الشتاء في غزة... فصل جديد من المعاناة يتجلى في قسوة الحرب والحرمان
في خيام لا تقوى على صد المطر أو البرد، تعيش آلاف الأسر النازحة في غزة فصل الشتاء كفصل جديد من المعاناة، تتجلى فيه قسوة الحرب والحرمان.
نغم كراجة
غزة ـ في ملعب اليرموك، الذي تحول إلى مخيم يأوي آلاف العائلات النازحة في غزة، تواجه رشيدة معروف فصلاً جديداً من مآسي الحرب، هذه المرة تحت سماء شتاء قاسٍ وأمطار لا ترحم، خسرت كل ما تملك في الغارات الأخيرة، لم تتوقع يوماً أن يكون أصعب ما تواجهه هو الرياح العاتية والمطر الذي لا يتوقف، وقد تركها النزوح بلا مأوى يحميها وبلا غطاء يدفئ جسد أطفالها.
"حاولت أمسك الخيمة بأيدي، ما بدي تطير علينا، بس الرياح كانت أقوى. فجأة لقيت الخيمة فوقنا وكل ملابسنا غرقانة، هدول الملابس كانوا كل شيء عندي، ما عندنا غيرهم أصلاً، البرد كان يأكل فينا، لا أنا ولا بنتي قدرنا ننام ليلة وحدة"، بهذه الكلمات تروي رشيدة معروف ما عاشته خلال الأيام الماضية نتيجة العاصفة المطرية التي ضربت قطاع غزة.
تجلس رشيدة معروف مع ابنتها على مدرجات الملعب منذ ثلاثة أيام، بعد أن اقتلعت الرياح خيمتها وأغرقتها الأمطار، مشهد مدرجات الملعب، المكتظة بالنساء والأطفال الذين يحتمون من البرد والمطر، يرسم صورة قاتمة لمعاناة النازحين الذين يعيشون تحت رحمة الطقس العاصف "الشتاء هذا أشد قساوة من الحرب، في الحرب كنت أخاف من الصواريخ، لكن الآن أخاف على ابنتي من البرد، ابنها الصغير أصابته الرعشة من شدة البرد، لا أعلم ماذا أفعل".
الخيم مأوى هشّ أمام الشتاء
الخيم التي تؤوي آلاف النازحين ليست سوى قطع من الأقمشة والشوادر، لا تصمد أمام أول عاصفة مطرية، عشر دقائق فقط من المطر كانت كفيلة بإغراق خيمة رشيدة معروف وخيم عشرات العائلات الأخرى، بعض الخيام طارت بفعل الرياح العاتية، تاركة الأطفال والنساء يواجهون المطر مباشرة بلا حماية. وتحولت الأرض المحيطة بالخيام إلى مستنقع من الطين، مما يجعل التنقل مستحيلاً للأطفال والنساء.
وتنخر الرياح الباردة أجساد النازحين الهشة وخاصة الأطفال، الذين يفتقدون الملابس الشتوية والأغطية، ويعانون من نزلات البرد والتهابات الصدر، بينما الأمهات تقفن عاجزات أمام صرخات أطفالهن في الليل.
وتروي رشيدة معروف معاناتها وهي تشير إلى ابنتها وطفليها "ليل نهار وأنا أسمع أصواتهم المصحوبة بالسعال، ويطلبون مني أن أدفئهم، لكن من أين أجلب لهم الأغطية والملابس الدافئة" .
تقدم الجمعيات الإغاثية خدمات محدودة للغاية بسبب نقص الموارد، كما أن الانحياز لبعض العائلات يزيد من معاناة الأسر الأكثر تضرراً، رشيدة معروف، كغيرها من النازحات، تشعر بأنها تُركت وحدها في مواجهة هذه الظروف القاسية.
عدو جديد للنازحين
مع استمرار هطول الأمطار، أصبحت الشوارع المحيطة بالمخيمات مغمورة بالمياه، بعض النازحين فقدوا خيامهم بالكامل بعد أن جرفتها المياه إلى البحر، وتقول رشيدة معروف "نحن نموت كل يوم، الشتاء هذا أصعب شتاء يمر عليّنا، كم مرة تمنيت لو نعود إلى منزلنا حتى وإن كان مدمر".
وتشير التقارير الأممية إلى أن آلاف العائلات النازحة في غزة تعاني من أوضاع مأساوية، مع نقص حاد في المواد الأساسية مثل الأغطية والوقود والطعام، فيما تواجه الجمعيات الإغاثية صعوبات كبيرة في تلبية احتياجات الجميع، خاصة مع محدودية الموارد وزيادة أعداد النازحين يوماً بعد آخر.
فالوضع الحالي يتطلب استجابة عاجلة لتوفير خيام مقاومة للشتاء تحمي النازحين من الأمطار والرياح، وأغطية وملابس شتوية للأطفال والنساء، ومواد تدفئة كالوقود والحطب، كذلك مساعدات غذائية وصحية عاجلة لتجنب تفاقم الأمراض.
واختصرت رشيدة معروف معاناة النازحين بعبارة واحدة "يا ليتني متت قبل أن أرى أبنائي يموتون أمامي كل يوم".
النساء بين العجز والمسؤولية الثقيلة
وفي ظل هذه الظروف، تتحمل النساء العبء الأكبر في تأمين ما يحتاجه أطفالهن، وتحاولن بأبسط الوسائل حماية أسرهن من البرد والمطر، حتى لو كان ذلك يعني حرق ما تبقى من أغراضهن الشخصية.
وتقول ابنتها فاتن معروف، وهي تحاول إشعال النار باستخدام بعض الأقمشة القديمة "ماذا أفعل؟ أطفالي يبكون من البرد، وليس لدي ما أفعله لأدفئهم حتى الحطب لم نستطيع الحصول عليه ولم نجده، أصبحنا نحرق الملابس لإشعال النار لكنها سرعان ما تنطفئ".
وعن انعدام الخصوصية في المخيمات، حيث تفتقر إلى حمامات ومطابخ مناسبة، توضح "لا نعلم أين نغير ملابسنا، فكل شيء مكشوف والناس مكدسة في الخيم".
الشتاء في غزة ليس مجرد فصل جديد، بل اختبار قاسٍ لصبر النازحين وقوة تحملهم، ومع كل عاصفة جديدة تتجدد المأساة وتزداد الحاجة إلى تدخل عاجل ينقذ ما يمكن إنقاذه من أرواح تبحث عن دفء الحياة وسط عواصف الألم.