العواصف المطرية القادمة... هواجس لا تنتهي

تواجه النازحات في مخيمات إدلب بعد كل منخفض جوي صعوبات عديدة، حيث تتعرض مئات الخيام للغرق، وأضرار واسعة، جراء تغيرات الطقس وعواصف الشتاء المنتظرة.

هديل العمر

إدلب ـ تترقب الكثير من النازحات اللواتي تعشن ظروفاً إنسانية صعبة داخل مئات المخيمات العشوائية، اقتراب فصل الشتاء بحذر بالغ وخوف شديد، بما سيحمله هذا الفصل من كوارث إنسانية وأمراض صدرية يسببها هطول الأمطار الغزيرة وغرق الخيام وانجراف التربة والبرد القارس والعواصف الثلجية، في مأساة تتكرر كل عام.

لم يكن تأمين بعض التحصينات للخيام القديمة قبيل قدوم الشتاء أكثر ما يشغل العوائل النازحة في إدلب، إذ أن تأمين مواد التدفئة بات يشكل حلماً للفقراء واقتصر شرائها بعد ارتفاع أسعارها على الطبقات المتوسطة والغنية التي لا تشكل سوى نسبة قليلة من مجموعة سكان المخيمات.

عانت النازحة سلام البجري (32) عاماً مع أول منخفض جوي على المنطقة هذا العام، فخيمتها مهترئة، ومع بدء هطول المطر قضت الليلة وكأن لا شيء يؤويها، فهي لم تتمكن من تجديد السقف بسبب سوء أحوالها المادية لتأتي الأمطار وتجعلها تعاني مع أطفالها بداية شتاء يبدو لها أكثر مأساة من سابقه.

قالت سلام البجري وهي نازحة مقيمة في مخيمات دير حسان شمال إدلب، بينما تسعى لشد حبال الخيمة وتثبيت عواميدها، أن خيمتها بحاجة إلى تغيير كل عام، نظراً لاهتراء أقمشتها المصنوعة من النايلون الرديء، غير أن سوء أحوالها وصعوبة إيجاد زوجها لعمل يجعلها تقوم بإصلاحها في كل عام، لكن إصلاحها لم يعد يجدي شيئاً بسبب اهترائها.

باغتت الأمطار الغزيرة النازحة رويدا العبد الله (45) عاماً بشكل مفاجئ، وتسللت المياه الجارفة إلى داخل خيمتها الواقعة في منطقة أطمة شمال إدلب، لتشكل كارثة حقيقية تسببت لها بمأساة، بعد بلل الأغطية والأثاث الداخلي للخيمة، فضلاً عن تشكل المستنقعات داخل المخيم ما أعاق حركتهم بشكل كبير.

"نحن النازحين معظمنا يقيم داخل خيام أغلبها مهترئة، ومع اتخاذنا لأقصى التدابير الوقائية من تحصين جوانب الخيام بسواتر ترابية، للحماية من تدفق المياه إلى داخلها، وإضافة لوضع عوازل على الأسقف إلا أننا نفشل في ذلك، نتيجة تدفق السيول على المخيمات من كل جانب لعدم وجود صرف صحي، أو حتى طرقاً معبَّدة أو مدعومة بطبقة من الرمل أو البحص، التي تتشكل فيها كميات كبيرة من الطين" هذا ما قالته النازحة رويدا العبد الله.

نسرين الدودي (34) عاماً نازحة من مدينة معرة النعمان ومقيمة في مخيم تل الكرامة شمال إدلب، تعاني الفقر الشديد وقلة فرص العمل وتلجأ إلى أقاربها بعد كل عاصفة مطرية، بعد أن حولت الأمطار الغزيرة المخيم إلى بركة كبيرة أشبه بمستنقع واسع تغمر مياهه جميع الخيام.

وقالت "لا أعرف ما الذي يمكن أن أفعله مع قدوم فصل الشتاء بأمطاره وعواصفه وبرده القارس، بينما نعاني ذات التحديات في المأوى وتأمين أدنى مستلزمات السكن الآمن والدفء، وسط أوضاعاً تزداد فقراً وسوءاً كل عام".

ويبقى كل ما يحصل لنسرين الدودي من مآسي مع قدوم فصل الشتاء أقل وطأة من معاناة إصابة أبنائها بالأمراض الصدرية، إذ يعاني أطفالها الأربعة من أمراض الربو المزمن، ومع اقتراب موسم البرد في كل عام تسوء حالتهم الصحية، وتضطر لإدخالهم المشفى عدة أيام من أجل الحصول على الرعاية الصحية والأكسجين وجلسات الرذاذ المستمرة.

وأوضحت أن مرض أبنائها يبدأ بنوبات سعال وبلغم وتتطور لضيق في التنفس وارتفاع في درجة حرارة الجسم وعدوى وينتهي بهم الأمر في العناية المركزة بعد كل نوبة ربو جديدة، ولا تستطيع الحد من مرض أبنائها وسط البرد القارس في المخيم واستخدام وسائل التدفئة الضارة لا سيما مواد الفحم والبلاستيك والكرتون الأقل تكلفة.

وأكثر ما يقلقها بعد المراكز الطبية عن مخيمهم وصعوبة الوصول إلى العلاج والرعاية الطبية الإسعافية، لا سيما وأن أمراض أبنائها التنفسية المزمنة كثيراً ما تشتد في ساعات الليل، حيث يصعب خلالها إيجاد وسيلة نقل للذهاب للمشفى.

وأصدر فريق "منسقو استجابة سوريا" مؤخراً، بياناً سلط الضوء على واقع المهجرين والنازحين واحتياجاتهم مع حلول فصل الشتاء، مبيناً أن 94% من العائلات عاجزون عن تأمين مواد التدفئة.

وقال البيان إنّ 79 % من المهجرين في العام الماضي لم يحصلوا على إمدادات التدفئة وتحديداً ضمن المخيمات، لافتاً إلى أنّ 94 % من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة للشتاء المقبل.

وأشار إلى ارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من 4 ملايين نسمة معظمهم من سكان المخيمات، في ظل ارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية في المنطقة، وتزايد معدلات البطالة بين المدنيين.