العنف الموجه ضد النساء جريمة دولية ومواجهتها تحتاج لتعاون جماعي

العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارس على المرأة بالأساس غير مقتصر على دولة دون غيرها حيث نال من النساء في مختلف دول العالم، وبات أشبه بسلوك يحتاج لإعادة تقويم.

أسماء فتحي

القاهرة ـ ينتفض العالم كل عام معلناً التكاتف من أجل مناهضة العنف الممارس على النساء وتتم مطالبة الشعوب بالتضامن من أجل الحد منه، والأزمة الأكبر في عدد من الدول ومن بينها مصر هو التطبيع مع تلك الأفكار، لكونهم يعتبرون النساء في وصاية الرجال ضمناً وعليهن واجبات أكبر ويحق لذويهن تأديبهن استناداً على بعض الأفكار والنصوص الدينية المغلوطة.

مناهضة العنف تحتاج في واقع الأمر لتكاتف دولي، فنحن لسنا أمام قضية فردية تتعلق بطبيعة دولة معينة ولكنها ممارسة متجذرة في وعي الكثيرين تعاني منها النساء في جميع البلدان بنسب متفاوتة وتحتاج لتكاتف دولي وتبادل للخبرات والتجارب والأفكار من أجل الخلاص منها وحماية الفتيات والنساء من تأثيرها السالب لحقوقهن وأحلامهن، بل والمهدد لأرواحهن في بعض الدول أيضاً.

وبحسب ما أعلنته هيئة الأمم المتحدة للمرأة فإن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتها، ويعتبر العنف ضد النساء والفتيات من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً وتفشياً حول العالم.

وللعنف ملامح عامة تشترك فيها الدول بداية من نمطه وصورته التي يتجسد عليها مروراً بجانب من الأسباب التي أدت له وصولاً للقوانين التي تحتوي على قصور كبير وتحتاج لتعديل حتى يتم إنقاذ الكثيرات، ويعد أسوأ الأنماط على الإطلاق ذلك الذي يتم بمباركة الجميع داخل جدران الأسر، لكون المرأة فيه لا يمكنها الإفصاح عما يحدث لها نتيجة ما تعانيه من وصم ونبذ مجتمعي وهو أمر اتفقت عليه أغلب المعنيات بقضايا النساء.

العنف منتشر في جميع دول العالم ومرتبط بالمكون الثقافي

أكدت المنسقة في مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة منى حميدة أن العنف منتشر حول العالم، ويتعلق جانب كبير منه بالمكون الثقافي الذي مازال داعماً له، مضيفة أن مظاهره تنوعت واختلفت من دولة لأخرى ففي مصر بات أبرزها قتل النساء الذي أصبح مشهد متكرر مما دفع مؤسسات المجتمع المدني المختلفة لوضع هذا الملف على قمة أولوياتها خاصة فيما يتعلق برصد وتوثيق تلك الممارسات.

وتعتبر جريمة قتل نيرة أشرف على حد تقديرها أحد أهم الأسباب التي أدت لتسليط الضوء على هوية مرتكبي الجرائم ومدى قربه أو بعده عن الأسرة، والبحث عن الأسباب وآليات المواجهة وتحليل بيانات القتلى والمجرمين وغيرها من التفاصيل.

ولفتت إلى أن هناك جرائم أخرى تندرج تحت بند العنف الاقتصادي كالسطو على ميراث النساء وسرقة ممتلكاتهن ونتيجة مقاومتهن لهذه التصرفات الناتجة عن سوء الأوضاع الاقتصادية، تواجهن ردات فعل عنيفة أسفرت عن عدد من جرائم القتل أيضاً.

واعتبرت أن هناك جرائم مستمرة بالفعل وتحدث يومياً ومنها الاعتداء الجنسي والتحرش، فضلاً عن جرائم أخرى مستحدثة ناتجة عن التطور التكنولوجي ومنها الابتزاز الإلكتروني.

وأكدت أن هناك إنكار من البعض ناتج عن الخوف من الوصمة المجتمعية وهو أمر بحاجة لتدخل والتعامل معه لكونه يمنع الكثيرات من البوح والإبلاغ عما يرتكب ضدهن من انتهاكات فضلاً عن ضرورة العمل على تغيير ثقافة القائمين على تنفيذ القانون وتطوير تعاملهم مع هذا النوع من الجرائم حتى يتمكنوا من تقديم الدعم للراغبات في الانتصار لحقوقهن الإنسانية ورفض العنف وأي ممارسات تنال منهن.

واعتبرت منى حميدة أن الحملات الجماعية وربط العنف بالنطاق الدولي كظاهرة عالمية يكسر مخاوف الكثيرون من كونه هجوم ينال من دول بعينها لصالح أخرى، ويساعد على قبول فكرة مكافحته فضلاً عن كون التعاون الدولي يخلق تبادل في الخبرات وله فاعلية أكثر تأثيراً على هذا الملف.

 

 

 

العنف الجنسي يتصدر المشهد

قالت المدير التنفيذي لمبادرة صوت لدعم المرأة والمحامية نهى سيد، في أغلب الدول يمارس العنف الجنسي ويعتبر في مقدمة الممارسات المنتهكة لحقوق النساء بغض النظر عن المكان الذي ينتمون له أوروبي كان أو عربي ويليه الزوجي، معتبرة أن العنف الرقمي انتشر في السنوات الأخيرة وبدأت عدد من المؤسسات تبحث عن آليات للتعامل معه.

وأكدت أن بعض الدول العربية كتونس وإيران شهدت سلسلة من الاحتجاجات على السياسات والانتهاكات التي تحدث للفتيات والنساء هناك خلال السنوات الأخيرة، لافتة إلى أن منصات التواصل الاجتماعي المختلفة باتت أحد أدوات مناهضة العنف حول العالم، معتبرة أن ارتفاع وتيرة العنف باتت مقلقة لكونها تضاعفت بشكل ملحوظ بفعل القصور التشريعي وثقافة المجتمعات المتواطئة ضد النساء.

وأوضحت أن النساء يقع عليهن الكثير من الممارسات العنيفة داخل الأسرة سواء من الأب أو الأخ أو الزوج ونتيجة الأوضاع الاقتصادية تضطر الكثيرات للمواصلة والصمت، فضلاً عن ردود فعل المحيطين بهن والوصم الذي يحول دون قدرة النساء على سلك المسار الإجرائي أو القانوني لحماية أنفسهن.

 

 

 

القصور التشريعي يحتاج لتضامن دولي ومحلي

وأوضحت المحامية بالاستئناف العالي ومقرر لجنة المرأة بمحاميات حلوان عزة حامد، أن هناك قصور تشريعي واضح في ملف العنف في مختلف دول العالم ويحتاج لتكاتف ووضع المزيد من المواد التي تحمي النساء.

وأكدت أن هناك إنصاف للنساء قد حدث في الفترة الأخيرة وتم بالفعل نشر جانب من الوعي لم يعد قاصراً على النساء المتعلمات، بل وصل للمرأة الريفية وتلك التي لم تخرج من قريتها وتمت ترجمة ذلك في عدد من المخاطبات التي تم توجيهها للنقابات والمؤسسات الحكومية، إلا أن المشوار مازال طويل للتعامل مع الممارسات التي تنال من قدر المرأة وحقوقها.

واعتبرت أن بعض النساء لا تفصحن عن تعرضهن للعنف سواء كان جسدي أو معنوي خاصة إن كان يتم على يد أقرباء من الأب أو الزوج وغيرهم، خوفاً من نظرة المجتمع ولوجود خلل تشريعي في قانون العقوبات الذي مازال يعطي الحق في تأديب القريبة من الدرجة الأولى وبالتالي لا يعد الاعتداء عليها جريمة وحال تحرير محضر يتم حفظه.

وأشارت إلى أنه بحسب هيئة الأمم المتحدة لحقوق المرأة فإن "وجود حركة نسوية قوية ومستقلة هو العامل الأكثر أهمية لدفع تغيير السياسات لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات في صنع السياسات على الصعيدين المحلي والعالمي، لما تلعبه من دور حيوي في تقديم الخدمات على الصعيد المحلي، وتعزيز تمكين المرأة والوصول إلى الأشخاص المعرضين لخطر التخلف عن الركب".

وأوضحت أن أحدث الأبحاث أكدت أن "78 في المائة من البلدان لديها التزامات في الميزانية لتنفيذ التشريعات التي تتناول العنف ضد المرأة، لكن طريقة دمج البلدان للوقاية عبر مختلف القطاعات مثل التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية والحماية الاجتماعية، غير واضحة".