العنف الأسري "استحقاق ذكوري" تحميه السلطة الأبوية ويباركه المجتمع

انتفضت الناشطات لمواجهة العنف بكل أشكاله خلال العام الماضي خاصةً بعد وصوله لحد الذروة بالقتل العلني للفتيات في الطرقات على مرأى من الجميع، وظلت الانتهاكات التي تمارس داخل الأسرة تحتل الصدارة في الحملات التي تطلقها المؤسسات المعنية بقضايا النساء.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تكمن أزمة العنف الأسري الحقيقية في مصر أنه غير مجرم، وأن الكثير من الفتيات حينما تلجأن للإبلاغ لا تجدن الدعم الكامل لهن بل يتم وصمهن لأنهن تتهمن الأهل وكأن رفض الانتهاك والعنف جريمة، وهو الأمر الذي راحت ضحيته مئات الفتيات.

"ظننت أن الضرب جزء من مقومات نجاح الأسرة فقد علمني أبي قديماً أنه وسيلة للتربية ولكني لا أعلم ماذا فعلت كي يضربني زوجي"، بتلك الكلمات المرتبكة بدأت نجوى عادل (اسم المستعار) حديثها لوكالتنا عن ممارسات الزوج التي خضعت لها، كاشفة عن جانب من التربية التي زرعت في تكوين النساء أن للرجل صلاحية تأديب المرأة بالوسيلة التي يراها مناسبة.

نجوى عادل ليست الوحيدة التي دخلت في شرنقة العنف الأسري المغمسة بالمشاعر الوهمية والتي تتحمل المرأة فيها مختلف أشكال الانتهاكات في صمت لأن من تفصح عما يحدث لها "تفشي أسرار بيتها"، وتوصم بين محيطها، بل أن عدد ليس بالقليل منهن يرونه امتداد لتربية الأب والأخ في الأسرة الأولى والزوج والابن لهم نفس الصلاحيات وكأنها خلقت لتتلقفها أياديهم المنتهكة لكامل حقوقها وكرامتها.

 

في منزل الأسرة الأب والأخ لهم سلطة التأديب

تقول نجوى عادل أنها تربت في أسرة متوسطة الدخل لأب عصبي ينفعل ويصرخ بوجه كل من يخطئ، وكانت له ولأخيها الأكبر صلاحية ضربها وظلت قابعة في منزل الأسرة حتى جاء الزوج الذي رأوا أنه مناسب لها وبدأت استعدادات الزواج، مؤكدةً أن رأيها عادة لا يحظى حتى بالنقاش أو الاهتمام وأن الأم في هذه الأسرة لا حول لها ولا قوة.

واعتبرت أن الأصول الصعيدية لأسرتها أورثتهم عادات تختلف كثيراً عن البيئة المحيطة بها، فرغم أنها تسكن في أحد الأحياء الراقية إلا أنها حُرمت من إكمال تعليمها بعد إتمامها الشهادة الاعدادية وظلت في خدمة الأسرة لنحو 7 سنوات إلى أن قرروا تزويجها، لافتةً إلى أن الضرب في منزلها كان واحداً من الأدوات التي تستخدم في وقت الغضب والعقاب المثالي في تقدير أبيها على الأخطاء.

وبينت أنها عانت داخل بيت الزوج الذي يعاملها كما لو كانت ملكية خاصة له منذ الشهور الأولى للزواج ولم تكن تدرك وقتها أن ما يحدث معها عنف أو أن ذلك يتم بلا حق له فيه نظراً لما تربت عليه من أفكار داخل أسرتها واستحقاق الرجل الدائم لتأديب المرأة.

وأكدت أنها في أحد الأيام قررت البوح عما تعرضت له من انتهاك لجارتها والتي أخبرتها أن عليها ترك هذا الزوج والعودة لأسرتها ولكنها باتت أم لطفلين ولا تستطيع تركهم، ورغم شكوتها الدائمة للأب والأم إلا أنهم أخبروها بضرورة التحمل من أجل أطفالها، معتبرةً أن حالتها ليست فريدة من نوعها وأن مبدأ تأديب الزوج قائم وتعرف أن الكثيرات تُضربن في بيوتهن لدرجة دخول إحداهن للمستشفى.

وأوضحت نجوى عادل البالغة من العمر 32 عاماً، أن فارق السن قد يكون عاملاً في السلطة التي تمارس من قبل الزوج، منوهةً إلى أن الكثير من النساء تضربن وتنتهك حقوقهن في المنازل وأغلبهن لا تختلفن عنها في حيرتها، فمسألة التبليغ مستحيلة على حد تعبيرها "أبلغ عن من أبي أم أخي أم زوجي، من يطالبون النساء بالإبلاغ لم يوضعوا في نفس موقفهم".

 

جذور العنف الأسري ممتدة والحملات التوعوية وحدها لا تكفي

قالت ريهام غريب مدربة الجندر والتغطية الصحفية الحساسة للنوع الاجتماعي، أن العنف المنزلي مصطلح يحمل الكثير من الأنماط من بينها ما هو مباشر كالضرب والتعنيف والمنع من الخروج والحرمان من التعليم وما إلى ذلك، فضلاً عن العنف المبطن، مؤكدةً أن النوعين بحاجة لعمل دؤوب على ثقافة وأفكار المجتمع.

وعن التشريعات الخاصة بالعنف فقد لفتت إلى أنها ليست الأولوية في الوقت الحالي لأن القوانين موجودة وسبق وكانت محط اهتمام جميع المعنيين بالملف ونتيجة ذلك أصبح هناك نسب إبلاغ من الفتيات ورغم كونها ليست كبيرة ولكنها خطوة تحسب للحشد والعمل على تلك القضية خاصة مع وجود التدخل الاجرائي ضد الأسر المعنفة.

وكشفت ريهام غريب أن هناك أنواع غير ملموسة من العنف كالمنع من التعليم فالأسر تسوق مئات المبررات ومنها حماية الفتاة نفسها، لذلك فالضرورة باتت تقتضي العمل مع تلك الشرائح بشكل مختلف وآليات جديدة حتى يتم جني ثمار أكثر تجذراً في المجتمع وتأثيراً في ممارساته.

واعتبرت أن العنف الأسري يفتقر للقدرة على التبليغ فمسألة ختان الإناث على سبيل المثال رغم تغليظ عقوبته وتجريمه بشكل واضح إلا أنه مستمر دون تبليغ على نطاق واسع نتيجة الخوف من الوصم، فعادة ما يتم الإساءة للفتاة التي تبلغ عن ذويها أباً كان أو أخاً باعتبارها جارت على أفراد أسرتها، مضيفةً أن بعض الفتيات يتم ابتزازهن عاطفياً أو خداعهن كما حدث مع سارة خالد التي خُدعت من قبل أسرتها وبعد طمأنتها بالعودة للأسرة سقطت من شرفة منزلها وتقرير الطب الشرعي جاء في غاية السوء حيث أبت تعرضها للحبس والتكتيف والمنع من الطعام والشراب وغير ذلك.

وأكدت ريهام غريب أن الحملات في كثير من الأحيان لا تأتي بنتائج خاصة أن ممارسي العنف يدركون جيداً بشاعة ما يقومون به ولكنهم يتعاملون فعلياً باستحقاق تحت شعار التأديب والتربية، معتبرةً أن الأزمة تكمن في طريقة تقديم الحملة وآليات حماية الضحايا والمبلغين في تلك القضايا فضلاً عن دعمهن وتشجيهن للقيام بذلك.

 

المجتمع المدني وتأثيره في قضايا العنف

وأوضحت أن عمل المنظمات المطالبة بحقوق النساء بالأساس محدود فلا يوجد متسع للنزول إلى الشارع والعمل الميداني كما كان الأمر في السابق وهناك قدر من التضييق على الشراكات حال دون قدرته على تحقيق إنجاز حقيقي ملموس في هذا الملف، مؤكدة أن تلك المنظمات والمؤسسات تعانى من الوصم الاجتماعي وعادة ما يلصق بنسائه أبشع التهم التي يسعى لمحاربتها بجانب القضايا الأخرى.

ولفتت إلى أن العمل على هذا النوع من القضايا يحتاج لمجموعة من الإجراءات منها إيجاد طريقة مقبولة اجتماعياً لتحقيق الصدى المرجو من الحملات، مشيرةً إلى الحملة الخاصة بـ "تكافل وكرامة" والتي رأت أنها جيدة في التأثير على الفئات المستهدفة حيث تم استخدام المنحة المالية المقدمة من الصندوق في منع التزويج المبكر، معتبرة أن الذكاء هنا يكمن في إيجاد الطريقة الأنسب والأكثر تأثيراً في المواطنين بعد فشل فكرة الترهيب بالسجن.

وأكدت على أن المؤسسات والمنظمات المطالبة بالحقوق بحاجة لمساحة أكبر للعمل من تلك الممنوحة له في الوقت الحالي، بالإضافة إلى ضرورة العمل على الطبقات الاجتماعية التي باتت تعاني من خلل كبير بفعل تأزم الأوضاع الاقتصادية الأخيرة، موضحةً أن الضرورة باتت تقتضي الربط بين ارتفاع معدلات العنف والتردي الاقتصادي لمعيشة الأسر وبحث آليات علاج تلك الأزمة بأدوات تناسب الجمهور المستهدف لإحداث التغيير الحقيقي.