التنشئة الخاطئة أكثر القضايا التي تقف وراء انتهاكات حقوق المرأة

التنشئة الخاطئة تعطي الرجل الحق في سلب المرأة حريتها ومعاملتها على أنها عنصر ضعيف نظراً للتربية التي تلقاها في صغره.

أسماء فتحي

 القاهرة ـ تعد التنشئة في الصغر أول مراحل التكوين، وما يتم ترسيخه خلالها له تأثير يصعب محوه مع الزمن، ونسب كثيرون التنميط والذكورية إلى تلك الفترة من العمر التي تحتاج إلى إعادة النظر في سبل تقويمها في حال وجود رغبة في التأثير على المجتمع وتغيير ثقافته.

هناك عدد من النساء اللواتي أقنعن أنفسهن بفكرة التنميط، وأن واجبهن يتمثل في خدمة الأزواج وتلبية مطالبهم، لذلك يوجد رجال ينتقمون من النساء وكأن لهم ثأر قديم معهن فيقومون بتفريغ ما يعانونه من اضطهاد داخل عالم الذكورية عليهن، والأزمة تكمن في توابع تلك التربية لكونها تتحول لمبادئ يعمل وفقها من تربى عليها، فعدد كبير من الرجال يؤمنون أن لهم سلطة وحق على النساء اللواتي تشعرن بذلك بشكل أقل وهن تتحملن أعباء فوق طاقة الشخص العادي فقط لاعتبارات أساسها نوعهن الاجتماعي.

 

"زوجي يتعامل معي كخادمة ولم يشكرني يوماً"

سلمى عادل "اسم مستعار" هي واحدة من النساء اللواتي اعتقدن أن التنازل عن الحقوق سيبني أسرة متكاملة، تحدثت عن معاناتها لأكثر من 15 عاماً في كنف رجل لم يشكرها يوماً على عمل قامت به مهما بذلت من مجهود، خاصة أنها تتحمل أكثر من طاقتها بحسب روايتها وتنازلت في تلك العلاقة عن جميع أحلامها لصالح أسرتها، "كنت أظن أن من حقه أن يهينني والآن لم أعد أشعر أني إنسانة"، عبارة تبدو قاسية ولكن واقع من تعيشها هو الأقسى على الإطلاق، هي فتاة جامعية قتل طموحها داخل "قفص" الزوجية الحديدي الذي تنازلت بداخله عن كامل حقوقها في سبيل إسعاد أسرتها التي رأت أنها الأهم والأولى باهتمامها.

وقالت "تحملت مالا يمكن لبشر تحمله من إهانات وتحقير، فزوجي يعنفني دائماً ويعتبر أن مؤهلي العلمي لا قيمة له، ورغم حرصه الشديد على تعليم أطفالنا، إلا أنه لا يرى أن للفتيات الحق في ذلك".

وأضافت "ألبي جميع احتياجاته وما هو أكثر من ذلك، ولكنه دائماً يفرغ كامل غضبه عليّ من خلال توبيخي، ولم يراعي يوماً أن تلك التي يقوم بتحقيرها هي أم أولاده الذكور الذي يتباهى بإنجابه لهم ليل نهار"، وترى أنها أخطأت لتركه يمارس تلك الانتهاكات ضدها منذ بداية الزواج.

 

التنشئة نقطة البداية

اعتبرت مدرسة الحاسب الآلي ريم أحمد أن بداية الخلل الحقيقية تبدأ من التنشئة، فبمجرد ولادة الطفل يأتي التصنيف والامتيازات بحسب نوعه الاجتماعي.

وأكدت على أن الآباء يرسخون الكثير من الأفكار في عقول أبنائهم، تبدأ من منح الابن استحقاقات أكثر من الابنة كاللعب والتعلم والقيادة والسيطرة، وفي المقابل تدرب الفتيات على الطاعة والخضوع بالإضافة لخدمة جميع أفراد الأسرة، لافتةً إلى أن الأمر يطال أيضاً مستوى الخطأ والصواب، الابن مهما كان حجم أغلاطه ونوعها فهي مقبولة كونها ترسخ قدرته على تحمل التجارب المتنوعة بحسب ما يراه الآباء، أما الفتاة فتواجه بالعنف والقسوة وقد تهدد بعض الأخطاء حياتها بدعوى السمعة والشرف وما إلى ذلك من أفكار.

 

الضغط يرسخ التكوين النمطي

اعتبرت ريم أحمد أن التربية الغير سوية والتي تستند على التمييز سوف تنتج فتيات ضعاف لا تملكن أي نوع من الحقوق وتخضعن للطرف الآخر بحكم ما تمت تربيتهن عليه، "الفتاة ملزمة بالطاعة، ونكسر للبنت ضلع ينبت لها بدله 24"، وغيرها من الأمثال التحريضية الهادفة للسيطرة على المرأة وتدمير تطلعاتها وحريتها.

وأكدت على أن النساء اللواتي تتعرضن للضغوط الأسرية في صغرهن والتقييد المبالغ فيه، هن عادة ما ترتكبن الكثير من الممارسات الخاطئة بعيداً عن الأسرة واخفاء ذلك بشكل مستمر لعدم قدرتهن على الإفصاح بما تشعرن به، وهو الأمر الذي قد يعرض الكثير من النساء للخطر في محاولة منهن لكسر تلك القيود التي فرضت عليهن.

بينما تروي ريم أحمد تجربتها مع أحد الشباب المتأثرين بفكرة الاستحقاق التي تربى عليها في صغره وهو الأمر الذي حال دون زواجهما لإدراكها أنها لن تستطع تلبية احتياجاته على النحو الذي كانت تقوم به أمه، معتبرة أن مثل هذه الأفكار الذكورية عادة ما تدفع فاتورتها النساء من طاقتهن.

والأمر ليس قاصر على تلك التجربة في تقديرها، فعدد ليس بالقليل من الرجال يبحثون عن الزوجة العاملة التي يمكنها الإنفاق وتكبيلها أيضاً بأدوار أسرية مرهقة لتصبح عاملة وربة منزل في آن واحد، معتبرةً أن النساء اللواتي تقبلن بتلك النماذج تمت تربيتهن في الصغر بشكل خاطئ أيضاً، ورسخت بداخلهن أفكار مغلوطة، "ظل رجل ولا ظل حيطة، وأن عدم الزواج كارثة والانفصال نقص وهزيمة"، وجميعها أمور تحتاج لإعادة النظر بها.

 

جرائم العنف دليل صارخ على تأثير التربية النمطية على العلاقات

اعتبرت ريم أحمد أن ارتفاع معدل العنف يعود إلى التربية الخاطئة، فالرجل يرى أنه لا يمكن لأي امرأة رفضه لذلك عليها الانصياع لرغباته وأيضاً لا يحق لها أن تقرر خارج نطاق ما يراه مناسباً لها، مستدلة على ذلك بجريمة قتل نيرة أشرف التي قالت فيها أم القاتل أن ابنها "مبيغلطش وملاك نازل من السما"، علماً بأنه قتل فتاة أمام المارة بسلاح أبيض وحاول فصل رقبتها عن جسدها في وحشية لا مثيل لها.

فقد ربت تلك العائلة ابنها على أنه لا يخطئ وأنه يستحق كل ما يرغب به وأن "كلامه أوامر"، معتبرةً أنها مع التسليم مع ما قيل من ادعاءات عن الاستغلال وغيره، فالرجل هنا لا تتم تربيته على قبول تجارب وتعويض الفرص والخسائر وهو الأمر الذي أشعل بداخله نيران الانتقام والوصول لمستوى مرتفع من الوحشية.

وأكدت على أن عدد ليس بالقليل من الرجال الذين يعنفون زوجاتهم بالأساس يعانون من نقص المكانة داخل مجتمع الذكور، فيقومون بحالات الإسقاط على النساء باعتبارهن العنصر الأضعف في نظرهم.

 

 

الفن والتعليم أحد طرق تغيير الأفكار النمطية

وأكدت الاستشارية في النوع الاجتماعي والدعم المؤسسي مي صالح، أن أحد أهم الحلول المناسبة للأفكار والمشاكل والأزمات التي خلفتها التنشئة الخاطئة، هو إعادة فهم النفس ومراجعة تلك الأفكار مرة أخرى.

وأوضحت أن المؤسسات النسوية أقامت الكثير من الورش المتعلقة بالنوع الاجتماعي والأدوار المختلفة في المجتمع، فضلاً عن عقد الندوات والفعاليات، بهدف تدارك الأغلاط والأخطاء التي تسببت بها التنشئة الخاطئة.

ونوهت أن للفن دور فعال وقوي في تقويم الخلل والتنميط المسيطر على الأدوار الاجتماعية، والأمر لا يقتصر على الأعمال الدرامية الطويلة فقط إنما للأفلام القصيرة والأنيميشن والفيديوهات والجرافيك والموشن جرافيك، دور فعال وقوي أيضاً في فهم الأدوار المتنوعة والتأثير السلبي للسلطة الأبوية على الجيل الناشئ.

ولفتت إلى أن واحدة من الحلول الجذرية لتلك الأفكار تتمثل في اقتناع المجتمع بالاختلافات السائدة بين الجنسين، مع ضرورة وضع خطاب معزز لفكرة أن المواطنين مختلفين وعلى المجتمع قبول هذا التنوع، معتبرةً أن للتعليم دور محوري في مساعدة الأفراد على فهم أنفسهم وأجسادهم وأدوارهم في الحياة.