العنف الرقمي ضد المرأة تهديد متزايد في عصر التكنولوجيا
لم تعد الفضاءات الافتراضية مجرد وسائل للتواصل وتبادل المعلومات، بل تحولت إلى بيئة خصبة لممارسات العنف الرقمي، الذي يستهدف النساء بشكل خاص، فمع تزايد الاعتماد على هذه المنصات، انتشرت أشكال متعددة من الإساءة الإلكترونية.

رابعة خريص
الجزائر ـ في السنوات الأخيرة، تحولت منصات التواصل الافتراضية، وخاصة الأكثر انتشاراً، إلى بيئة خصبة يسهل فيها تداول أشكال متعددة من العنف الرقمي ضد المرأة، يشمل ذلك الإساءات اللفظية والعنصرية في الرسائل الخاصة، بالإضافة إلى التنمر، الابتزاز، وحملات التشويه التي تستهدف نشر الصور والفيديوهات الشخصية، وقد يصل الأمر إلى التهديد، وهو من أخطر صور العنف الرقمي، حيث يُستخدم لتحقيق مكاسب مالية أو لفرض رغبات غير مشروعة.
مع انتشار مواقع التواصل الافتراضية في البيوت الجزائرية، باتت ساحات العدالة تغص بالمئات من القضايا المتعلقة بالعنف الرقمي ضد النساء، ومن بين القصص التي بقيت عالقة في الذاكرة، قصة شابة في العشرينات من عمرها، بدأت محادثة عبر "فيسبوك" مع رجل في الثلاثينات، حيث وعدها بالزواج، لكن النهاية كانت مأساوية، إذ تحول الأمر إلى تهديدات بنشر صورها وفيديوهاتها بعد أن رفضت طلباته المتكررة للحصول على المال.
الانتشار المتزايد للعنف الرقمي وتأثيره على النساء والفتيات
أكدت الناشطة الحقوقية مريم مرميش، وهي محامية معتمدة لدى المحكمة العليا في الجزائر، أن الجرائم الإلكترونية من هذا النوع شهدت انتشاراً واسعاً ومقلقاً في المجتمع، خصوصاً في الفترة الأخيرة، معتبرةً هذه الظاهرة من أكبر التهديدات التي تواجه النساء والفتيات، لا سيما الفئات التي تعتمد بشكل مفرط على استخدام تلك المواقع.
وقبل تناول الضمانات الدستورية والقانونية المتاحة حالياً لحماية النساء من العنف الرقمي ومدى فاعليتها في الحد منه، استعرضت مريم مرميش، أبرز العوامل التي تسهم في انتشار أشكال العنف الرقمي، مثل الابتزاز الإلكتروني، التحرش عبر الإنترنت، والتشهير الرقمي، مشيرةً إلى أن "هذه المنصات أصبحت ملاذاً للمرأة وخاصة الفتيات، للبحث عن علاقات اجتماعية وافتراضية جديدة مع الجنس الآخر، وذلك نتيجة غياب الحوار داخل الأسرة، مما يؤدي إلى شعورهن بفراغ عاطفي واجتماعي، ونتيجة لذلك، يجدن أنفسهن عرضة لمختلف أشكال العنف، بما في ذلك انتهاك الخصوصية الشخصية، نشر صور فاضحة أو إيحائية، أو حتى التهديد بكشف محادثات تتضمن كلمات ذات طابع عاطفي".
كما ينطبق هذا الواقع أيضاً على المطلقة، حيث تطرقت مريم مرميش، إلى إحدى القضايا التي تعاملت معها مؤخراً، مسلطة الضوء على المضايقات الرقمية التي تتعرض لها النساء "بدأت المعاناة بعد الطلاق، حينما رفضت الضحية العودة إلى طليقها، ليبدأ بتهديدها بنشر صورها الشخصية على مواقع التواصل الافتراضي، فلجأت الضحية إلى القضاء، الذي أصدر حكماً بسجنه لمدة عام مع وقف التنفيذ، غير أن ذلك لم يردعه، إذ عاد للابتزاز، مدفوعاً برغبة في الانتقام والحقد".
هل القانون كافي؟
وانطلاقاً من هذا الواقع، ترى مريم مرميش أن القوانين الحالية لم تعد كافية لمواجهة هذه الممارسات، خاصة مع وجود بعض الجناة الذين لديهم سوابق قضائية ولا يُبالون بخطر العودة إلى السجن، مشيرةً إلى أن الحل لا يكمن فقط في العقوبات القانونية، بل في البحث العميق عن الأسباب الكامنة وراء هذه الجرائم، لفهم دوافعها والعمل على الحد منها بطرق أكثر فعالية.
في إطار جهودها للحد من الجرائم الرقمية، أدخلت الجزائر تعديلات جوهرية على قانون العقوبات، تهدف إلى تضييق الخناق على مرتكبي هذا النوع من الجرائم، بموجب هذه التعديلات، يتم فرض عقوبات صارمة تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات لكل من يحصل أو يلتقط صوراً أو فيديوهات أو رسائل إلكترونية أو معلومات خاصة عن أي شخص، ثم يقوم بنشرها أو يهدد بذلك دون إذن أو موافقة صاحبها، كما يُعاقب بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات كل من يستغل أو يعدل أو ينشر صوراً إلكترونية لشخص آخر بقصد الإضرار به، وتتضاعف العقوبة في حال اقترنت هذه الأفعال بممارسة ضغوط على الضحية للحصول على منفعة مادية أو خدمة أو أي مقابل آخر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وضمن التعديلات الجديدة في قانون العقوبات الجزائري، تم تكريس عقوبات صارمة تتراوح بين السجن لمدة خمس إلى عشر سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية، ضد أي زوج أو خاطب أو مخطوبة يقوم بإذاعة أو نشر صور خادشة للطرف الآخر بأي وسيلة كانت، أو يهدد بذلك، ويشمل هذا الإجراء الحالات التي يتم فيها ارتكاب هذه الأفعال أثناء قيام رابطة الزوجية أو الخطوبة، وكذلك بعد انتهائها، في خطوة تهدف إلى تعزيز حماية الأفراد من الابتزاز والتشهير الرقمي.
لماذا لا تبلغ الجزائريات عن العنف؟
ومن بين العوامل التي تساهم في انتشار هذه الجرائم الرقمية، تشير مريم مرميش إلى صمت الضحية رغم توفر الضمانات القانونية التي تكفل حمايتها ومعالجة القضية بسرية تامة، هذا الصمت، وفقاً لها، يعزز فرص المعتدين في الاستمرار بتهديداتهم وابتزازهم، حيث تخشى العديد من النساء التبعات الاجتماعية أو القانونية للإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، مما يؤدي إلى تفاقم الظاهرة بدلاً من الحد منها، لذلك، تؤكد على أهمية التوعية القانونية والمجتمعية لتشجيع الضحايا على اتخاذ خطوات قانونية تحميهن وتضع حداً لهذه الممارسات.
ورغم وجود قوانين تجرّم العنف الرقمي، فإن العديد من النساء في الجزائر يترددن في الإبلاغ عن هذه الجرائم، ووفقاً لمريم مرميش، يعود ذلك بشكل أساسي إلى الخوف من المجتمع وإلقاء اللوم عليهن، حيث تواجه الضحية نظرات انتقاد أو حتى تحميلها مسؤولية ما تعرضت لها، إضافةً إلى ذلك، هناك نقص في الوعي القانوني حول الإجراءات اللازمة لتقديم شكوى أمام الجهات القضائية أو الأمنية المختصة، وهو ما يشكل عائقاً أمام النساء الباحثات عن الحماية القانونية.
وأكدت على أن هذا الحق يُعد من أهم الحقوق المدنية التي يكفلها الدستور والقوانين الجزائرية، حيث يمكن للمرأة المعنفة تقديم شكوى للحصول على الحماية القانونية والمساعدة القضائية، بل ويمكنها أيضاً إرسال شكوى إلكترونية، مما يسهل عليها اتخاذ الخطوة الأولى نحو العدالة دون الحاجة إلى المواجهة المباشرة، لذلك، من الضروري تكثيف جهود التوعية القانونية لضمان معرفة النساء بحقوقهن وتشجيعهن على التبليغ دون خوف أو تردد.