العراق... نسويات تدعين للحد من ظاهرة زواج القاصرات بعد ارتفاع نسبه

في ظل غياب الرادع القانوني والندوات التثقيفية الغير كافية ودون المستوى المطلوب، سجلت ظاهرة زواج القاصرات في العراق ارتفاع غير مسبوق في نسبها خلال العقد الماضي.

انتصار الميالي

العراق ـ نسويات عراقيات تطالبن بتعديل القوانين بعد الوصول لمستويات خطيرة فيما يخص ظاهرة زواج القاصرات التي تحرم الفتيات والنساء من الوصول لعوامل التمكين وتضيف عبئاً وعقبات أمام تعليمها وتنميتها.

أثارت رسالة كتبتها تلميذة في المرحلة الابتدائية جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت فيها "أستاذي لا استطيع إكمال الامتحان والإجابة على الأسئلة رغم اجتهادي، لكنني متعبة كوني أهلي قرروا أن أترك الدراسة بعد إكمال الصف السادس من أجل تزويجي، ويقولون يكفي أنك تقرأين وتكتبين".

وكشفت عدة تقارير عن ارتفاع كبير في نسب زواج القاصرات في العراق خلال السنوات العشر الماضية، فقد بلغت نسبة النساء اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً في العراق 25.5%، بينما أظهرت نتائج المسح أنّ النسبة لنفس المؤشر في إقليم كردستان بلغت 22.6% من نسب الزواج، بالرغم من الورش والندوات العديدة التي تنفذها الجهات الحكومية وغير الحكومية المدافعة عن حقوق المرأة والطفل.

 

ظاهرة تنتهك حقوق القاصرات وتحرمهن من التعليم

أكدت المديرة التنفيذية لشبكة النساء العراقيات أمل كباشي أن "الزواج المبكر أو زواج القاصرات ظاهرة مستشرية في العراق، وهي ممارسة تحرم الفتيات من فرص التعليم والتمتع بمرحلة الطفولة وتحميلها مسؤولية إدارة الأسرة والأطفال، لا يمكن أن يكون هذا الزواج ناجح أو فرصة حقيقية لتكوين عائلة وذلك لانعدام وضعف خبرة الطرفين، مضيفة أن "قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959حدد سن الزواج وأعتبر البالغ المؤهل للزواج من أتم الثامنة عشر سواء كان ذكر أم أنثى، كما أعطى الحق للمحكمة بتزويج من أتم الخامسة عشر إذا توفرت الشروط والمصلحة في ذلك، إلا أن هذه الظاهرة تبقى ممارسة مجتمعية تتجاوز القانون نتيجة ضعف التطبيق والتنفيذ".

 

التوعية والتثقيف سبل للحد من الظاهرة

من جانبها قالت المستشارة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هيام رشيد خضير "لا يمكن أن نحكم على الزواج فاشل أو ناجح كون الزواج في الأساس يقوم على التفاهم والانسجام وتحمل المسؤولية لتكوين أسرة، لذا يجب أن يكون عامل النضوج لكلا الطرفين شرط أساسي فكيف وهم أطفال ودون السن القانوني، ولا يوجد نص قانوني يمنع زواج القاصرات ولكن بالإمكان اتخاذ إجراءات رادعة تمنع هذا الزواج وأهمها التوعية والتثقيف وهذا الدور تؤديه منظمات حقوق الإنسان، بالمقابل هناك حاجة للالتزام بتنفيذ القوانين من قبل الجهات المعنية، خصوصاً أنه لا يوجد ضمانات للفتاة المجبرة على الزواج والذي يجري غالباً خارج المحاكم كون الزواج أمام المحاكم هو ضمان لحقوقها القانونية والشرعية".

 

"ظاهرة تنتشر في الريف تتطلب إرادة سياسية"

بينما قالت الناشطة ورئيسة منظمة تموز للتنمية الاجتماعية فيان الشيخ علي "زواج القاصرات يحدث في مناطق معينة ولا يمكن اعتباره كظاهرة في مناطق أخرى مثل المناطق الاكثر مدنية، ويقدر ذلك حسب طبيعة المنطقة والتقاليد ومستوى تعليم النساء، ففي القرى والأرياف والمحافظات الجنوبية والغربية وخارج مراكز المدن يعتبر ظاهرة خطيرة ومنتشرة بكثرة، أما في المدن فإن نسبة انتشار هذه الحالات أقل"، مؤكدة أن "زواج القاصرات يرتبط وبشكل كبير بوعي العوائل وأهمية مواصلة الفتيات للتعليم والدراسة، وبحكم المؤشرات العلمية والميدانية هو زواج فاشل من نواحي عدة منها أن يكون الزواج على حساب حقوق المرأة وصحتها وعلى حساب العائلة التي تتكون نتيجة هذا الزواج، وقد تكون هناك حالات نادرة يكون هذا الزواج ناجح ويكون مسنود على وعي العائلة الأكبر، وحسب مؤشراتنا في العموم يبقى زواج القاصرات فاشل لكون الأم التي هي في الأساس بحاجة إلى الرعاية (أمية) وبالتالي ينعكس على مستوى وعيها في تنشئة الأسرة وتعليم وتربية أبنائها بآلية تنسجم مع تطور العالم".

وأضافت أن "النساء ضحايا هذا الزواج يكون وعيهن محدود، فضلاً عن أن أغلب العوائل التي تتبنى زواج القاصرات تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة وبالتالي يكون التعليم والإمكانيات الاقتصادية معطلان بالنسبة للفتاة بالإضافة لقلة وعيها بصحتها بصورة عامة وصحتها الإنجابية بصورة خاصة".

وأكدت أن "هذا النوع من الزيجات يتم خارج المحكمة ويعتمد على ورقة من رجل الدين وبالتالي تضيع الكثير من حقوق المرأة وهنا تكون المشكلة مركبة، فواقع الحال لا يقتصر على زواج القاصرات وإنما يضاف إليه ضياع حقوقها أو التأخر فيها من ناحية توثيق الزواج والمستمسكات الرسمية التي تحتاجها، وهنا نشير إلى دور السلطة القضائية في التشديد على هذه الحالة، وكإجراءات مطلوبة أن يُلزم القضاء رجال الدين بعقد الزواج الشرعي لكن بعد الإجراء القانوني الرسمي، ولكننا للأسف نمر في ظروف سلطة رجال الدين وتأثيرهم على الإرادة السياسية وعلى العمل الحكومي إذ يذهب الأمر باتجاه إعطاء السلطة إلى رجال الدين على حساب القانون وبالتالي ما ينتج عنه من أثار سلبية على الحياة الزوجية وحقوق النساء اللواتي هن بالأصل أطفال".

وفي ختام حديثها قالت فيان الشيخ علي "نحن كناشطات كثيراً ما ننادي بضرورة منع الزواج خارج المحاكم الذي يتيح فرصة إمكانية تجاوز سياقات الزواج القانوني المرهونة بالعمل والتأهيل وأيضاً الجانب الصحي والفحوصات الطبية التي لا يتم العمل بها لإثبات أهلية النضج وإمكانية الزواج، ونطالب بأن يكون هناك نظام يضمن الحقوق القانونية وأيضاً الحقوق الشرعية للزواج لتأسيس عائلة سليمة".

 

مخاوف من تعديلات تشوه القوانين الضامنة لحقوق المرأة

بينما قالت المحامية والناشطة مروة عبد الرضا "هذه الظاهرة منتشرة وبكثرة كلما ابتعدنا عن المدينة والوضع لا يقتصر على زواج القاصرات وإنما زواج القصر من الذكور أيضاً، لكن الأمر مختلف بالنسبة للفتاة إذ تزداد خطورته باعتبارها معرضة للحمل والولادة بسن مبكر وهذه ليست بصالحها نفسياً وجسدياً، ورغم التبريرات لا يمكن الجزم بنجاحه من فشله ولكن كلما كان الزواج بسن مبكر كانت نسبة فشله أكبر فيما اذا كان الزواج تم في السن القانوني وهذا للطرفين الذكور والإناث خصوصاً إذا كان ناتج عن قناعة ووعي وليس بناءً على إرادة الأهل فقط"، مبينة أنه "بالنسبة للرادع القانوني نحن نعاني من مشكلتان فيما يتعلق بزواج القاصرات الأولى أن القانون العراقي يسمح للزواج بعد إتمام سن 18 لكن يسمح به في ذات الوقت دون هذا السن في حال موافقة ولي الفتاة أو القاضي، والمشكلة تكون أكبر عندما يكون عمر الفتاة أقل من عمر 14 سنة والزواج يتم خارج المحكمة بالاعتماد على عقد رجل الدين، وهنا القانون لا يعاقب رجل الدين وأولياء الأمور وإنما تقع العقوبة على الزوج فقط، وبما أن القانون العراقي اعتبرها جريمة كان من المفترض جميع أطراف العقد يتم معاقبتهم بحكم أن الجريمة ارتكبت بموافقتهم، وحتى إذا كان الزوج قاصر فإن القانون يعاقبه وفق قانون الأحداث".

ولفتت إلى أن "الزواج خارج المحكمة لا يضمن أي حقوق سواء للمرأة أو حتى للأطفال مستقبلاً، وهو بالتالي ضياع وهدر للحقوق بشكل كامل، فعلى سبيل المثال هناك حالة لديها خمسة أطفال وليس لديها عقد زواج محكمة لذلك يترتب عليها إثبات نسب الأطفال الذين سيتعرض لإجراءات قانونية معقدة وأحياناً تمنعهم أو تحرمهم من دخول المدارس، وهناك الكثير من القاصرات اللواتي ينتهي زواجهن بالطلاق وبالتالي تكون مطلقة في سن مبكر أو تكون منفصلة بعقود خارج المحكمة مع ضياع كافة حقوقها القانونية، وأرى أن من ضمن الأدوات أو الأليات للحد من هذه الظاهرة هو العمل على حملات مدافعة لتعديل القوانين بما يضمن عدم تفاقم هذه الظاهرة وضمان حقوق القاصرات".

وقالت "لدينا تخوف من تعديل بعض التفاصيل القانونية فأي تعديل يمكن أن يحدث فهو قد يجبرنا على العمل بالمذاهب وهذا الأمر لا نريد حدوثه، لذلك هناك الكثير من المنظمات تتجنب التطرق لتعديل قانون الأحوال الشخصية خوفاً من الإخلال به، ونحاول التعديل بالإجراءات التي تتبعها المحاكم باقتراح تعديلات أو قرارات تصدر من وزير أو قرارات جديدة تصدر من محكمة التمييز".

 

خطورة زواج القاصرات وانتشاره في جنوب العراق

من جانبها قالت مديرة منظمة التقوى في محافظة البصرة جنوب العراق الدكتورة عواطف المصطفى "زواج القاصرا ظاهرة باتت تشكل خطورة بالغة على الفتيات في العراق خاصة في جزءه الجنوبي، واعتبره فاشل بنسبة 98%، وهناك رادع قانوني لكنه بسيط ولم يطبق لأن أكثر الزيجات تعقد خارج المحكمة من قبل رجل الدين لذلك يكون القاضي مجبر على تصديق العقد بعد إحالته إلى محكمة التحقيق وأخذ غرامة، لذلك يجب اتخاذ الإجراءات والحلول ومنها منع الزواج خارج المحكمة بإجراءات حكومية وزيادة العقوبة والغرامة للمتزوجين خارج المحكمة، بالإضافة لمعاقبة ولي الأمر الذي يقوم بتزويج بناته قاصراً أو مبكراً، وأشدد على ضرورة تحسين المستوى المعيشي للأسر العراقية خاصة بالمناطق الجنوبية فالفقر هو سبب رئيسي لحدوث زواج القاصرات".

وأكدت أن "الزواج خارج المحكمة أولاً هو عرف اجتماعي وديني مرتبط بعادات تقليدية سببها انخفاض مستوى الوعي، وفي الغالب يتم خارج المحكمة يعقد للقاصر بدون قيد أو شرط،  بينما في المحاكم لا يتم الزواج للقاصرات تحت سن 14 إلا بحجة أذن (مقدرة مالية) ومن سن 15-17 إلا بموافقة ولي الأمر ولهذا يلجؤون إلى الزواج خارج المحاكم، وفي حالة أن الأب متوفي يطلب منهم حجة وصاية، ولا يعد ضامناً لحقوق المرأة إذا لم يصدق بالمحكمة وكذلك عدم تسجيل الأطفال الذين يولدون نتيجة هذه الزيجات وأحياناً يتسبب بفقدان الأطفال للنسب لظروف كثيرة منها وفاة الأب أو حدوث الطلاق".

ودعت عواطف المصطفى إلى توعية النساء بحقوقهن الاجتماعية والقانونية والتوعية بمخاطر زواج القاصراا والاستعانة بمستشارة طبية وباحثة اجتماعية، وتطالب منظمات المجتمع المدني بتكثيف حملات مناصرة للحد من الزواج خارج المحكمة، بالإضافة إلى كتابة البحوث والتقارير من قبل الأكاديميين والنشطاء التي تبين مخاطر زواج القاصرات، ودور الإعلام في التوعية المجتمعية، بالإضافة لضرورة توعية رجال الدين وشيوخ العشائر ومن ثم إشراكهم في عمليات التوعية لخلق شراكة تكاملية تساهم بالحد من هذه الظاهرة التي تشكل خطراً على مستقبل الطفلات خصوصاً وعلى مستوى الأسرة ثم المجتمع.