التأخر في الزواج... ظاهرة فاقمت الضغوطات على المرأة
رغم الإنجازات الكثيرة التي حققتها المرأة، إلا أن ظاهرة عدم الزواج فاقمت الضغوطات عليها ووسعت من رقعة تهميشها والاعتداء على حقوقها؛ بسبب النظرة الدونية التي ينظرها المجتمع لها
رابعة خريص
الجزائر ـ .
تعاني الفتيات اللواتي لم يتزوجن في الجزائر من العديد من الأمراض النفسية والاجتماعية، وهُو ما تؤكدهُ دراسة أجرتها جمعية نور للمرأة والطفل على عينة شملت تقريباً 20 امرأة، تتراوح أعمارهن بين الخمسين والستين سنة، إذ خلصت الدراسة حسبما كشفته رئيس الجمعية دليلة حسين لوكالتنا إلى أن "أغلب النساء اللواتي لم يتزوجن يعشن ظروفاً قاسية مع أشقائهن وزوجاتهم خاصةً غير المتعلمات، عكس اللواتي أكملن مسارهن الدراسي وأثبتن جدارتهن على كافة الأصعدة رغم أن المجتمع الجزائري ينظر إليهن نظرة دونية".
وتروي دليلة حسين قصة إحدى النساء اللواتي تحدين المجتمع وتخطين الحواجز والقيود المجتمعية ولمعن في مسارهن المهني وهي قصة فتاة في العقد الخامس من العمر تمكنت من التألق في مسارها المهني كأستاذة جامعية حاصلة على شهادة الدكتوراه وهي ترفض الارتباط بأي شخص يكبرها أو الارتباط بعلاقة عاطفية من أجل تحقيق مصلحة ذاتية كرعاية الأطفال أو خدمة الزوج وتلبية نزواته العاطفية والجنسية.
ورغم الإنجازات الكثيرة التي حققتها المرأة، إلا أن ظاهرة عدم الرغبة في الزواج فاقمت ضغوطاتها ووسعت من رقعة تهميشها والاعتداء على حقوقها والتعدي على ميراثها، فهناك من يجبرها على التخلي عن حقها في الميراث، وهناك من تتحول إلى خادمة في البيت حسبما كشفته دليلة حسين.
وتقول الباحثة الجزائرية في علم الاجتماع العائلي والاستشارية الأسرية صارة زقاد، أن "ظاهرة عدم الزواج منتشرة بشكل كبير في المجتمع الجزائري، فهي تحتل المراتب الأولى من حيث العدد الإجمالي بنسبة تفوق 52%، فقد أكدت آخر الإحصائيات أن عدد النساء الغير متزوجات واللواتي يفوق سنهن الخامسة والعشرون عاماً قدر بـ (11000000) امرأة غير متزوجة منهن خمس ملايين (5000000) فاقت أعمارهن الخامسة والثلاثين، وهذا الرقم إجمالاً يعادل أو يفوق سكان خمس دول عربية".
وقالت "التغيير الاجتماعي في تركيبة المجتمع الجزائري وتغير نمط الأسرة من النمط التقليدي إلى النمط الحديث أدى إلى تغير معايير الزواج وتشكيل الأسرة لدى الشباب، ففي القدم كان الزواج تقليدي أي يعتمد على خطبة النساء من طرف النساء، نجد كذلك أن بعض الأسر تحافظ على نسبها بعدم الاختلاط في الزواج أي يبقى الزواج داخلياً من الأقارب فقط، ما يفسره المثل الشعبي الجزائري (زيتنا في دقيقنا) وهذا كان خارجاً عن إرادة الشاب أو الفتاة فلا مجال للنقاش أو الرفض".
وأضافت "بينما نشهد في عصرنا الحالي أن النساء اللواتي لم يتزوجن أغلبهن اخترن عدم الزواج لأنهن عازفات عنه، وهذا يعود إلى النقلة النوعية في المستوى المعرفي والثقافي للمرأة، فبعد أن كنا يعتمدن على الرجل في الانفاق، بتنا يعتمدن على ذواتهن لتحقيق اكتفائهن المادي، فهناك الكثير من النساء حققن نجاحات بارزة في مجالات مختلفة دون الحاجة إلى الرجل، فعدم الزواج سمح لهن بالتفرغ للإبداع والاتقان في العمل".
وأكدت بأن "المرأة الغير متزوجة تعتبر امرأة قوية ومستقلة، قادرة على إسعاد نفسها ولديها الثقة الكافية بقدراتها وتتمتع بالاستقلالية العاطفية والجسدية، وهي الأكثر إسهاماً في الأعمال الخيرية ومجالات العمل الإنساني، كما لديها القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية بكل صرامة بعيداً عن العاطفة، وهي ناضجة فكرياً وعقلياً وكاملة بذاتها".
واستدلت الباحثة في علم الاجتماع العائلي على الدراسة التي قام بها بروفيسور علم النفس السلوكي في كلية لندن للاقتصاد جون بول دولان في كتابه "السعادة إلى الأبد"، قائلةً "النساء غير المتزوجات وبدون أطفال يعشن فترة أطول ويتمتعن بصحة أفضل من نظيراتهن المتزوجات والأمهات".
واختتمت صارة زقاد حديثها بالقول إنه "بالرغم من إجحاف المجتمع بحق المرأة الغير متزوجة إلا أن عدم زواجها لا ينقص من إنسانيتها، ولا يغير من خدمتها لوطنها ولمجتمعها شيء بل على العكس، فعدم زواجها دافع إيجابي يجعلها تسعى لإثبات ذاتها كفرد أساسي وقادر على التأثير والمساهمة في صنع القرار".