التقزم وسوء التغذية... أمراض شائعة بين الأطفال في مخيمات النزوح
حذرت الطبيبة روعة البارودي من مخاطر إهمال علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، لارتفاع معدلات وفاتهم تسع مرات مقابل نظرائهم الأصحاء.
لينا الخطيب
إدلب ـ تنتشر أمراض سوء التغذية والتقزم بين الأطفال في مخيمات النازحين بإدلب في ظل الفقر وتراجع مستوى المعيشة، والوضع الاقتصادي المتردي، وغلاء الأسعار، ونقص المواد الغذائية الأساسية الضرورية، تزامناً مع غياب الرعاية الصحية، الأمر الذي يهدد نمو الأطفال، وصحتهم الجسدية والعقلية.
تعاني الطفلة مروة الحسن التي تبلغ من العمر سنة ونصف، من هزال ونقص في الوزن فضلاً عن شحوب في الوجه ووهن عام في الجسم، وعند عرضها على طبيب مختص تبين إصابة الطفلة بمرض "سوء تغذية" حاد.
وعن سبب ذلك قالت والدتها صفية الحسن (29 عاماً) النازحة من بلدة الهبيط إلى مخيم كفرلوسين شمال إدلب "بعد تخطي ابنتي عمر الستة أشهر لم تعد الرضاعة الطبيعية تسد حاجتها، ولم أتمكن من إرضاعها الحليب الصناعي بسبب غلاء أسعاره وسوء أوضاعنا المعيشية، واعتمادنا على عمل زوجي المتقطع في ورشة للأعمال الزراعية".
وأضافت "اضطررت لإطعامها الأرز بعد طحنه وسلقه، إلى جانب الخبز مع الشاي، أو النشاء مع السكر في بعض الأحيان، الأمر الذي أدى لإصابتها لاحقاً بمرض سوء التغذية".
وأكدت صفية الحسن أن الطبيب أكد حاجة ابنتها لنظام غذائي خاص ومتابعة أسبوعية، كما وصف لها بعض الفيتامينات والمكملات الغذائية لتعويض نقص الغذاء في جسمها.
أما الطفل كمال الكعيد (4 سنوات) النازح من ريف مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة قاح بريف إدلب الشمالي فيبدو قصير القامة وقليل الحركة وأصغر سناً من عمره الحقيقي، ويظهر على وجهه التعب والإعياء لأقل مجهود يبذله، بسبب إصابته بمرض التقزم.
وعن ذلك تقول والدته ثناء الجاموس (37 عاماً) "يعود سبب مرضه إلى إهمال التغذية وتردي صحتي أثناء الحمل وعدم تلقي العناية الكافية والمغذيات الضرورية، إلى جانب ظروف الحرب والنزوح والفقر التي عشتها، وعدم تمكني من تأمين الغذاء المناسب لطفلي وهو رضيع".
وأشارت ثناء الجاموس إلى أن الطبيب طلب منها إجراء صور وتحاليل مخبرية، وأن تداوم على شراء الأدوية بشكل دوري ومنتظم، لعل ولدها يحصل على فرصته في النمو الطولي وزيادة الوزن، موضحة أن سعر الأدوية "هرمونات النمو" التي وصفها الطبيب تبلغ نحو 10 دولارات أمريكية شهرياً، حيث تضطر في كثير من الأحيان للاستغناء عن شراء حاجات ضرورية، لتتمكن من توفير ثمن الأدوية لطفلها.
الطفلة رنا العباس (8 سنوات) نازحة من قرية بابيلا بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم العطاء في مدينة أطمة، تتعرض للتنمر والسخرية من قبل أقرانها في المدرسة لأنها تبدو أصغر منهم بكثير، وعن ذلك تقول والدتها عبير الغفري (30عاماً) "بعد وفاة زوجي في الحرب لم أتمكن من شراء الطعام المغذي والمتكامل لأطفالي الثلاثة بسبب قلة فرص العمل وغلاء الأسعار، بل يقتصر طعامنا على الأرز والبرغل، وما يصلنا من مساعدات غذائية من المنظمات الإنسانية التي تزور المخيم بين الحين والآخر".
ولفتت الانتباه إلى عجزها عن معالجة ابنتها ذات البنية الصغيرة والنمو البطيء، حيث لم تتمكن من عرضها على طبيب مختص بسبب فقر حالها، بل اكتفت بزيارة مركز الرعاية الصحية الأولية في مدينة أطمة، ومنحها الطبيب المناوب بعض المقويات والفيتامينات، ولكن لم يظهر عليها تحسن يذكر، ولم تستفد منها أي شيء.
من جانبها قالت الطبيبة روعة البارودي (31 عاماً) من مدينة إدلب "سوء التغذية هو نقص الوارد الغذائي من البروتينات والفيتامينات والكالسيوم والحديد الذي يحتاجه الجسم للقيام بوظائفه، وقد يصيب كافة الفئات العمرية، وخاصة الأطفال بين عمر ستة أشهر حتى عمر خمس سنوات".
وأكدت أن قصر القامة بالنسبة إلى العمر يعرف بالتقزم، وينجم عن نقص التغذية المزمن أو المتكرر، ويعد من الأمراض التي تفتك بأجساد الأطفال في مخيمات الشمال السوري نتيجة انتشار الفقر والبطالة وارتفاع تكاليف العيش وتضاعف أسعار المواد الغذائية الأساسية، وتكون أعراضه بانخفاض في الوزن، وظهور بعض الوذمات على الجسد ونقص في النمو، وقد يتعرض بعض الأطفال للوفاة إذا تفاقمت حالتهم الصحية.
وأوضحت أن تردي صحة الأمهات وعدم تغذيتهن بشكل جيد خلال فترة الحمل يؤدي إلى مشكلات صحية لدى الجنين، قد تؤثر في الهيكل العظمي ونموّه وحجمه، وقد تصل في بعض الأحيان إلى تشوهات خطيرة.
وحذرت روعة البارودي من مخاطر إهمال علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية لارتفاع معدلات وفاتهم تسع مرات مقابل نظرائهم الأصحاء، مشددة على حاجة المخيمات الماسة إلى نقاط طبية متخصصة، ترعى شؤون الأطفال، لاسيما الرضّع منهم، وتؤمن اللقاحات والأدوية اللازمة والبروتينات، لمنع إصابتهم بسوء التغذية وغيرها من الأمراض التي تهدد حياتهم ومستقبلهم.
وأكد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) صدر في شهر أيار/مايو الماضي، أن سوء التغذية المزمن لدى أطفال سوريا يزداد سوءاً بشكل لا يمكن تجاهله، فواحداً من كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة يعاني من التقزم، كما يعاني ثلث الأطفال دون سن الخامسة من فقر الدم.