التجريم وصاية على أجساد النساء والإجهاض الآمن حق لحماية أرواحهن

الإجهاض واحدة من الإشكاليات الكبرى في الداخل المحلي لكونه مجرم وله تعقيدات لصيقة بالدين والثقافة المجتمعية السائدة، وهو ما يجعل النساء الراغبات في القيام به في أزمة حقيقية قد تصل لحد تعريض حياتهن للخطر وفقدها في بعض الحالات.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أكدت باحثات وقانونيات أن الإجهاض في مصر جريمة معاقب عليها في قانون الجنايات ووسائله الآمنة غير متاحة للنساء دائماً ومنها الحبوب والعمليات الجراحية إن اقتضى الأمر.

"حاولت في أكثر من مشفى وعيادة الحصول على إجهاض آمن ولم يساعدني أحد وقررت الاعتماد على وصفات النساء وتمكنت من تنزيل الجنين"، عبارة بدأت بها (مريم . ص) حديثها، مشيرةً إلى أنها كانت أم لطفلة وزوجها لا ينفق عليهم وتخرج للعمل رغماً عنها لتساعده في احتياجاتهم وفوجئت أنها حامل أثناء تفكيرها الجدي في الانفصال عنه.

وقالت "كنت أكره العيش معه حتى لقاءاتنا الحميمية عادة ما كانت تندرج تحت بند الاغتصاب خاصة بعدما اتبع أسلوب الضرب لتهذيبي كما أخبروه، وبات شخص معنف قاسي القلب لا يرفق بي ولا بطفلته الرضيعة وبعدما بلغت ابنتي سن الأربع سنوات كنت أفكر في طريقة للخلاص من قبضته وهنا فوجئت بحملي".

ووصفت (مريم. ص) محاولاتها في الحصول على إجهاض آمن بـ العبثية "حين ذهبت لمشفى حكومي أشعروني أني ارتكبت خطيئة بمجرد التفكير في الأمر وسألوني هل هو من زوجك، ولقسوة ما حدث معي استدنت مبلغ وذهبت لأحد العيادات وبعد الكشف الطبي أخبروني بتكلفة العملية التي لو توفر معي ثمنها لأبقيت جنيني وأنفقت عليه تلك الأموال".

واعتبرت أن المرأة من حقها أن تقرر مستقبلها ومسألة الاستمرار في الحمل من عدمه لأنها الوحيدة التي تدرك ما تمر به "عانيت لسنوات من تأنيب الضمير والوجع بسبب ما فعلته ولكن لم يكن أمامي وسيلة أخرى وفادتني وصفات النساء ومكنتني من إكمال الاجهاض وبالفعل انفصلت عن زوجي والآن أحيا مع طفلتي بأمان ولا أدرك إن كان ما فعلته قد أثر سلباً علي".

 

القانون لم يضع حلول لحالات الاغتصاب والحمل

قالت المحامية ومؤسسة مبادرة نوارة، نور الهدى ولي الدين أن الإجهاض جريمة معاقب عليها في قانون الجنايات ووسائله الآمنة غير متاحة للنساء دائماً ومنها الحبوب والعمليات الجراحية إن اقتضى الأمر.

وأكدت أن عدد ليس بالقليل من النساء تضطررن للجوء لعمليات غير آمنة قد تؤدي في كثير من الأحيان للوفاة، معتبرة أن الأهم من مراجعة التعديلات اللازمة هو التركيز في أن يصبح المشرعين أو القائمين على مسألة الإجهاض وغيرها من الأمور المتعلقة بالنساء هن نساء أيضاً.

وشددت على عدم أحقية الرجال في التقرير فيما يخص أجساد النساء وتجربتهن الخاصة لكونهم لن يدركوا أبداً حقيقة ما تمر به المرأة في مثل تلك الأوضاع والقرارات.

 

 

 

الثقافة المجتمعية والوصاية على أجساد النساء

وأوضحت أن النساء يقع عليهن الكثير من القيود لأنه لا يوجد اعتراف أن للمرأة حق في جسدها والمجتمع يتعامل وكأن طفلها ملكية عامة فمن حقه الاحتفاظ به أو التخلص منه بحسب ما يراه مناسباً بينما لا يوجد أي اعتبار لإرادة النساء في الأمر أو حالتهن سواء كن متزوجات أو غير ذلك ومدى  استعدادهن وأمانهن الشخصي وحالتهن النفسية فجميعها اعتبارات غفل عنها القانون.

وبينت أن المجتمع يرى الإجهاض بشكل يحمل الكثير من الوصم والرفض وينظر للمرأة على أنها وعاء يحمل فرد جديد له، معتبرة أن الحاجة باتت ملحة للعمل على وقف ما يمارس على النساء من انتهاكات والاعتراف بحقهن في أجسادهن أياً كانت اختياراتهن.

وقالت إن المجتمع النسوي يبذل جهداً في الأمر ولكن في المواضيع الحساسة كالإجهاض يتم التضييق إلى حد كبير على حراكه، مشيرة إلى أن البرلمان لا يتاح للنسويات أن يكن في لجان النقاش على سبيل المثال واستقبال مقترحاتهن في قضايا النساء، مؤكدةً أنه لا يصح انتظار قرار في مثل هذه الأمور من أي نوع آخر لم يقوم بعملية الحمل ويشعر بتفاصيلها.

 

القانون لم يتطرق لأطفال الاغتصاب والنساء تخاطرن بأرواحهن عند حدوثه

وبدورها أوضحت الباحثة القانونية فاطمة العوامري، أن القانون متعسف في تجريم الإجهاض ولكنه فتح المجال للنساء الغير مؤهلات صحياً على الحق في ذلك، ولكن حالات السفاح والاغتصاب وزنا المحارم وغيرها من العلاقات التي تتم خارج منظومة الزواج عادة ما ينتج عنها أطفال لا يعلم أحد أين سيذهبون، وعادة ما يشردوا وهو ما يترتب عليه من مشاكل عديدة لاحقاً.

واعتبرت أن الإجهاض في الصعيد جريمة يصعب رصدها لكونها تتم بسرية كاملة وقائمة بالفعل خاصة فيما يتعلق بالحالات التي تقع خارج منظومة الزواج، مؤكدة أن مناقشة التعديلات تحتاج دراية بطبيعة المجتمع كي يتم توصيل الفكرة لكونه لا قبول له بدون أسباب حقيقية تتطلب فعل ذلك كوجود طفل مشوه أو أزمة صحية لأن المجتمع المغلق في الصعيد يهتم إلى حد كبير بفكرة زيادة عدد الأطفال و"العزوة"، لافتة إلى أن الأمر يبدو مستحيلاً هناك إن سببه فقط الحرية في اتخاذ القرار.

وترى أن هناك الكثير من الفتيات تغتصبن ولا يتاح لهن اختيار الاجهاض كونه غير قانوني أو لأسباب دينية "هناك فتيات تغتصبن وهن في المدارس وبالتالي يضيع مستقبلهن وكذلك بعض النساء في عالم العمل تنتهي حياتهن لمجرد أن هناك مجرم قرر الاعتداء عليهن ولهن كل الحق في اختيار مستقبلهن والتقرير لأنفسهن والتمسك بما تبقى لهن".

 

 

 

الأطباء يرونه حالة مرضية وتستلزم وجود إجراء آمن

أكدت الدكتورة راندة فخر الدين، استشاري نساء وتوليد ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الشاملة، أن الاجهاض حالة مرضية ويجب التعامل معها من هذا المنطلق ولا يجب توصيفها قانونياً، معتبرة أن المرأة التي تمر بظروف صحية أو حتى نفسية أو اجتماعية لا تسمح لها باستكمال حملها مما يتطلب تدخل سواء كان القرار طبي من خلال متخصص أو اتخذته مستقلة.

وأكدت على ضرورة فتح المجال لتتم تلك الخطوة بدون التعرض لضرر، مشيرة إلى أن المرأة التي تصل لهذا القرار لن تتراجع فيه وستكمل وهو ما قد يجعلها تلجأ لوسائل غير آمنة للتخلص منه وبالتالي الجهة المسؤولة من أطباء ووزارة صحة وغيرهم يجب أن يتعاملوا مع الأمر على أنه أمر واقع، مضيفة أن النساء تحتجن للإجهاض الآمن من خلال الأدوية بدلاً عن تعريضها للمخاطر.

وشددت على ضرورة إتاحة الأدوية التي تسمح بذلك لحماية النساء من مشاكل التي تترتب على قراراتهن الغير محمية، مبينةً أن ما يشاع عن فتح المجال أمام الممارسات الغير أخلاقية وغيرها لا علاقة له بالواقع لوجود نساء متزوجات ولكن لديهن معاناتهن الخاصة التي تجعلهن بحاجة حقيقية للدعم دون التمسك بوجهة النظر الواحدة.

 

 

 

الأدوية غير متوفرة والسوق السوداء تنتعش

وأوضحت أن هناك حالات إجهاض غير مكتملة ومن السهل أن يحصلوا على أدوية ليتم الأمر في أمان، مضيفة أنها أيضاً استقبلت أزواج معاً ويرغبان في عدم استكمال الحمل ولكن هذا غير متاح وهو أمر يحتاج لمراجعة وعمل على تغييره.

وأشارت إلى أن هناك من لا ترغب في إكمال الحمل لظروف اقتصادية واجتماعية وتقول بشكل علني أنه في حال عدم مساعدتها ستبحث عمن يقوم بالأمر، مبينةً أن كل ما تقوم به هو كتابة الدواء الغير متوفر، إلا في بعض مستشفيات وزارة الصحة وحال وجوده في الصيدليات لا يصرف إلا بوصفة معتمدة.

وقالت "هناك من يضطر لفعل الأمر في أماكن لا توفر على رعاية طبية صحية أو إجراءات للوقاية من التلوث لأنها تتم "تحت بير" بالفعل وبالتالي لا يوجد ضمانات حماية للنساء من المخاطر التي قد تتعرضن لها".

وبينت أن السبب في اللجوء للسوق السوداء هو عدم وجود بدائل آمنة، فلابد من الشعور بالأزمة وفتح المجال والحرية لاتخاذ القرار وعدم النظر للإنسان على أنه غير قادر على معرفة احتياجاته، مؤكدة أن الاطباء يرون أن هناك ضرورة لوجود إجهاض آمن لحماية النساء من اللجوء لطرق أخرى قد تهدد حياتهن.