه الجهود عن انخفاض حالات التسمم بالمبيدات في سريلانكا إلى أكثر من 70 بالمئة ما بين عامي (1995ـ2015) بعد قيام الحكومة بوضع قيود على بيع المبيدات في الريف.

بين عامي 2010 و2016 تراجعت نسب الانتحار حول العالم إلى 9.8 بالمئة لكنها زادت في المقابل بالأمريكيتين حيث وصلت النسبة إلى 6 بالمئة.

الاحتفال باليوم العالمي لمنع الانتحار يساهم في تقديم الدعم لمن يعانون من أزمة، وتغيير مسار الأحاديث من الانتحار إلى منع الانتحار، وتعزيز التعافي والمساعدة وإعطاء الأمل، ويكون ذلك عبر تعلم كيفية تحديد عوامل الخطر من بينها الشعور بالعجز أو اليأس، وآراء متشائمة حول المستقبل.