نساء الجنوب اللبناني مأساة لا تنتهي ولكل امرأة حكاية
ترى منال غريب إحدى النازحات من الجنوب اللبناني أن النساء هنّ أكثر من يتحملن مشقات الحياة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة فهن الداعم الأكبر لعائلاتهن.
فاديا جمعة
بيروت ـ أكثر من ثمانية أشهر والنساء في الجنوب اللبناني تكابدن المشقات وتتحملن تبعات وأعباء الحرب دماراً ونزوحاً، وهناك من تقطعت بهن السبل، لكن لم ترفعنَ الراية البيضاء في معركة الحياة، وإذا كانت المرأة اللبنانية عموماً تواجه ظروفاً اقتصادية ومعيشية صعبة، إلا أن المرأة في القرى والبلدات الحدودية تقاومن وسط رائحة الموت وهول الدمار، وعلى امتداد شريط القرى المتاخم لفلسطين، مأساة لا تنتهي ولكل امرأة وفتاة قصة وحكاية.
منال غريب من بين النساء اللواتي تواجهن شظف العيش وأجواء الحرب بكل تداعياتها، نازحة من بلدة طيرحرفا الحدودية إلى مدينة صور تبلغ من العمر 40 عاماً، وهي أم لفتاة وشابين لم تثنها الحرب ولم تضعف من إرادتها بعد أن تدمر بيتها ومكان عملها الذي أسسته، وجهدت بالعمل المتواصل فيه ليلاً نهاراً، بل إن الحرب زادتها قوة وعزيمة وإصراراً لتأسيس فرنها الجديد في مدينة صور التي فتحت أبوابها للوافدين إليها.
وعن بداية حياتها قالت أنها تزوجت في سن مبكرة (14 عاماً) وأسست عائلة ساعدتها وساندتها "ساندتني عائلتي في مختلف المراحل، وكان همي الأساسي أن أؤمن حياة لائقة وكريمة لها ومستوى تعليمي جيد لأبنائي، زوجي لطالما كان الداعم لي وكنا السند لبعضنا، ابنتي ممرضة تزوجت مؤخراً، وابني الأكبر يدرس هندسة الميكانيك في الجامعة، والأصغر يدرس تكنولوجيا المعلومات، وهم يتابعان تعليمها في جامعات خاصة، وهذا يتطلب مصاريف كبيرة في ظل الأزمات التي نعيشها، بدءاً من جائحة كورونا التي كبلتنا وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي، واليوم الحرب وتبعاتها، وما عادت تكفي يد واحدة لتوفير مستلزمات الحياة، ولذلك بادرت قبل سنوات لمساندة زوجي والعائلة".
وأوضحت "بدأت العمل في الزراعة، ومن ثم أنشأت مطبخاً للأطعمة الجاهزة وتأمين الطلبات للمناسبات في منزلي، إلى أن بدأت قبل خمس سنوات بتأسيس فرن أطلقت عليه اسم "صاج الريف"، أقوم فيه بصنع الخبز المنزلي، وكبرت المهنة وتوسعت لإعداد المزيد من المنتجات، بدءاً من تحضير المعجنات والخبز والتسويق والتوزيع، وذاع صيت منتجاتي، وتمكنت من الدخول إلى سوق المدينة لأزود أهم الأفران بالمنتجات البلدية، فضلاً عن عدد من التعاونيات والمحال التجارية مما دفعني لتوسيع نطاق عملي وزيادة ساعات العمل".
وأضافت "كنا نعيش باستقرار إلى أن بدأت الحرب واضطررنا للنزوح إلى المدينة وترك كل شيء خلفنا، وكانت البداية بالنسبة لنا كمن يخوض المجهول بحثاً عن الأمان، لم يكن سهلاً علينا الانتقال في ظروف ضبابية، وقد راكمت علينا الحرب تحديات جديدة من مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، فصار لزاماً علينا أن نجد منزلاً جديداً نستقر فيه، وأن نعيش في بيئة جديدة ومختلفة، وأن نضمن استمرارنا من خلال عمل ومدخول لنبقى في منأى عن العوز والحاجة".
وأشارت إلى أنه "في البداية اعتقدت كباقي الناس أن الحرب لن تدوم طويلاً، فكنت أخاطر يومياً بالتردد إلى البلدة وتحضير الطلبيات وتوزيعها، إلى أن تفاقمت الأمور وتعرض الفرن للقصف ومن ثم البيت"، مضيفة "في هذه الأثناء كنت قد بدأت بتأسيس مركز عمل جديد في المدينة، واليوم أعي جيداً أنني قمت بالعمل الأفضل لضمان استمراريتنا، فلا عودة قريبة، حتى لو توقفت الحرب فيلزمنا وقت لبناء بيت جديد".
وتابعت "بدأت بفرن صغير، ومع الوقت قمت بتوسيعه، والعمل بالنسبة لي هو أسلوب حياتي فلا أستطيع أن أعيش بدونه، وهو فعل صمود في مختلف الأزمات، واعتبر نفسي مثالاً لأولادي على القوة ومواجهة التحديات، وإذا كنت قوية سأنشىء عائلة قوية، وسأؤمن لهم حياة كريمة ولائقة، واليوم أنا أزرع فيهم المثال الحسن للبقاء في الوطن، فلا أريدهم أن يفقدوا الأمل ويهاجروا، وأعلمهم من خلال عملي أننا جميعاً نستطيع لو أردنا، فالفرص موجودة دائماً وعلينا انتهازها بشكل جيد وخلاق، وأنا قد أسست لهم ومهدت الطريق وهذه المصلحة لهم في المستقبل".
واختتمت قولها "رسالتي للنساء أن لا تستسلمن للظروف مهما قست، فالمرأة لديها قدرة كبيرة ويلزمها العزيمة والإصرار، وهي قادرة على مواجهة مختلف التحديات وتذليل الصعاب والعقبات لو أرادت، حتى لو بدأت من بيتها، ولذلك على النساء أن تستثمرن أوقاتهن لدعم أنفسهن وعائلاتهن، فالصبر والعزيمة والإرادة تمكنهن من بناء شخصية مستقلة لهن وكيان خاص بهن، وسيكون هذا حافزاً لأولادهن والمجتمع المحيط بهن".