التسرب من التعليم في الإسماعيلية... أسر تقنع فتياتها بدورهن النمطي
التعليم ضرورة وليس رفاهية وعلى كل الأسر أن تدرك ذلك فالكثير من الفتيات ينخدعن بالحياة المبهجة التي تروى لهن عن الزواج ويتركن السند الحقيقي لهن.
أسماء فتحي
القاهرة ـ تعليم الفتاة واحد من الأسلحة التي تعينها على مواصلة الحياة بشكل أكثر صلابة فهو "سلاح يحميها من غدر الزمن" بحسب ما يعتقده البعض، وعدد من الأسر لا تعي ذلك وتتلخص مهمتها في تدريب الطفلات على مهامهن المنزلية المرتقبة دون الحرص على دخولهن الجامعة أو استكمالهن لدراستهن الأكاديمية.
"مصيرك لبيتك ولجوزك" عبارة اعتبرتها الكثير من الأسر بمحافظة الاسماعيلية قانون تعاملن به تجاه تعليم الفتيات ومبرر لحرمانهن منه، إلا أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد فالبعض قرر إقناع الفتاة بدور نمطي فرضه المجتمع الأبوي عليها، وجعله لصيق بها يتمثل في "خدمة زوجها وأسرتها"، وانشغلت الكثير من الأسر في تدريب فتياتهم منذ الصغر على الأدوات التي تمكنهم من النجاح في هذا الدور.
ومن خلال لقائنا ببعض النماذج العشوائية في المحافظة خلال زيارتنا لها للتعرف على أوضاع النساء بها أدركنا أن هناك جانب ليس بالقليل من الأسر تأثر إيجاباً بحملات التوعية التي تتم حول حقوق الفتيات وتمكينهم من التعليم لتسليحهن في مواجهة النكبات الكبرى وارتبط الأمر في ذهنهم بزيادة معدل الطلاق واضطرار الكثيرات لإعالة الأطفال.
وساهمت الجامعة بحسب ما سنرى في تعزيز معدل الوعي بأهمية استكمال التعليم للفتيات وإشراكهن في الحياة العامة وصنع القرار.
البعض اقتنع وأخريات رضخن للأمر الواقع وتركن التعليم
في جولة بمحافظة الاسماعيلية التقينا عدد من الفتيات آثرن الاكتفاء بذكر أسمهن الأول فقط في مشاركتهم لنا تجاربهم مع حرمانهم من التعليم وكانت أقساهم تجربة "سلمى" التي أكدت أنها بالفعل اقتنعت أن دور المرأة هو رعاية أسرتها وحرمان نفسها من متع الحياة لصالحها بل وإيثار زوجها عليها.
وعن تجربتها قالت سلمى "تزوجت صغيرة في سن الـ 16 عام وأنا الأن في عمر الـ 21 ومطلقة ولدي طفلتان أعمل على رعايتهما، خطأي أني كنت أصدق ما قالته لي أمي وتركت تعليمي بعد إتمام الابتدائية لأتدرب على مهام المنزل من خبز وطبخ وتنظيف وكي ملابس وغيرها من الأمور التي تعلمتها، وظللت أفعل ما قالته أمي لي حتى فوجئت بأن زوجي ذهب لأخرى لأنها كما يقول مهتمة بنفسها أكثر مني".
وأوضحت إن "جريمتي أني أهتم بأسرتي أكثر من ذاتي وهذا أمر لم تعلمه لي أمي، وعندما رفضت وتشاجرت مع زوجي رماني في بيت أبي وخرجت للعمل باليومية في أحد المحلات التجارية لأني لا أملك أي شهادة، والآن أقوم بالتنظيف أيضاً وأعمال الخدمة".
ومن جانبها قالت جميلة إنها درست حتى الثانوية العامة وأثناء ذلك تقدم لخطبتها أحد الجيران وهنا استجابت لرغبة أسرتها لأنها كانت تدرك ما يمرون به من ضيق مالي وعدم القدرة على الانفاق على تعليمها، وشعرت برغبتهم في تزويجها فقررت الاستسلام وبعد زواجها أدركت أنها لن تستطيع استكمال دراستها لأن أم الزوج ترفض ذلك.
وأوضحت أن تضحيتها بمستقبلها جاءت لرغبة أسرتها ولكنها مع مرور الوقت أدركت حجم خطأها فقد تحول مسار حياتها على عكس إرادتها، وظلت قابعة في منزل الأسرة حريصة على أداء ما عليها من التزامات دون أن يدرك أحد أن هناك شيء ينقصها ولكنها حريصة على تعليم طفلتها مهما كلفها الأمر من جهد.
وأشارت إلى إن "التعليم ضرورة وليس رفاهية وعلى كل الأسر أن تدرك ذلك فالكثير من الفتيات ينخدعن بالحياة المبهجة التي تروى لهم عن الزواج ويتركن السند الحقيقي لهن، فأخت زوجي متعلمة وكذلك زوجة أخيه وكلاهما لهما شأن في المنزل ولأني لست متعلمة فأنا الأدنى في المكانة والمعاملة، فمن تسعد بوجود أسرة خلفها تدعمها وتحصل على شهادتها العليا تجد ذات التقدير في الأسرة التي قد تهين امرأة مثلي لأنها مضطرة للتحمل خوفاً من مستقبلها في حال الانفصال".
مميز وتنميط في الصغر لأعدادها لمهامها المستقبلية
قالت الطالبة الجامعية أنغام وائل، أن الفتاة وهي صغيرة تعاني من التمييز مقارنة بأخيها الذي ينال كل الحقوق على حسابها لكونه رجل وفقط، فله القدرة على اللعب والخروج واتخاذ القرار بينما تظل الفتاة قابعة في منزل أبيها راضية بكل ما يقرره لها الأهل دون القدرة على الاعتراض.
وأكدت أن التسرب من التعليم لا يتم في محافظة الاسماعيلية بالشكل الفج الواضح باستثناء بعض القرى البعيدة عن المركز مشيرةً إلى أن عدد ليس بالقليل من الأسر ترسخ بعض المفاهيم في عقل الفتاة حول دورها النمطي في المجتمع وضرورة قيامها بمهامها المفروضة عليها كربة منزل ومنها تعليمها المهارات الرئيسية المستخدمة في ذلك كالطبخ والتنظيف.
وأشارت إلى أن تكوين الأسرة نفسه يساهم في ذلك فالفتاة هي من تقوم بغسل ملابس أخيها وكيها وإعداد الطعام له بينما لا يقوم الرجل بأكثر من اللهو واللعب في الصغر والعمل في كبره، وهو الأمر الذي تم استخدامه كتأهيل لها وإعداد لمستقبلها في بيت الزوجية لاحقاً.
من واقع التجارب المحيطة التسرب من التعليم كارثي
أوضحت أنها رأت ما قامت به أسرة صديقتها فقد أقنعوها أن التعليم والتأهيل للجامعة غير مناسب لها وعليها الحصول على الدبلوم فقط فمستقبلها يكمن في كونها زوجة وأم وتستطيع القيام بتلك المهام وقد اقتنعت بالفعل وحدث ما تمنوه وأقنعوها به وتزوجت في صغرها.
ولفتت إلى أن قصة صديقتها انتهت بالانفصال عن زوجها وباتت الآن تعاني من تبعات ذلك فلا تمتلك شهادة يمكنها بها العمل على تجاوز محنتها "انفصلت صديقتي لأنها لم تستطع الإنجاب والدبلوم الذي حصلت عليه لم تكتسب منه مهارة فقد كانت متزوجة ولا تذهب إلا للامتحان فقط وهي الآن عالقة ولن تستطيع العودة بالزمن لاستكمال تعليمها بشكل مثالي يعينها على العمل والنجاح".
وأضافت أنها أثناء تقديمها على الجامعة كان التنسيق يبعد عن المحافظة وهو ما جعل الكثير من الأسر يمنعن فتياتهن من استكمال دراستهن واختاروا لهن الأقرب من حيث الموقع دون الالتفات لرغباتهن وطموحهن "كان لقرب أبي منا النتيجة الأفضل فقد اهتم بمشاركتنا أحلامنا وسمح لي بالذهاب للجامعة لدراسة ما أرغب به رغم بعد المسافة، إلا أن هذا لم يتوفر للكثيرات من زميلاتي وحرمن من أحلامهم ودرسن ما رأت أسرهم أنه أنسب للفتاة وأقرب لدورها النمطي المتعارف عليه".
للتسرب من التعليم وجه آخر في الإسماعيلية
رغم أن الكثيرات من الفتيات يتركن تعليمهم في مراحل مبكرة إلا أن عدد الأسر في محافظة الإسماعيلية آثرت إشراك الفتاة نفسها بالقرار كي ترغب هي في تركه وتحقيق ما رسخوه في ذاتها عن دور المرأة النمطي وأن مستقبلها يكمن في قدرتها على إدارة منزلها بشكل أفضل وتلبية احتياجات زوجها.
وأكدت أنغام وائل، أنها رأت كيف قامت الكثير من الأسر بإقناع الفتيات بأن دورهم الأهم يكمن في أن يتعلمن مهارات إنشاء الأسرة تحت عدد من المقولات الشهيرة منها "مسيرك لبيتك، الست الناجحة اللي بتكون أسرة كويسة، المهم تشوفي طلبات البيت، هتبقي مسؤولة عن رعاية أسرة وبيتك أولى بيكي".
وأوضحت أن هناك العديد من الحملات التوعوية التي تقوم بها المؤسسات الحكومية الرسمية للحث على تعليم الفتيات وإتاحة فرص بديلة للمتسربات منهن من خلال برامج ومشاريع دراسية أخرى كـ "الفصل الواحد" وغيرها، فضلاً عن الدور المكثف للمجتمع المدني لدعم الأسر وتوعيتهم بضرورة إتاحة الفرصة للفتيات وعدم حرمانهن من التعليم في مراحله المختلفة.