النظام الأبوي يهيمن على قرارات النساء

ليست فقط العادات والتقاليد من تقيد حرية المرأة في مدينة غزة الفلسطينية، بل أن النظام الأبوي زاد من حجم معاناتها ووضعها تحت سيطرت المجتمع وانتهاكاته.

نغم كراجة

غزة ـ أكدت الاخصائية الاجتماعية هبة النجار أن النظام الأبوي يهمش دور النساء في غزة ويفرض عليهن قيود في أبسط تفاصيل حياتهن، ويحرمهن حقوقهن ومستحقاتهن.

عن النظام الأبوي أو السلطة الأبوية والتبعيات الناتجة عن القرارات التي يتخذها هذا النظام نيابة عن الفتيات والنساء دون النظر إلى ما يصب في مصلحتهن أو ما ستؤول إليه أحوالهن، أكدت نهى عدنان "اسم مستعار" البالغة من العمر ٢٧ عاماً من مدينة غزة أن معاناتها بدأت عندما أنهت المرحلة الإعدادية وكانت تستعد للثانوية كغيرها من فتيات جيلها، لكنها فوجئت بكلام والدها عندما قال لها "نحن ليس لدينا فتيات يتعلمن، في النهاية الفتاة إلى بيت زوجها".

وأوضحت أن "الأمر لم يقتصر على سوء الأوضاع المعيشية فقط بل زاد الوضع سوءاً أن والدي منعني من متابعة دراستي أو حتى الخروج من المنزل، وأمرني أن أكون على استعداد دائم لأوافق على الزواج من أول شخص يطلب يدي للزواج"، مؤكدةً على أن الفقر المدقع وانتشار البطالة جعلت من الفتيات فرصة لتخفيف العبء وسداد الديون عن أسرهن.

وتابعت "أنا أعيش في منطقة عريبة جنوب قطاع غزة والتي يعرف عن أهل هذه المنطقة أنهم لا يخالفون العادات والتقاليد ولا يستطيع أحد تجاوزها وغالبية تبعيات هذه العادات تدفن النساء أحياء، وبعد محاولات عديدة لإقناع والدي بأن استكمل تعليمي انهال عليّ بالضرب وليس ذلك فحسب بل هددني بالقتل إن حاولت تخطي الحدود التي رسمها لحياتي".

حياة مريرة عاشتها نهى عدنان بعد إجبارها على الزواج من ابن عمها وبمهرٍ قليل بحكم أنه من الأقارب "لا أعرف كيف وافق والدي على زواجي منه، بالرغم من أنه يعلم أن هذا الشاب يتعاطى المخدرات وذو دخل محدود جداً".

ولفتت أنها تعرضت للضرب لعدة مرات على يد زوجها بسبب رفضها بيع بعض مقتنياتها بحجة أنه يريد بثمنها سداد ديونه إلا أنه في الحقيقة كان يريد شراء المواد المخدرة على حد قولها، "طلبت من عائلتي التدخل مرات عدة لكن كان دون جدوى، فهم يرون أن هذا الأمر طبيعي ويحصل بين الأزواج، لذلك اضطررت لإعطائه كل ما أملك فقط في سبيل أن يكف عن ضربي وشتمي".

وفي أحد الأيام عندما كانت في المنزل لوحدها أكدت أنها تعرضت للتحرش من قبل شقيق زوجها "في أحد الأيام وعندما كنت بمفردي في المنزل وأقوم ببعض الأعمال تفاجأت بدخول شقيق زوجي عليّ دون استئذان وقام بالتحرش بيّ مستغلاً فترة غياب زوجي الذي كان منشغلاً في تعاطي المخدرات، أسرعت إلى والدي لأخبره عما حدث معي وأن الأمر لا يمكن السكوت عنه حتى لا يتكرر مرة أخرى وأن ينال الجاني عقابه، ولكن شقيق زوجي نفى ذلك نظراً لعدم وجد أحد في المنزل ليشهد معي ضده، كما أنه أدعى أنني افتعل الفتنة بينه وبين أخيه".

وأوضحت أن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد فقد كرر شقيق زوجها التحرش بها لكن هذه المرة فضحت أمره عندما بدأت بالصراخ وهرع إليها أهل المنزل الذين صدف وجودهم هناك "هذه المرة قررت أن أترك المنزل واتجهت إلى منزل والدي رافضة هذه الأوضاع المأساوية التي أعيشها من فقر واضطهاد وعنف، كما كنت عازمة على الطلاق الذي كنت أتوقع أن يوافق والدي عليه بعد أن أخبرته بكل الانتهاكات والعنف الذي أعيشه في ذلك المنزل ومع ذلك الزوج".

وأضافت أنها اضطرت للهروب من المنزل بحثاً عن مكان أكثر أمناً يخلو من الضغوطات النفسية والعنف خاصة عندما أخبرها والدها "نحن ليس لدينا فتيات يتطلقن، أنت ترغبين في التقليل من سمعتنا"، وقالت "إلى متى سنعيش في مجتمع يرفض تعليم الفتيات ويحرمهن من حقهن في الميراث والعمل والحرية كما يرغمهن على البقاء داخل صندوق معتم مساحته ضيقة ومحدودة؟" .

وأكدت أنها لم تعش يوماً خالياً من الخلافات والمشاكل والانتهاكات على خلفية القرارات التي يطلقها والدها بشأن حياتها وبسبب تمسكه بقوانين السلطة الأبوية التي ترى أن حرية المرأة هي وصمة عار على عائلة، "يعد النظام الأبوي الوجه الأبرز للعنف الموجه ضد النساء والفتيات بأشكالٍ مختلفة والمبنية على النظرة الذكورية التي تعطي الرجل قدراً أكبر من الحقوق في كافة مجالات الحياة، وساهم ذلك في طمس دور المرأة ووجودها وانتزاع حقوقها"، وأضافت أن السلطة الأبوية قائمة على القواعد والمبررات الغير منطقية، ليحلل فعلة الجناة وكتم صوت النساء وإجبارهن على العيش تحت سقف الهيمنة الذكورية المتسلطة.

وفي هذا الصدد عرّفت الاخصائية الاجتماعية هبة النجار السلطة الأبوية على أنها مجموعة من العادات والتقاليد المتجذرة منذ عقود طويلة، والتي تلقي بظلالها على كاهل النساء والفتيات وتحرمهن حقوقهن، وتفرض قواعد وقوانين لا يسمح للمرأة بتخطيها أو معارضتها وفي حال حاولت فعل عكس ما تأمر به فأنها تتعرض للعقاب حسب البيئة التي تقطن فيها.

وبينت أن الأمثال الشعبية كان لها دور في تكريس الصورة النمطية التي رسمت للنساء، حيث عبرت الكثير منهن عن حرمانهن من حقوقهن سوءاً في التعليم أو الميراث أو حرية الاختيار في أي أمر كان "تبدأ العادات الأبوية بالتسلط على أبسط الأمور في حياة المرأة والفتاة كاختيار ملابسها أو طريقة كلامها حتى أنها وضعت قيود على خطواتها"، وأشارت أن المجتمع الذكوري يكون قائم على التمييز بين الجنسين ويكون ذلك واضحاً عند التمييز بين الرجل والمرأة في نفس الأسرة.

وأوضحت أن القواعد الأبوية تسيطر على كافة مراحل حياة المرأة حتى في اختيار اسم المولود، فالزوج هو من يقوم بهذا الأمر دون أخذ رأي الزوجة أو مشاورتها، وكذلك عند اختيار الأثاث لمنزلهما وتحديد تفاصيله، ليس ذلك فحسب بل أيضاً يتم التدخل في الحياة الخاصة للمرأة ووضع حدود لها وإلزامها التقيد بها.

وأكدت أن أكثر الحالات انتشاراً هو تعنيف المرأة من قبل زوجها وإيذائها جسدياً ونفسياً "ذوي الفتاة أو المرأة هم شركاء في العنف الذي تتعرضن له، فهم يجبرونهن التزام الصمت وعدم إبداء أي ردة فعل إزاء ذلك وإقناعهن على التحمل بدلاً من الطلاق بحجة أنهن بهذا الفعل يجلب العار لهم، ليس هذا فحسب بل أيضاً يقومون بتبرير سلوك المعنف بحجة الظروف والضغوطات التي يمر بها".

وتجد أن الثقافة النمطية صاغت سياسات مجحفة بحق النساء انتشرت بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، منها رفض اتفاقية سيداو وتأييد المجتمع لظاهرة الزواج المبكر، بالإضافة إلى التلاعب ببعض القوانين المعنية بقضايا النفقة ومقابلة الأبناء بعد الطلاق وحق الحضانة "هنالك ثغرات يختلقها الكادر القانوني بما تصب في صالح الزوج على حساب الزوجة كالادعاء أنها غير مؤهلة لحضانة الأبناء خاصة في طلاق الشقاق والنزاع أو بذريعة الشرف".

ونوهت أن السبب الرئيسي في ازدياد معدلات العنف والقتل بحق النساء هو التهاون في تطبق الأحكام ومحاسبة الجاني تحت مسمى الشرف، حيث تصدر عقوبة مخففة لمن يقتل امرأة بدعوى "غسل العار"، كذلك سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة التي جعلت النساء فريسة وأكثر عرضة للعنف الأسري مما يزيد ثقل المسؤولية وتراكم الضغوطات النفسية عليهن.

وشددت هبة النجار على ضرورة تكثيف حملات الضغط والمناصرة من قبل المؤسسات النسوية باعتبارها جهات مؤثرة تسعى إلى تفعيل القوانين التي نصت على تعزيز حقوق النساء ومعاقبة الجناة، ولفتت الانتباه إلى أهمية زيادة وعي المرأة بحقوقها وتعديل القواعد الاجتماعية التي تنصفها، وأشارت "القانون لم ينصف النساء بشكل كامل، وغالبية نصوصه لا يتم تطبيقها بحسب ما تم الإقرار عليه".