الثامن من آذار له معنى عميق للمرأة العصامية

شددت النساء في إيران على ضرورة مواصلة النضال في جميع مجالات الحياة للتغلب على العقلية الذكورية للعائلة والمجتمع حتى لو استغرق ذلك وقتاً طويلاً.

هيما راد

سنه ـ تعاني النساء والفتيات في إيران من آلام مشتركة في ظل العادات والتقاليد والقوانين الحكومية، وسعين إلى كسر تلك القيود المفروضة عليهن حتى تمارسن دورهن في المجتمع.

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من آذار/مارس من كل عام، أجرت وكالتنا لقاء مع (ب. ص) إحدى النساء اللواتي سعت بأن تكون امرأة متعلمة وقادرة على الاستقلال، ورفضت العادات والتقاليد التي تقيد الفتيات وتحد من طموحاتهن.

 

"العمر والجنس والعرق والجنسية كلها مرتبطة بالاقتصاد"

عن بداية حياتها قالت (ب. ص) "الاقتصاد هو ما يقلبنا دائماً رأساً على عقب. العمر، الجنس، العرق، الجنسية، هذه كلها مرتبطة بالاقتصاد الذي يؤدي إلى تحول حتى في السياسة والتغييرات في بلد أو منطقة. أي نوع من الحياة والطفولة والمراهقة كان ينتظرني بفقر مدقع؟ ضحية صغيرة، مثل كل ضحايا الطبقة الدنيا، كان لدي عائلة فقيرة وكنت الطفلة الثالثة والأخيرة. أكملت تعليمي بأقل التكاليف والموارد بدون الحقائب والأحذية وغيرها من المستلزمات. كيف يمكن أن يكون وضعي التعليمي مع هذا النظام الغذائي والملابس، وطريقة الحياة تلك".

وأضافت "كنت ألعب مع الأولاد في الحي وأشعر بالغيرة من قوتهم الجسدية التي كانت أكبر من حجمهم، لو كنت مثلهم كنت سأعمل وأكسب المال وأعيش حياة مثل حياتهم، حتى عندما كنت أبحث عن العمل يضحكون ويقولون لي أنتِ طفلة".

ووصفت (ب. ص) الظروف الصعبة التي كانت تعانيها في طفولتها "كنت أحلم بأن أكون صبياً كنت أقص شعري أمام المرآة، لكنني تعرضت للضرب كثيراً وللتنمر من قبل صديقاتي وأصدقائي، كان الأمر صعباً بالنسبة لي، لكن المشاكل العائلية، والتي ربما كانت تتعلق في الغالب بالمسائل المالية، ومشاحنات والدي، والانتقال من منزل إلى آخر مرتين في السنة بسبب عدم دفع الإيجار وغيرها، أخذتني بعيداً عن طريق الطفولة وما معنى الألعاب، وقررنا ألا نكمل تعليمنا ونعمل، كانت تبقى أمي في المنزل، بينما شقيقي البالغة من العمر 10 سنوات كان يعمل في الميكانيك وشقيقتي عملت في صالون تجميل، لكنني بقيت مصممة على مواصلة تعليمي، فسمحوا لي بالدراسة بشرط أن أساعد والدتي بعد المدرسة".

وعن إكمال تعليمها حتى التحقت بالجامعة تقول "أصبحت متعلمة في عائلتي وكان لدي احترام خاص حتى من قبل والدي الذي قال بأنه لا ينبغي للفتاة أن تذهب إلى المدرسة، كنا نعيش في قرية يطبق أهالها الكثير من القيود على الفتيات. لم يكن الزواج إلزامياً بالنسبة لي لأنني كنت أدرس بينما أُجبرت شقيقاتي على الزواج، والآن كان عليّ أن أدرس أكثر وبعد ذلك سأذهب بالتأكيد إلى العمل لأثبت أن الفتاة التي تكمل تعليمها يمكن أن تكون قوية".

وأشارت إلى أنه "التقيت بالعديد من الأصدقاء في الجامعة وغيروا مجرى حياتي تماماً، كنا نقرأ الكتب معاً واكتسبنا الخبرة منها، وسرنا في مسارات لم تقتصر على الرجال، وذلك عندما بدأنا أنشطتنا في الجامعة وأنشأنا جمعية، وخططنا لتشكيل فصول لتقديم الكتب وعرض الأفلام".

ولفتت إلى أنها حصلت على درجات عالية بسبب أنشطة الثامن من آذار "بدأنا في التعرف على العالم الأكبر، عالم لم يقتصر على عالمي وطفولتي، وفيه قاتلت النساء، وكان لديهن مطالب، ولم تكن اهتماماتهن مماثلة لمخاوفنا، بل كانت أكبر وعالمية. كنا نخطط كل عام ليوم الثامن من آذار لأن هذا اليوم بالنسبة لامرأة مثلي كان يعني الحياة، والنساء اللواتي اطلقن هذا اليوم كن قدوة لي. منذ ما يقارب عشرين عاماً، كان عدد الطلاب الذين يحتفلون بهذا اليوم قليل جداً، وأصبح يتزايد عاماً بعد عام، لذلك لا يمكن تجاهله، على الرغم من أن أمن الجامعة حاول دائماً إيقاف أنشطتنا من خلال تصنيفها على أنها سياسية، لكننا روجنا لبرنامجنا بأسماء أخرى".

وحول الأنشطة التي كانوا ينفذونها، تقول "كنا نقوم بأنشطة عديدة مثل نشر المجلات وإقامة المعارض وتقدير الشاعرات والأساتذة وبرامج تعليمية وتوعوية. واجهنا مشاكل أمنية، حتى أن البعض منا لم يُسمح له بالمشاركة في الامتحان الأول، لكن ذلك لم يوقف أنشطتنا".

 

"أقدم الحلول للنساء بالمجان"

وأشارت (ب. ص) إلى أنها تعمل الآن كمحامية "بعد تخرجنا عمل كل منا بوظيفة وقدمنا خدماتنا لنساء المجتمع. لم أعد تلك المرأة التي كانت تختار أن تكون رجلاً لأنني بنيت نفسي كامرأة ونمت أفكاري وكسبت الكثير من الخبرة في مجالات الحياة، والآن أنا أدافع عن العديد من النساء اللواتي لديهن الكثير من المشاكل، خاصة النساء من الطبقات الدنيا من المجتمع المضطهدات واللواتي تتعرضن لقمع مزدوج. وفي الثامن من آذار من كل عام، أحاول أن أجد حلول لقضايا النساء اللواتي يأتين إلي وأقدم لهن النصائح المجانية".

 

الاستقلال الفكري والروحي

وأوضحت أن الثامن من آذار هذا العام مرتبط بالانتفاضة الأخيرة في إيران وشرق كردستان "يبدو أن الناس لديهم فهم ووعي أكبر باليوم العالمي للمرأة، وارتفعت مكانة النساء إلى مستوى أعلى بكثير. خلال الانتفاضة الأخيرة لمست شجاعة النساء في هذه المقاومة وهذا النضال".

وفي ختام حديثها وجهت (ب. ص) رسالة إلى جميع الفتيات والنساء في إيران قائلة "عليك أن تبنين أنفسكن وتتغلبن على العقلية الذكورية للعائلة والمجتمع واستبدالها بالأفكار التي تكتسبنها من الدراسة، يجب أن تحصلن على الاستقلال الفكري والروحي والمالي قبل ذلك، كل هذا صعب للغاية ويستغرق وقتاً طويلاً، لكن الأمر يستحق ذلك".