الواقع المصري من ظاهرة تأنيث الفقر وما تتحمله المرأة من آثار جانبية تصل لحد التسليع

كثيراً ما نتساءل عن أسباب تحمل النساء للفقر بنسبة أعلى من الرجال، ولماذا هناك ظاهرة "تأنيث للفقر" وكأنه وجد لتتحمل المرأة تبعاته، ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل أنها أيضاً من يقع عليها عبء مواجهته.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أكدت المحامية والناشطة في قضايا النساء منى سالم على أن تأنيث الفقر واقع مرير تعاني منه الكثير من الدول النامية ومنها مصر، مشيرةً إلى أن زيادة نسبة الفقر بين النساء لها العديد من الأسباب بعضها اجتماعي والآخر اقتصادي وسياسي.

رغم أن ظاهرة "تأنيث الفقر" عالمية، إلا أن واقع النساء المصريات اقترن بها، وعانت أغلبهن من نتائجه السلبية، والسبب في ذلك يعود بالأساس إلى العنصرية في التعامل مع المرأة داخل الأسرة، وتمييز الرجل يأتي من طفولته حتى في تحميله جانب من مظاهر الفقر، وعادة ما نجد المرأة هي من يتم إيقاف تعليمها بل وتسليعها إن اقتضت الحاجة في محاولة الخروج من عنق زجاجة الفقر والهروب من تبعاته.

ويمكننا ببساطة أن نجد في تلك الظاهرة المعنى الحرفي للعنصرية والظلم المبني على أساس النوع "فهي أنثى ولماذا نعطيها أكثر"، بدايةً من أنواع الأطعمة المتوفرة في الأسرة وصولاً لفرص ترقيتها في العمل مروراً بالتعليم والملبس والمسكن، وكأن جريمتها الأولى والأبدية أنها خلقت امرأة، وفي نفس اللحظة "إنها أنثى وعليها أن تتحمل"، فنجد أغلب البيوت تتحمل المرأة أعباء خلاصها من واقعها فنراها تعمل في مهام متعددة لتوفير المال وتلبية الاحتياجات، ومقابل ذلك ينتزع منها الرجل كل الامتيازات فقط على أساس نوعه المميز مجتمعياً.

 

منها العنصرية المبنية على أساس النوع... أسباب "تأنيث الفقر"

قالت المحامية والناشطة في قضايا النساء منى سالم لوكالتنا أن مصطلح "تأنيث الفقر" قد يكون جديد على الآذان، إلا أنه واقع مرير تعاني منه الكثير من الدول النامية ومنها مصر، معتبرةً أن زيادة نسبة الفقر للنساء مقارنة بالرجال لها العديد من الأسباب بعضها اجتماعي والآخر اقتصادي وسياسي.

وأكدت على أن السبب الرئيسي لانتشار تلك الظاهرة وخاصةً في الريف المصري يرجع إلى العنصرية النوعية التي تمارس على النساء، فهناك تفضيل شبه عام للأبناء الذكور على الإناث في الأسر، ومن ثم يحدث التفضيل في المتطلبات وتوفير الاحتياجات مبني على أساس النوع الاجتماعي.

وأشارت إلى أن التمييز ضد النساء متنوع سواء في الطعام أو الفرص وكذلك التعليم وتوفير المستلزمات الخاصة بكل فرد في الأسرة وصولاً لمرحلة الاختيار والوقوف على قرار مصيري كالزواج في سن مبكرة وأخيراً فرص الترقي في الحياة العامة.

 

زواج القاصرات وتحمل تبعات الطلاق وإعالة الأسرة... نتائج تتحملها النساء بسبب تأنيث الفقر

تتحمل المرأة تبعات الفقر داخل أسرتها بل أن التخلص من حدته قد يكون أحد حلوله الاتجار بها والتربح منها في أول زيجة خاصةً وإن كانت دون السن القانوني كما ترى المحامية والناشطة النسوية منى سالم التي لفتت إلى أن الأسرة تتفنن في الضغط على طفلتهم منذ صغرها بشتى الوسائل وتكلل تلك الكارثة بتزويجها المبكر الذي عادة ما ينتهي بالطلاق، لتدخل في مرحلة جديدة أشد قسوة وصدام مع الواقع الاقتصادي المرير الذي يكبلها بأعباء إعالة الأسرة بعد رحيل الزوج.

واعتبرت أن المرأة في هذه المرحلة تمارس عليها مجموعة معقدة من الضغوط المجتمعية لأنها في عرفهم "ناقصة" لم تتمكن من إنجاح حياتها الأسرية باعتبارها خلقت لتتحمل ما يصنعه الرجل من كوارث ودون ذلك تقع فريسة الوصم المضاعف أولاً كونها امرأة على أساس نوعها ثم لأنها مطلقة.

 

تغيير وعي وثقافة المجتمع... حلول ممكنة لمواجهة تأنيث الفقر

لكل ظاهرة وإن كانت جذورها معقدة التركيب كما هو الحال في "تأنيث الفقر" حلول وعوامل في حال الاهتمام بالتخلص أو التفاعل مع معطياتها قد يمكنها تقليص توابعها والعمل على تجاوزها وإن تطلب الأمر بعض الوقت والجهد المكثف في العمل عليها.

وترى الناشطة منى سالم أن للحكومة دور قوي في التعامل والحد من تلك الظاهرة ومنها سن القوانين المناهضة لتزويج القاصرات أو مختلف أوجه الإتجار بالنساء، فضلاً عن إعطاء الأولوية لقضايا النساء وتخصيص وزارة لمتابعة ما تتعرض له من أزمات، والعمل على قضية المرأة المعيلة لأنه واحد من أسباب انتشار الفقر بين النساء في مختلف أنحاء الجمهورية، بالإضافة إلى تعديل قانون العقوبات والأحوال الشخصية والتأمينات، ووضع حد أدنى للمعاشات أساسه بلوغ حد الكفاية.

وتمكين النساء واحد من الحلول والإجراءات التي تعتبرها منى سالم ضرورية، حيث تحتاج النساء إلى العدالة في إتاحة الفرص بمختلف القطاعات، والقضاء على الأمية ومن ثم تقليل مسببات زيادة نسبة الفقر بين النساء ومنه تتحقق الغاية المنشودة ويتم تحجيم انتشار تلك الظاهرة.

واعتبرت منى سالم أن التوعية وتغيير الثقافة المجتمعية تجاه النساء واحد من الأولويات التي يجب العمل على تعزيزها لتتمكن النساء من نيل حقوقهن وفق قدراتهن ومهاراتهن ولا يتم الانتقاص منها لمجرد نوعها الاجتماعي.

 

تجربة الهروب من الفقر ومشاق الرحلة التي تتحملها المرأة

واحدة من أعقد القصص التي صادفتنا في هذا التقرير هي تجربة "العجوز الثلاثينية" كما أحبت أن توصف سيدة عادل وهو اسم مستعار، التي قالت عن نفسها "أصبحت امرأة عجوز في تفاصيلي، فلم يعد لدي وقت ولا مساحة كي أشعر وأحب وأبتسم، فأنا الآن أعول 3 بنات وأحاول التعافي من العنف الأسري الذي عرفته قبل أن أفهم معنى الحياة".

وتعتبر سيدة عادل أن ما مضى من حياتها لم يكن لها فيه قرار حتى إنجاب الأطفال فهي ابنة لأسرة متوسطة الحال وأب وصفته بـ "الجشع" قرر أن يتربح من كونها امرأة فزوجها وهي في الرابعة عشرة من عمرها، في سن لم تكن تدرك للزواج معنى سوى تلك اللعبة التي شاركت صديقاتها فيها بشارع الحي والشائعة آنذاك "عريس عروسة".

وقالت سيدة عادل التي عادت بذاكرتها لتلك اللحظات "نحن أسرة مكونة من 6 أبناء 4 ذكور وفتاتين، لقد عاملونا كعبيد لهم، أنا وأختي وأمي خادمات هؤلاء الذكور لا نجتمع معهم على طاولة طعام ولا نرد لهم طلباً، وقطعاً لا نستطيع أن نحلم بالخروج من الحي الذي نعيش فيه ومجرد وجودنا في الشارع كان خلسة تحت ستار كذب أمي عليهم، علمت معنى الحرمان منذ أن تساءلت لماذا لا نذهب للمدرسة كالأخوة فقيل لي أنهم رجال وفهمت أنني مختلفة عنهم ونقمت عليهم ما بقي من عمري".

وتعتبر أن الاختيار حلم بعيد المنال في هذه الأسرة فرجالها هم من يحددون مصير جميع نسائها قائلةً "قرر أبي تزويجي ولم أكن أفهم معنى ذلك، وفجأة وجدت نفسي مع رجل قريب في السن من أخي الأكبر ويشبه أبي كثيراً في طباعه وغلظته بل وتعنيفه الذي يصل لحد الضرب حتى أبات طريحة الفراش، فخرجت من أسوار منزل أبي إلى سجنه الذي حرمت فيه من كذب أمي والمهرب الوحيد من قبضة الأسوار".

وأضافت "أنجبت الأطفال في الوقت الذي لم أكن أرغب أو أعلم أن لي حق الرفض، وتم تطليقي لأنني أم لفتيات، عدت لأسرتي بالخيبة والثلاث طفلات ورغم أن أبي فارق الحياة إلا أني لازلت في قبضة قرارات الذكور، بين يوم وآخر يجلبون لي شبيهاً لهم لتزويجي، وأتعلل بالمرض تارة وبالجنون أحياناً محاولة الخلاص من أفكارهم، ونعم أنا العجوز الثلاثينية لا أريد الآن سوى تأمين حياة أفضل لبناتي ولو بالكذب كما فعلت أمي".