التحرش والمضايقات تطال طفلات في شوارع إدلب

دفع الفقر والحرب المدمرة الكثير من النساء والأطفال في إدلب إلى التسول، كطريقة وحيدة للعيش وتغطية نفقاتهم.

هديل العمر

إدلب ـ يعتبر التحرش الجنسي بالأطفال المتسولين من أخطر الجرائم التي تفشت في المجتمع في الآونة الأخيرة، وهو شكل من أشكال الاستغلال الجنسي للأطفال المشردين والعاملين في شوارع المدن والبلدات، ويشعر الطفل الضحية أن العالم مكان غير آمن، ويفقد الثقة بالآخرين وحتى بنفسه، ولا يعرف لماذا يحدث معه ذلك، ما يعرضه إلى القلق والاكتئاب والعديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية.

ربا الكرمو البالغة من العمر 9 سنوات نازحة من قرية الرامي جنوب إدلب ومقيمة مع والدتها وإخوتها الأربعة في مخيمات إدلب العشوائية حيث يحاصرهم الفقر والجوع والمرض وقلة الخدمات والمساعدات الإنسانية، لكنها تتعرض للمضايقات من يافعين يحاولون استجرارها للركوب معهم بالسيارات أو الدراجات النارية لتلوذ بالفرار خوفاً منهم.

تقول ربا الكرمو "عملي في التسول يساعدني في تأمين بعض الطعام لأخوتي، لكنني أتعرض للكثير من المضايقات من بعض الأشخاص بشكل يومي، ينظرون نظرات مريبة وأشعر بالخوف من كلامهم ودعواتهم لي لمرافقتهم".

يحاول البعض استجرارها عن طريق إغرائها بالأموال لكنها تتمكن من التخلص منهم بطرق متعددة علمتها إياها أمها التي لم يغب عنها توعية أبنتها بكيفية التصرف حين تتعرض لمثل تلك المواقف الحرجة، ألا وهي الهروب وعدم الانصياع للمتحرشين.

فيما بدأت سعاد الفيصل ترى آثار غريبة على ابنتها ريان البالغة من العمر 10 سنوات التي راحت تنزوي في الخيمة دون أن تخرج منها عكس عادتها في الخروج يومياً من المنزل لبيع البسكويت في شوارع مدينة سرمدا القريبة من مخيمهم، واضطرت الأم الأرملة والنازحة للاعتماد على ما تبيعه ابنتها من علب البسكويت في شوارع المدينة للمارة وسائقي السيارات في الإنفاق على نفسها وإخوتها الثلاثة الآخرين وخاصة وأنهم باتوا في مواجهة فقر مدقع بعد افتقارهم المعيل والسند.

وشعرت سعاد الفيصل بأن شيئاً ما منع ريان من الذهاب وحين أصرت أن تعرف السبب عبر استجواب ابنتها صعقت حين قالت لها إنها تعرضت لتحرش من شبان مراهقين عمدوا لمضايقتها وحاولوا خطفها قبل أن تصرخ وتلوذ بالفرار، ولم تعد تأمن سعاد الفيصل على ابنتها التي باتت عرضة لأنياب المتحرشين والمستغلين لوضعها، كونها طفلة وفقيرة وبحاجة للمساعدة عبر استجرار عطف الآخرين للشراء منها وبيع ما يمكن بيعه خلال اليوم، وهو ما دفعها للاستغناء عن مساعدة ابنتها والتوجه للبحث عن فرصة عمل تغنيها وأبنائها عن الحاجة والسؤال.

وقالت المرشدة الاجتماعية بيان الخليف "غالباً ما يتم فهم التحرش الجنسي بشكل خاطئ، ولوقت طويل كان يعتبر أحد المحرمات التي لا يجب أبداً التحدث عنها رغم انتشارها بشكل كبير في المجتمعات المختلفة، وهذا التعتيم والخوف من التحدث عن الأمر من شأنه أن يمعن في تفشي الظاهرة ويمنع الحد منها، فتجاهل التحرش وتداعياته أو التظاهر بعدم وجوده يمكن أن يعقد المسألة، ويوقع الكثير من الأطفال الأبرياء فريسة سهلة للمتحرشين المنتشرين في كل مكان بالتزامن مع غياب الأمن والقانون".

وأوضحت أن "الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي قد لا يجد الكلمات المناسبة للتعبير عما يحدث معه، وفي كثير من الأحيان لا يفهم هذا الانتهاك الذي يخترق خصوصية جسده الصغير، ويتسبب له بأذى قد يرافقه لفترة طويلة من حياته".

ومن هنا طالبت المرشدة بيان الخليف بضرورة العمل قدر الإمكان على نشر الوعي بهذا الخصوص، وتضافر الجهود لتوضيح ما هو التحرش وكيفية التعامل معه والحد منه لما له من آثار على شخصية الطفل وحياته النفسية، إذ أن تأثير التحرش يتجاوز بكثير أي إصابات جسدية، ويمكن أن تكون صدمة التعرض للتحرش أو الاعتداء الجنسي مدمرة نفسياً، ما يجعل الطفل أو المراهق يشعر بالخوف والخجل والوحدة، أو الكوابيس والذكريات المؤلمة.