النزوح يزيد آلام السوريات في الشمال السوري

أجبر النزوح الكثير من النساء على التأقلم مع الواقع المرير الذي يعشنه، ويناضلن من خلاله للحصول على بعض الاستقرار ولكن دون جدوى.

سهير الإدلبي
إدلب ـ
تمضي صفية الشاكر الثلاثينية نصف يومها وهي تجمع بعض الأعواد وأكياس النايلون وبعض النفايات الصالحة للاشتعال بغية حرقها داخل مدفئتها؛ لتأمين الدفئ لأطفالها الأربعة وزوجها المُقعد داخل خيمتهم المهترئة، فيما تجمع العبوات البلاستيكية وبعض المعادن لبيعها والاستفادة من ثمنها في جلب بعض الحاجيات لعائلتها.
صفية الشاكر واحدة من مئات آلاف النساء اللواتي أجبرتهنَّ الحرب على النزوح مع عوائلهن واللواتي استقر بهن الحال داخل المخيمات النائية التي تفتقد لأدنى مقومات الحياة.
تقول صفية الشاكر أنها منذ نزوحها من مدينة معرة النعمان في عام 2019 لم تنعم بحياة طبيعية، فالفقر والبرد وضنك العيش سيد الموقف في حياتها داخل مخيم دير حسان الحدودي، وما زاد من معاناتها إصابة زوجها في ظهره نتيجة إحدى شظايا قصف الطيران الحربي أواخر عام 2018، التي تسببت له بإعاقة دائمة ليصبح على إثرها طريح الفراش، ويفتقد للعناية الطبية والدواء.
وكانت المعارك الطاحنة التي دارت بين قوات النظام السوري والفصائل المعارضة في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، قد تسببت في نزوح 300 ألف مدني، وإصابة العديد منهم، عدا الذين فقدوا حياتهم.
تابعت حديثها قائلةً "نعيش داخل مخيم أشبه بالمنفى، خيام ممزقة وبالية، حين تمطر تخترق قطرات الماء أسقف الخيم فنتبلل نحن وأمتعتنا، وفي كثير من الأحيان يطوف المخيم بالماء ونغدو أسرى خيامنا المهترئة المحاصرة بالمياه من كل جانب". وتضيف "ليست الأحوال الجوية فقط ما يعيق الحياة فقلة الخدمات الأساسية كالغذاء والماء والتعليم والمراكز الطبية، وفوق هذا وذاك يحاصرنا الفقر المدقع وقلة فرص العمل".
ومع توالي سنوات الحرب ازداد عدد النازحين في سوريا ليصل إلى ما يقارب سبعة ملايين نازح داخلياً نصفهم من النساء اللواتي واجهن معاناة مضاعفة بسبب تشتت العائلات وفقدان الاستقرار وسط ظروف بالغة الصعوبة.
تجلس خديجة الشيخ أحمد (٣٥عاماً ) أمام  باب خيمتها في مخيم حربنوش شمال إدلب بانتظار عودة زوجها من عمله حاملاً معه الطعام لعائلته بعد يوم عمل شاق.
تقول خديجة أحمد "سابقاً كان زوجي يعمل في محل سوبر ماركت قبل نزوحنا من مدينتنا كفرنبل، ولكن قصف طائرات النظام طال المحل والبضائع واضطررنا للنزوح بلا أي مال نتدبر به أمورنا، وهو يعمل في الأعمال اليومية بغية الحصول على بعض المال ليعيلنا به" وتضيف أن زوجها قليلاً ما يجد عملاً وهو ما يجعلهم يفتقرون للكثير من الاحتياجات الأساسية التي قل ما يتمكن زوجها من تأمينها.
ولم تسلم مدينة كفرنبل من المعارك الضارية التي دارت بين قوات النظام السوري والفصائل المعارضة والتي راح ضحيتها أكثر من مائة مدني، بعد سيطرة الفصائل عليها في 10 آب/أغسطس 2012.
فقدان أبنائها لفرصتهم في التعليم كان الفقد الأكبر بالنسبة لخديجة أحمد "أكثر ما يؤلمني هو توقف أبنائي الأربعة عن متابعة تعليمهم بسبب خلو المخيم من المدرسة أو أي مركز تعليمي وهو ما حرمهم من فرصة متابعة تعليمهم رغم أنهم كانوا متفوقين في دراستهم".
الأربعينية نجاح الشلح والتي تُكنى بأم محمد لا زالت تتنقل من مكان إلى آخر منذ نزوحها في عام 2018 من منطقة الغاب شمال حماة باتجاه ريف إدلب الشمالي، سكنت مع عائلتها وزوجها في بيت غير مكسي فترة من الزمن ليقوم صاحب المنزل بإخراجهم منه، لينتقلوا بعدها إلى منزل آخر شبه مهدم.
تقول نجاح الشلح "ليس لدينا إمكانية لاستئجار منزل ملائم، الأجور هنا باهظة ويتقاضونها بالدولار والليرة التركية في حين لا يتوفر معنا قوت يومنا، وهو ما أجبرنا على العيش في منازل غير صالحة للسكن، ومع ذلك لا نشعر بالإستقرار لأن أصحاب المنازل أخرجونا منها بغية العمل على أكساءها والسكن فيها".
تحاول نجاح الشلح العمل بما يتوفر لها لمساعدة زوجها في تأمين احتياجات عائلتها وذلك عن طريق عملها في الأراضي الزراعية كونها تتقنها أكثر من أي عمل آخر فهي ابنة ريف وتعرف جيداً كيف تتعامل مع المحاصيل والمزروعات الموسمية "يبقى العمل مهما يكن أخف وطأة من الذل والحاجة والحياة التي فرضت علينا، مضطرين للنهوض وإلا سيكون الأمر مأساوياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالكل هنا معني بمساعدة نفسه وإلا فلن يجد من يساعده أو يقدم له أي شيء".
عادة ما يكون الضغط على المرأة النازحة مضاعفاً وخاصة بالنسبة للنساء المعيلات لأسرهن بعد إعاقة الزوج أو غيابه، تواجه المرأة تحديات بسبب التميز المهني في سوق العمل فالمرأة لا تحظى إلا بنصف الأجرة التي يحصل عليها الرجل رغم تشابه العمل، وبسبب العادات الذكورية في المجتمعات المحلية في ظل أثر مضاعف ناجم عن فقدان الأمن وهذا ما يجعلها عرضة للاعتداءات النفسية والاستغلال الجنسي، وفق ما قالته المرشدة الاجتماعية فاديا السويد. 
وأكدت فاديا السويد أن "الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية يدفع بالمرأة النازحة للقبول بأي عمل كان رغم مشقته وطول عدد ساعاته وقلة أجرته عدا عن إجبارها على تقديم خدمات جنسية مقابل تأمين الحاجيات الأساسية". 
كما أشارت إلى قصص استغلال تعرضت لها النازحات "سمعت قصص عديدة لنازحات سوريات يتعرضن للاستغلال من قبل أعضاء من المجتمع المدني أو الجمعيات الإغاثية الذين يجبرون النازحات على تقديم تنازلات جنسية مقابل إيصال المساعدات لهن، في حين لا تستطعن تلك النازحات البوح بما يمرنَّ به خوفاً على سمعتهن أو خسارتهن لما يمكن أن يحصلن عليه من مساعدات". 
وفي نهاية حديثها طالبت فاديا السويد الحكومات المعنية للنظر في شؤون النازحات والعمل على تقديم المساعدات لهن وتأمين فرص عمل ومأوى يساعدهن على التأقلم والاستقرار بعيداً عن الحاجة والاستغلال.
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية فإن عدد النازحين من مدينة إدلب يبلغ 960 ألف شخص، يعيش 327 ألف مدني منهم في المخيمات، ويقطن حوالي 165 ألفاَ في منازل أو مباني غير مكتملة، و366 يعيشون في منازل مستأجرة، بينما يعيش ما يقارب 93 ألفاً في المباني العامة مثل المدارس والمساجد.