التأخر في الإنجاب عبء يثقل كاهل النساء

على الرغم من أن التأخر في الإنجاب حالة صحية بحتة؛ إلا أنها تحولت إلى هاجس يؤرق النساء نتيجة النظرة المجتمعية، ما يتسبب لهن الشعور بالنقص والذنب في آنٍ واحد.

رفيف اسليم

غزة ـ يعتبر التأخر في الإنجاب أمر طبيعي لأي زوجين مقبلين على تأسيس عائلة فقد يكون سببه طبي أو نفسي لا يحتاج سوى بعض الوقت منهما، لكن في كلا الحالتين يلقي المجتمع ثقل تلك المشكلة على المرأة فتبدأ منذ اليوم الأول المقارنات المستفزة حول السبق في إنجاب عدد أطفال أكبر وتعنيفها في حال تأخرها لو لعام واحد.

شروق حرارة من بين النساء اللواتي عانين من ضغط المجتمع إثر تأخر الإنجاب لمدة 5 سنوات، وهو ما أشعرها في بعض الأحيان بأنه لديها إعاقة.

وأوضحت أن المجتمع يضع وقت قياسي للإنجاب ومن المفترض ألا يتم اجتيازه من قبل الزوجين الأمر الذي أثر بدوره على نفسيتها متسبباً بتأخر فعالية العلاج، ودفعها لاستباق الأمور دائماً بخطوة، لافتةً إلى أنها خلال أول عملية حقن مجهري أجرتها كان تفكيرها كيف سيكون ردة فعل المجتمع وتناست تماماً أن نتيجة النجاح ستمكنها من رؤية أول مولودة لها.

إن المزعج ليس فقط ضغط المجتمع على المرأة بل تعامل الطاقم الطبي الذي يرى الزوجان مصدر دخل لهما فتحولت العيادات لمشاريع استثمارية غير آبهة بصحة المريضة على حد قولها، مشيرةً إلى أن ما أثار استفزازها هي جملة الطبيب الذي أكد على أن مشاكل التأخر في الإنجاب تكون فقط لدى النساء ولا دخل للرجال بها، متسائلة من الذي أعطاه الحق بتعميم تلك الفرضية التي لا تنم سوى عن جهل عميق.

وطالبت المجتمع بالكف عن الضغط على المرأة كون عدم تفهم الزوج سيؤدي الأمر إلى طلاقهما وهدم الأسرة التي من الممكن أن تتكون في المستقبل، مضيفةً أن عليهم الامتناع عن وصفات الطب البديل ومطالبة النساء بإجراء عمليات خطرة في جسدهن وصحتهن في سبيل الحصول على مولود، والامتناع عن المقارنة المزعجة التي توحي أن الإنجاب سباق ويجب على النساء تحطيم الرقم القياسي به.

 

 

ولا تعد شروق حرارة الوحيدة التي عانت إثر تأخرها في الإنجاب، فنورة محمد (اسم مستعار) التي رغبت بمشاركة تجربتها دون الكشف عن هويتها، أفادت أنها متزوجة منذ أربع سنوات وتذهب في كل مرة للطبيبة وحدها دون مرافقة أحد كون زوجها مقتنع أن المشكلة منها بينما هو لا يعني من أي مشاكل صحية، لافتةً إلى أنها جربت مختلف أنواع الأدوية حتى أنها باتت عندما ترى جسدها المكشوف على المرأة لا تجد به مكان يخلو من وخز الإبر.

وأوضحت أنها اختلفت مع زوجها حين طلبت آخر طبيبة توجهت إليها التحاليل التي أجراها الزوج لتتأكد من سلامته لكنه رفض بشكل قاطع فتركته وذهبت لبيت أباها طالبة العون، ليوافق بعد ضغط من العائلتين التوجه للطبيبة التي كشفت وجود عدة مشكلات لدى الزوج تمنع حدوث الحمل وتحتاج وقت طويل للعلاج الذي فيما لو بدأه مبكراً لانتهت معاناتها مع ضغط المجتمع والآثار الجانية للعلاجات.

وأشارت مديرة حالة في جمعية عايشة للمرأة والطفل آيات أبو جياب، إلى أن الزواج هو سكن بين الشريكين يرتكز عليه العادات والتقاليد خاصة حمل المرأة مما يضع الزوجين في دائرة الحرج أو الضيق، فلا يمضي عام إلا وتتعرض النساء لشتى أنواع الضغط النفسي، لافتةً إلى أن تلك الاضطرابات النفسية ينتج عنها خلافات بين الزوجين مما يعقهما بالبحث عن فرصة علاجية مناسبة.

وأكدت على أن التأخر في الإنجاب له عدة أسباب نفسية وصحية، فعندما تقع أحد تلك الأسباب على الرجل يعطى الشرعية الكاملة في العلاج، بالمقابل في حين وقوعها على المرأة تبدأ سياط المجتمع تلتف حولها، مشيرةً إلى أن المرأة دائماً هي التي توضع في دائرة الشك حول ماهية إنجابها للأطفال وتحث به للذهاب إلى عدة أطباء وتجريب وصفات قد يكون الضرر منها على صحتها أكبر من نفعها.

وبينت أنه في حال كان هناك مشكلة صحية بالفعل لدى المرأة لها علاقة بالصحة الإنجابية والجهاز التناسلي والرحم، فعدم إعطاء الوقت الكافي لفهمها يعرضها لضغط ومشكلات يغذيها ما تمارسه عائلة الزوج في الدفع نحو إما الإسراع لتلقي العلاج المناسب أو تزويجه امرأة أخرى، وقد وقعت العديد من النساء بالفعل تحت طائلة الظلم بسبب تأخر الإنجاب.

ونوهت إلى أن فترة الحيض يصاحبها نوع في تغير المزاج، والهرمونات الجسدية، كالإرهاق والتعب الجسدي، وضعف المناعة النفسية التي يشكل 40% من مناعة الإنسان، فعندما تتعرض المرأة لمقارنات بينها وبين نساء أخريات تزوجن في ذات الفترة الزمنية قد لا تتمكن من تلقي العلاج المناسب والاستفادة منه والسبب ضغط المجتمع.

وقد تتسبب الضغوطات التي يمارسها المجتمع على النساء اللواتي تتأخرن بالإنجاب بحسب آيات أبو جياب، الانطواء والعزلة وعدم الثقة بالنفس، مشددةً على ضرورة التوعية بتلك القضية خاصة في حال تقبل الزوج تلقي العلاج.