العنف ضد النساء في تونس.. ما الحلّ؟

يجب الإقرار بادئ ذي بدء بأنه برغم ريادة الحركة النضالية للمرأة في تونس مقارنة بما ساد المنطقة العربية وإفريقيا، وما حققته من مكاسب منذ الاستقلال بفضل ترسانة القوانين التقدمية التي تم تشريعها

زهور المشرقي
تونس ـ ، إلا أنه وجب الإقرار بحقيقة أن المجتمع التونسي يظل في مجمله خاضعا لموروث ثقافي شرقي ومحافظاً على الكثير من عاداته وسلوكياته، كما يتغذّى العنف ضد المرأة من النظام الأبوي والقيم الذكورية التي تسود المجتمع.
وتحيي تونس في 13 من آب/أغسطس من كل عام عيدها الوطني للمرأة الموافق لذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية يوم 13 أغسطس/آب عام 1956، المجلة التي تناهض تعدد الزوجات وتمنح حق الطلاق للمرأة والحق في التعليم والعمل. في الوقت الذي تشهد البلاد تصاعداً مطرداً لوتيرة الاعتداءات والعنف ضد المرأة، مما أثار جدلاً واسعاً وردود أفعال عديدة في الأوساط السياسية والقانونية والإعلامية عن أسباب ظاهرة العنف المسلط على المرأة.
ومجلة الأحوال الشخصية سلسلة من القوانين التقدمية التونسية، تهدف إلى إقامة المساواة بين المرأة والرجل في عدة مجالات، ألغت تعدد الزوجات ووضع مسار إجراءات قضائية للطلاق وأخراً اشتراط رضاء الزوجين لإتمام الزواج.
وتظهر دراسات ميدانية حكومية وغير حكومية تونسية متطابقة أن ظاهرة العنف الجسدي والمعنوي الموجّه ضد المرأة ارتفعت بشكل مفزع وأن حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أخذت نسقاً تنازلياً وبدأت تتآكل بعد أن دفعت نساء تونس فاتورة الأزمة الهيكلية التي تعصف بالبلاد.
وقد صدر في 11 آب/أغسطس عام 2017 القانون الأساسي الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة، بمثابة ردة الفعل الطبيعية لما أثبتته الدراسات من تنامي حجم العنف المسلط على المرأة لسد الشغورات القانونية في هذا المجال، ولتطوير الأحكام القانونية. 
ويعتمد القانون التعريفات المتفق عليها دولياً فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة ويدعم ما جاء في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993.
وكانت وزيرة المرأة التونسية إيمان هويمل، قد أفادت خلال ندوة صحفية في الـ 24 من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أنه تم في عام 2019 تسجيل أكثر من 65 ألف شكوى من قبل الوحدات الأمنية المختصة لمقاومة العنف ضد المرأة.
وقد أثبت المسح الميداني الذي أنجزه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، والذي نشر في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2020، أن 47.6% من النساء في تونس ضمن الشريحة العمرية 18 ـ 64 سنة، تعرضن لأحد أنواع العنف.
والملاحظ أن هذه الظاهرة تصاعدت مؤخراً مع بداية جائحة كورونا التي رافقها حظر صحي شامل في آذار/مارس عام 2020 واستمر لمدة ثلاثة أشهر متتالية، حيث أثبتت الدراسات التي أجريت أن العنف تضاعف سبع مرات، بمعدل امرأة معنّفة كل 45 دقيقة، وقد تولت النيابة العامة التحقيق  في 4 آلاف و263 قضية، تتعلق بالعنف ضدّ المرأة والطفل خلال الحجر الصحي، وتسجيل 5 آلاف و111 متّهماً في هذه القضايا.
وبالنسبة إلى طبيعة الاعتداءات التي تتعرض لها النساء سجل المسح الوطني ارتفاع نسبة العنف الجسدي إلى 31،7% يليه العنف النفسي بنسبة 28،9% والعنف الجنسي بـ 15،7% ثم العنف الاقتصادي بـ 7،1%، وقد تم تركيز 130 فرقة مختصة مركزية وجهوية تابعة للأمن الوطني للبحث في جرائم العنف ضد المرأة، وتضم هذه الفرق ما نسبته 52% من العنصر النسائي. 
وخلال السداسي الأول من عام 2020 تم اتخاذ 2266 إجراء حماية لفائدة المرأة والأطفال.
وهنا، كثيراً ما تساءل الخبراء: هل تكفي ترسانة القوانين المدعمة لحرية المرأة وكرامتها للخلاص من العنف المسلط عليها؟
ويرى هؤلاء الخبراء أن الوضع يتطلب تطبيقاً صارماً للقوانين بالتوازي مع مجهودات لتغيير العقلية ونشر ثقافة الحوار والتسامح بدل العنف.
وتبذل الجمعيات النسوية والمنظمات المدنية في تونس جهوداً متواصلة لإرساء الأساليب المثلى للتوعية بمخاطر العنف وكيفية مناهضته والوقاية منه، والضغط باتجاه تطبيق حازم للقانون الذي يجرم كافة أشكال العنف بما في ذلك العنف الجسدي والمعنوي والجنسي والعنف السياسي والاقتصادي وحالة الاستضعاف. 
وترى النساء التونسيات، أن مكافحة ظاهرة العنف بمختلف أشكاله تتطلب جهوداً كبيرة وبعث مراكز تابعة لوزارة المرأة في مختلف المحافظات التونسية للتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات العاملة في هذا الصدد.
والثابت أنّ المرأة التونسية قد لعبت منذ أحداث 2011، دوراً فاعلاً في الدفاع عن مكتسبات الدولة المدنية الحداثية التي تحققت منذ الاستقلال في العام 1956. 
وترى الصحفية المهتمة بقضايا المرأة سوسن الزغواني، في حديث مع وكالة أنباء المرأة، أن العنف أصبح آفة ينخر المجتمع بما في ذلك العنف ضد المرأة والذي وجب التعاطي معه ليس فقط من الجانب القانوني بل يستوجب مناجاة "القاضي الإنسان" للتعامل الإنساني مع ضحايا هذه الجرائم.
وتعتبر سوسن الزغواني أن القضاء على العنف ضد المرأة هو خطوة نحو القضاء والتصدي للعنف ككل وللجريمة في المجتمع، "من الملاحظ في الفترات الأخيرة تم تسجيل حوادث اعتداء بالعنف على نساء من مختلف الفئات الاجتماعية، إذ نجد المحامية والفنانة والحرفية والحلاقة وغيرهن، العنف ليس مرتبطاً بفئة دون أخرى".
من جهتها ترى جمعية "تونسيات" أن تونس لها الفخر بإصدار القانون عدد 58 لعام 2017 حول القضاء على العنف ضد المرأة، لكن "بالرغم من القوانين الداعمة للمرأة والبيانات التي تصدر عن المنظمات والجمعيات بشكل دائم للتذكير بضرورة وضع حد للعنف المسلط عليها، إلا أن نسبة العنف ارتفعت في المقابل".
ومن المنظور السوسيولوجي يرى الباحث في علم الاجتماع سامي نصر أن العنف ضد المرأة ظاهرة قديمة ومتواصلة بنسق مرتفع وملفت للانتباه بشكل كبير، "إن تونس وصلت إلى مرحلة اعتماد العنف كـ "ثقافة وعقلية" تسيطر على المجتمع" لافتاً إلى أن هناك عدة أنواع للعنف وهم العنف الانفعالي، العنف التعبيري، العنف الوسيلي وهو أخطر أنواع العنف، إذ يصبح معتمداً كوسيلة لتحقيق هدف ما.
ووفق الباحث سامي نصر يرتبط العنف ضد المرأة بالعقلية الذكورية المسيطرة على المجتمع التونسي، مبيناً أن هناك فكراً سائداً "المرأة لا تفهم إلا بالضرب"، فضلاً عن استبطان النظرة المحتقرة للمرأة، والأهم من كل ذلك الاستضعاف الذي ينظر به إليها.
ولفت الانتباه إلى الدور السلبي للنخب التونسية، حيث من الضروري الإشارة إلى الدور السلبي الذي لعبته النخب الفكرية والسياسية التي كانت شعبوية أكثر من اللازم، فعوضاً عن اضطلاعها بقيادة المجتمع وتهيئتها نفسانياً واجتماعياً لتقبل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي ترافق كل الثورات، تجاهلت ذلك وانغمست في العمل السياسي وقبلت بلعب دور واضح في تصفية الحسابات السياسية وتحقيق المصالح الضيقة لبعض المتنفذين من رجال الأعمال.
وعن بروز ثقافات مغذية للظواهر الإجرامية والعنفية يقول سامي نصر في ختام حديثه "برزت في السنوات الأخيرة العديد من الثقافات السلبية والمغذية أو الداعمة والمولدة للظواهر الإجرامية والعنفية، نذكر منها ثقافة الألم وثقافة الفشل والإحباط وثقافة التباكي والتشكي وثقافة التشكيك".