التعنيف الأسري... يودي بحياة أطفال في إدلب دون رقيب
تنامت ظاهرة العنف الأسري في الشمال السوري بشكل كبير مع دخول الحرب السورية عامها الحادي عشر وما أفرزته من ظروف معيشية قاسية وفقر وبطالة وضغوطات وخلافات زوجية وهو ما انعكس سلباً على الحلقة الأضعف في الأسرة وهم الأطفال غالباً
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
قضت الطفلة نهلة عثمان (٦) سنوات على يد والدها الذي حبسها داخل قفص حديدي لأيام دون طعام أو شراب لينتقم من أمها التي غادرت المنزل وطلبت الطلاق، وهو ما أدى لوفاة الطفلة في مخيم فرج الله بريف إدلب الشمالي.
وقالت مصادر طبية أن سبب وفاة الطفلة هو الجوع والعطش والتهاب في الكلى والكبد وأمراض أخرى كانت تعاني منها الطفلة نتيجة طرق التعذيب التي تعرضت لها.
تقول إحدى جارات الطفلة في مخيم فرج الله وتدعى سلمى الحجي (٣٨) عاماً متأثرة لما حدث مع الطفلة نهلة أنها توفيت بسبب "موت ضمير كل من رآها في المخيم بتلك الحالة ولم يحاول إنقاذها"، وتتابع "نعم ماتت نهلة بسبب إجرام والدها الذي تركها سجينة قفص حديدي دون رحمة ليرضي أهواءه وأهواء زوجته الجديدة دون أن يرف له جفن".
لم تكن حادثة نهلة عثمان الوحيدة وإنما تعددت حالات العنف الأسري ضد الأطفال بشكل لم يعد خافياً على أحد ودون أي إجراءات أمنية من شأنها أن تمنعها أو حتى تحد منها وسط غياب القوانين الرادعة والوازع الديني والأخلاقي.
نجى الطفل يمان الريان ذو السنتين ونصف من الموت بصعوبة بعد تعرضه للضرب المبرح من قبل زوج والدته بمدينة الدانا شمال إدلب نتيجة خلافات زوجية، ونقل الطفل إلى المشفى بحالة حرجة وتم إسعافه واستئصال طحاله المهشم وتجبير كسور فخذه إضافة لمعالجة الكدمات الموزعة في كامل أنحاء جسده الصغير.
من جهتها تشكو سهام العوض (٣٢) عاماً طباع أطفالها الثلاثة العدواني جراء تعرضهم للضرب المستمر من قبل والدهم المريض نفسياً الذي يلجأ لضربهم لتفريغ شحنات غضبه لأي سبب كان بين الحين والآخر، وهي ذاتها لم تنجو من الضرب حين كانت تحاول منعه من ضربهم.
تقول سهام العوض بعد تنهيدة طويلة "نحن نبلع السكين على الحدين، فلا نستطيع حماية أنفسنا من عنف الزوج ولا قادرين على التخلص منه خوفاً من انتقامه وانعدام المعيل".
علقت المرشدة الاجتماعية أمل الزعتور (٣٥) عاماً على ظاهرة العنف الأسري ضد الأطفال قائلةً أنها كانت موجودة سابقاً بنسبة ٨٠% ومع تضاعف حالة اليأس التي اجتاحت البلاد، فقد معظم الأهالي السيطرة على تصرفاتهم ومشاعرهم وتوازنهم وهو ما انعكس بشكل كارثي على الأطفال.
وأشارت إلى عدم وجود حياة طبيعية تنعم بها الأسر السورية وخاصة النازحة منهم ممن دفعتهم ظروفهم لتصرفات أكثر عصبية في التعامل مع أبنائهم الذين غالباً ما يكونون الضحية من خلال إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم وحرمانهم من حياة سليمة، وشعورهم بالخوف المتواصل حتى في أحضان أسرهم.
وأكدت أن الطفل المعنف يعمد إلى العزلة والابتعاد عن الناس، ويعاني من بطء التطور واكتساب المهارات أو القدرات التي يكتسبها الأطفال في عمره وفقدان ما اكتسبه سابقاً مع صعوبة في النوم وانخفاض الثقة بالنفس والقلق والتوتر والاكتئاب ورؤية الكوابيس والتبول اللاإرادي.
وبحسب إحصائيات وكالة الطفولة التابعة للأمم المتحدة "يونيسيف" يعيش أربعة من بين خمسة أطفال سوريين تحت خط الفقر، واضطر أكثر من ٦,٧ مليون شخص لمغادرة ديارهم واللجوء لدول أخرى، وواجه ٩٠% منهم تحديات زادت تعنيف الأطفال ومعاناتهم.
وبينت اليونيسيف أن ثمانية مليون طفل سوري بحاجة للمساعدة بينهم ٢,٥ مليون طفل لاجئ خارج سوريا و٢,٦ مليون طفل سوري نازح داخلها.
ووفق إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد توفي ما يزيد على ٢٨٥٠٠ طفل منذ آذار/مارس ٢٠١١ حتى الآن، وقضى ١٧٧ طفل تحت التعذيب واعتقل ٤٧٢١ آخرون، وتعرض ٢١١٦ طفل للاختفاء القسري على أيدي جميع الأطراف في الصراع السوري.