الطفولة مهددة... العنف يتفشى في تونس
ارتفع في السنوات الأخيرة منسوب العنف ضد الأطفال وخاصة في تونس حيث تتصدر الأسرة قائمة المعتدين ثم تليها المدرسة ويعتبر ميولهم نحو ممارسة العنف وتراجع مستواهم الدراسي من أبرز مخلفاته.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ يواجه أطفال تونس العنف بجميع أشكاله اللفظي والنفسي والجسدي والجنسي داخل الأسرة والعائلة الموسعة في المقام الأول وفي الشارع والفضاءات العامة في المقام الثاني وداخل المؤسسات التربوية التعليمية في المقام الثالث وبالمقابل برزت ظاهرة ميول الأطفال نحو ممارسة العنف وارتكاب جرائم مختلفة جعل المختصين والمجتمع المدني يناقشون تفشي ظاهرة العنف المسلط ضد الطفل وتداعياته وسبل الحد منه.
تحتل الأسرة مرتبة الصدارة في تعنيف الطفل التونسي إذ بلغت نسبة تهديد الطفل في المنزل الـ 60% من جملة 22690 إشعاراً ورد عن مندوبي حماية الطفولة، ورغم أن العنف لا مبرر له، يرى بعض المختصين بأن الأولياء يقدمون على تعنيف أبنائهم كنوع من التفريغ عن الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها.
ويأتي الشارع في المرتبة الثانية بنسبة 18% تليه المؤسسات التربوية بنسبة 13%، من ثم المؤسسات الصحيّة بنسبة 4%، ثم المؤسسات الأمنية والرعائية بنسبة 1%.
ودفع تفشي العنف ضد الأطفال في تونس بالجمعيات والمنظمات إلى التحرك وإصدار بيانات تنديد ومنها المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط التي أشارت إلى تسجيلها خلال شهر نيسان/أبريل الماضي، أرقام غير مسبوقة من حيث حوادث العنف التي ارتقت إلى جرائم ومحاولات قتل كان القُصّر ضحاياها أو مشاركين فيها وطالت حتى المدرّسين، واعتبرت أنه من المهم جداً إقرار يوم وطني لمناهضة العنف المجتمعي والعنف الأسري وإقرار قوانين جديدة تتماشى مع هذه الظاهرة ويكون العقاب فيها على قدر الجريمة.
تقول الباحثة في علم الاجتماع وعلوم الإجرام والوقاية من الانحراف لطيفة تاجوري إن "انتشرت الجرائم بشكل عام في كل بلدان العالم لكن في تونس هناك موقفان موقف يقول إن الجريمة ارتفعت نسبتها وموقف يرى أن الإحساس بعدم الأمان هو الذي ارتفع أكثر من ارتفاع الجريمة في حد ذاتها"، مشيرةً إلى أنه بحسب مندوبي حماية الطفولة فالطفولة أصبحت في السنوات الأخيرة مهددة.
وأوضحت أن كل الإشعارات الواردة لمندوبية حماية الطفولة تؤكد أن الأسرة سبباً من أسباب العنف الممارس على الأطفال حتى في حالات الاعتداءات الجنسية حتى أنه استشرى في المؤسسات التربوية بشكل كبير ومخيف حيث مورس العنف بين الأطفال أنفسهم، حتى بين التلميذ والكادر التربوي.
ولفتت إلى أنه "لم تتضح بعد ملامح العلاقة الثلاثية الجيدة والمستمرة في المؤسسة التربوية التي تنتج تلميذاً شخصيته قوية ومستقرة في المجال الاجتماعي والنفسي وكذلك نمط العلاقات التي يبنيها ويتعلمها من خلال النظام التربوي في مرحلة ثانية والنظام الأسري في مرحلة أولى"، مشيرةً إلى أن كل مؤسسات المجتمع حتى ما بعد المدرسة والخروج إلى المركبات الثقافية والنوادي الرياضية تجد أنها موصومة بالعنف كظاهرة عامة.
وذكرت أن التحرش الجنسي أو الاعتداءات الجنسية تحديداً يمكن أن تسجل نسبةً أقل من النسب التي نلاحظها بصفة عامة وهذا يعود بالضرورة لعدة عوامل ربما العوامل الاجتماعية والثقافية التي لا تشجع على الحديث عن مسالة العنف أو الذهاب في مسار التقاضي وربما تعود إلى غياب آليات التعهد بالأطفال وحماية المبلغين على هذا العنف وكذلك ربما تعود إلى الفجوة بين النصوص القانونية والتشريعات وما يتم الإعلان عنه كمنجزات رسمية وبين الواقع وقبول الإنسان العادي وولوجه للخدمات واستفادته منها.
وأوضحت أن تلك المعطيات تعطي لمحة عن العنف الجنسي وكيفية التعامل معه في الفضاء الأسري والتربوي والاجتماعي بصورة عامة، منوهةً إلى أن "كل ما سبق ذكره عن العنف ضد الأطفال يحيلنا إلى الحديث عن سبل الوقاية أي كيف يمكن أن نقيهم من التعرض لكل أشكال العنف المتعلقة بالتحرش الجنسي لأن العنف الجسدي غالباً ما يمارس في فضاءات مغلقة لذلك لابد أن يكون للأسر الوعي الكافي بأهمية وقاية أبنائها وعدم الاطمئنان لأي شخص سواء كان من الأقرباء أو من الغرباء ونعلم أن العلاقات الأسرية ربما تمتد مع الجيران ومع أفراد من الأحياء فلابد أن تعي الأسرة أن هناك إمكانية تعرض الطفل للتحرش الجنسي من قبل العائلة".
ولفتت إلى أن "أطفالنا عندما يخبروننا بذلك عادة ما يتم اتهامهم بالكذب وهذه المسألة تعيق الطفل في التبليغ لأن الأم والأب لا يصدقون والطفل هنا يشعر بعدم الأمان"، مشيرةً إلى أن "عدم تقدير خطورة المشكلة من قبل الأولياء يعقدها ومن الممكن أن يعاني الطفل نفسياً وجسدياً، على غرار الانطواء وبالتالي استدراجهم عبر الشبكات نحو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر سواء لها علاقة بالإتجار بالبشر أو بشبكات الدعارة أي استدراجهم في أي جريمة ممكنة باعتبار أن الطفل يصبح في وضعية هشة ويصبح مفرغاً من كل الاحتمالات التي تحصنه أو تحميه وبالتالي يصبح فريسة ربما لأكثر من شبكة وشخص".