"الموت أرحم" تفاصيل قاسية تعيشها مسنات بمخيمات النزوح في إدلب

خلّفت الحرب السورية الكثير من المآسي كالنزوح والفقر والتشرد، ليبقى مشهد المسنات النازحات الأكثر إيلاماً، إذ حرم النزوح والحرب الكثير منهن بيوتهن وأرزاقهن ومصادر دخلهن الأساسية، واضطررن للعيش وحيدات بلا معيل في مخيمات وسط أوضاع مأساوية.

هديل العمر

إدلب ـ تتعرض الغالبية العظمى من المسنات لمخاطر الإصابة بحالات الصحة النفسية مثل الاكتئاب واضطرابات القلق، عدا عن تراجع القدرة على الحركة أو الألم المزمن أو الضعف أو غير ذلك من المشكلات الصحية التي تجعلهم بحاجة إلى شكل ما من أشكال الرعاية الطويلة الأجل التي لا يجدنها في كثير من الأحيان.

من داخل خيمة تقع شمال إدلب وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، تعيش المسنة السبعينية صباح البرغل تفاصيل صعبة يسودها المرض والفقر والوحدة التي باتت قاتلة تأن تحت وطأتها وتبكي على ما آلت بها الأيام.

تقول وهي تغالب دموعها، وتظهر على وجهها علامات الحزن والأسى، أنها لا تجد ثمن الدواء ولا التدفئة وتفتقر للمواد الأساسية من الخبز والغاز ونحوهما "حجم المعاناة يكبر وفقدت كل أمل في الحياة، وغابت عني أبسط مقومات المعيشة، في ظل نقص الماء والغذاء والتدفئة، خاصة مع برودة الشتاء القارس وما يتركه برده القارس من آثار سيئة على صحة مسنة مثلي".

تعيش صباح البرغل وحيدة بعد وفاة زوجها بمرض عضال أواخر العام الفائت واعتقال ابنها البكر في سجون حكومة دمشق منذ بداية الحرب، بينما لم يتبق لها إلا ابنتها التي تعيش مع زوجها وأبنائها في تركيا منذ قرابة الأربع سنوات.

تحاول جمع بعض أكياس النايلون رغم مرضها لإشعالها مساءً والتدفئة عليها، وتعيش على ما تحصل عليه من سلات غذائية توزعها المنظمات الإنسانية بين الحين والآخر، لتبقى آلام الوحدة تشكل لها الهاجس الأكبر وخاصة حين تمرض ولا تجد حولها من يرعاها أو ينظر لحالها.

تتعرض الغالبية العظمى من المسنات لمخاطر الإصابة بحالات الصحة النفسية مثل الاكتئاب واضطرابات القلق، عدا عن تراجع القدرة على الحركة أو الألم المزمن أو الضعف أو غير ذلك من المشكلات الصحية التي تجعلهم بحاجة إلى شكل ما من أشكال الرعاية الطويلة الأجل التي لا يجدنها في كثير من الأحيان.

وبينما تقلب المسنة فاطمة المرعي الستينية مكب النفايات بعكازتها بحثاً عن النايلون وأي مواد قابلة للاشتعال، التي تُلحق أضراراً كبيرة بصحتها إلا أنها تبقى سبيلها الوحيد للدفء، تقول إنها دخلت المشفى جراء البرد وأمراض ضيق التنفس بسبب المواد المشتعلة عدة مرات منذ بداية فصل الشتاء، كما أنها تعاني أمراض الضغط والسكري منذ سنوات ولا تقوى على تأمين الأدوية اللازمة في ظل الفقر وانعدام السبل، والبرد يتسبب لها بالكثير من المضاعفات الإنتانية.

وأوضحت أن الحياة صعبة جداً على مسنة مثلها، فهي لا تجد من يعيلها أو يتفقد أحوالها، لتخفيف معاناتها أو تحسين حياتها "ربما أموت داخل خيمتي هذه دون أن يشعر بي أحد، أو يطرق بابي، الوحدة القاتلة تزيد آلامي وتضاعف معاناتي".

أما المسنة مريم القداح (67) عاماً فهي تصارع الحياة في خيمة مهترئة لا تحميها من البرد ولا المطر، وتعتمد في تأمين مستلزماتها الأساسية على ما سمتهم "أهل الخير" الذين يقدمون لها ولزوجها المريض بعض قطع نقدية أو طعام أو أدوية.

وأشارت إلى أنها خرجت مع زوجها من قريتهما احسم مرغمَين هرباً من الموت تحت قصف الطائرات، ليواجها موتاً من نوع آخر، وهو الفقر والحاجة والعوز "لم يبق لنا من يعيننا ويحمل عنا بعض الهموم والأعباء" وباتت وزوجها وحيدين منسيين في خيمة داخل مخيمات عشوائية تعانيان الأمراض ولا طاقة لهما على مراجعة الأطباء أو حتى شراء الأدوية.

وطالبت بضرورة النظر في أحوال المسنات أمثالها واللواتي لا يقوين على العمل وبذل الجهد، وفقدن مصدر الدخل والمعيل، وضرورة تأمين كفالات مالية شهرية لهن وتحسين أحوالهن المعيشية، وإنشاء دور عديدة لرعاية المسنات في إدلب وريفها من قبل منظمات المجتمع المدني.

ووفق إحصائيات فريق "منسقو استجابة سوريا" فإن عدد المسنين في الشمال السوري بلغ 417 ألف مسن ومسنة، نسبة 175 ألف منهم يقيمون ضمن مخيمات النازحين، وهم يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة وخاصة حالات ذوي الاحتياجات الخاصة الفاقدين للرعاية من كل جوانبها.