الموقد... دفء وألفة الأيام الخوالي

فاطمة المجول تعمل في صناعة المواقد الطينية منذ 30 عاماً، تقول إن المواقد تراث تركه الأجداد ولا زال الناس يستعملونها حتى اليوم، وإن لها العديد من الفوائد

سوركول شيخو
الحسكة ـ .
الحياة الريفية غنية وثرية، سواء من جهة الأدوات التراثية القديمة التي يستخدمها الناس أو من جهة الحياة التشاركية بين الأهالي. الحياة القروية هي المثال الأوضح على مناهضة نمط الحياة الرأسمالية وذهنية الدولة. في الريف تنتفي مصالح المستغلين ويحل محلها نمط الحياة التشاركية، والإحساس المتبادل بالمعاناة. حتى تاريخ قريب كانت معظم منازل الريف تحتوي على موقد طيني، حيث كان يصنع في المنزل إلى جانب التنور ويستخدم لإيقاد النار التي تستخدم في الطبخ، حيث لم تكن توجد في تلك الأوقات المواقد الحديثة التي تعمل على الوقود السائل أو الغاز. ورغم تراجع استخدام المواقد في السنوات الأخيرة، إلا أن العديد من أهالي القرى لا زالوا يستخدمونها. وبهدف التعرف على المواقد الطينية واستخداماتها وفوائدها توجهنا على قرية الجوخانية في جبال كزوان/جبل عبد العزيز بمقاطعة الحسكة، والتقينا مع إحدى النساء اللواتي تعملن منذ 30 عاماً في صناعة المواقد.
 
"في الأيام الخوالي كان للحياة معنى وقيمة"
عن نمط الحياة قديماً تقول فاطمة المجول "سنوات وأيام وأشهر ولحظات الحياة قديماً كانت جميلة جداً وذات معنى. كنا نحصل على كل شيء من الطبيعة، وهو ما كان يساهم في تحسن صحتنا. وبشكل خاص فيما يتعلق بالطعام، الشاي والسمن الذين كنا نعده على مواقد النار كان له طعم مختلف. والأهم ليس الطعم، بل المهم هو جمال الحياة قديماً. كنا نعتمد على المواقد الطينية في معظم أعمالنا، كنا نعيش في بيوت طينية. مر الوقت وتغيرت أشياء كثيرة ولكن روحنا وقلوبنا بقيت على حالها، لم ننسى ولم نتغير".
مما يصنع الموقد الطيني؟
حول المواد التي تصنع المواقد القديمة تبين فاطمة المجول "يصنع الموقد من التراب الأحمر والتبن والملح والماء وشعر الماعز. نقوم بخلط كل تلك المواد لنصنع الطين، وثم نبدأ ببناء الموقد. نقوم ببنائه بشكل دائري وبارتفاع حوالي 30 سنتيمتراً. ونفتح فيها كوة من الأسفل لكي يخرج الدخان. ونتركها حوالي ساعتين ليجف، ومن ثم نقوم بإشعال النار داخلها".
 
"المواقد الطينية بديل مواقد الغاز"
ونوهت إلى أن المواقد الطينية مفيدة في الحالات الحرجة حيث يفتقد الوقود "في السنوات الأخيرة لم نتمكن من الحصول على المازوت والغاز، وكان من الصعب مواصلة الحياة بهذا الشكل، وكبديل للمواقد التي تعمل على الغاز لجأن إلى صناعة المواقد الطينية. ونستخدم روث الحيوانات كوقود لإشعال النار، وكذلك القش والحطب. حيث نقوم بجمع روث الحيوانات ونقوم بتجفيفه وحفظه في غرفة خاصة ونستخدمها كوقود".
 
"يستخدم للطبخ وللتدفئة في فصل الشتاء"
وتقول فاطمة المجول "بالنسبة لي فإن إعداد الشاي والطعام على المواقد القديمة أفضل من أن أشعل البابور واسمع صوته المزعج. أقوم بوضع أبريق الشاي على الموقد وأجلس بالقرب منه إلى حين يغلي. وفي تلك اللحظات أنظر إلى النار واتذكر الأيام الخوالي. أطبخ جميع أنواع الطعام على الموقد الطيني. وفي الشتاء بعد أن ننتهي من إعداد الطعام لا نقوم بإطفاء النار، بل ننقله إلى داخل المنزل لنتدفأ به".
 
"كنت أصنع المواقد والتنور للأقارب والجيران"
فاطمة المجول لا تصنع المواقد الطينية لنفسها فقط، بل تصنعها أيضاً لأجل الجيران والأقارب، وتقول "في الماضي كنت أصنع التنور الكبير وكذلك المواقد الصغيرة وكنت أوزعها على الأقارب والجيران. لأجل استخدامها في إعداد الخبز وتسخين الماء، وغلي الحليب. كما أنني أصنع بعض المواقد الكبيرة من أجل استخدامها في إعداد خبز الصاج. كنت أوزعها على الجيران مجاناً، لم أكن أطلب منهم شيئاً بالمقابل. هناك العديد من أشكال المواقد، ولكنني أصنع ما يستخدم في إعداد خبز الصاج وإعداد الطعام، كما أصنع واحدة صغيرة لإعداد الشاي".
 
"حماية التراث مهمة تقع على عاتق كل الأمهات"
وتؤكد فاطمة المجول أنه على الإنسان أن لا ينسى تاريخه، والوفاء لتراث أجداده، وأنهت حديثها قائلة "التاريخ والثقافة هي أساس وجودنا في يومنا الراهن، الشعوب التي تنسى تراثها وتاريخها لا يستطيعون بناء مستقبلهم. كما لا يمكننا أن ننسى الأيام القديمة، كان الأغنياء يساعدون الفقراء، كما كان الأهالي يجمعون الأموال من أجل مساعدة المرضى وشراء الأدوية، وكان هناك مجالس السمر في الليل. في تلك المجالس كان يسود الحب والاحترام. النساء كن يقمن بالنسج والغزل، يجب على أمهات اليوم الوفاء لميراث أجدادهن. يجب تعزيز المحبة بين الشعوب. لا تنسوا تاريخكم، لكي تستطيعوا بناء مستقبلكم".