المسيحيات في إدلب... مضايقات متعددة وطقوس دينية مقيدة

تتعرض بعض الكنائس والأديرة لانتهاكات من قبل المرتزقة في إدلب كذلك يتم الاستيلاء على ممتلكات المسيحيين وأراضيهم.

هديل العمر

إدلب ـ لاتزال الطائفة المسيحية في إدلب تناضل في ظل الحرب والفقر والاضطهاد للدفاع عن وجودها، وبعد سيطرة مرتزقة ما يسمى بـ "هيئة تحرير الشام" على إدلب زادت الانتهاكات بحقهم.

كان العقد الماضي قاسياً بشكل خاص على هذه الطائفة حيث اضطرت المجتمعات المسيحية في أجزاء من سوريا، والتي تقع تحت سيطرة مرتزقة تركيا، إلى الفرار من مناطقها، بعد أن أصبحوا خاضعين لأهواء حكامهم الجدد، الذين منعوهم من ممارسة شعائرهم الدينية، واستولوا على ممتلكاتهم في بعض الأحيان.

تقول جوليا كرومان 44عاماً وهي من ساكني قرية اليعقوبية أنها لم تفكر بمغادرة البلاد يوماً رغم كل ما حل بها من حروب ودمار وحرب طائفية. وأضافت أن لديها جيران وأصدقاء لا تستطيع الابتعاد عنهم، فقد أنسوها مرارة ما مرت وما تزال تمر به من ظروف إنسانية صعبة وسط الفقر والحرب وقمع الحريات.

وتمتلك جوليا كرومان أرضاً زراعية تعتبرها متنفسها الوحيد حين تخرج لتقلب التربة وتزرع شتى أنواع الخضراوات، وبينما تندمج مع عملها الزراعي اليومي تستذكر بملامح حزينة أيام الراحلين من أهلها وأصدقائها الذين فضلوا المغادرة خوفاً مما قد يحل بهم من أهوال.

وتقول "حتى أرضي هذه لم تعد أرضي فقد وضعت هيئة تحرير الشام يدها على كامل أراضي المسيحين وجعلتهم يعملون في أراضيهم بموجب حق الانتفاع، فما ينتجه المسيحي يذهب 60% منه لجيب الهيئة، بينما يبقى 40% فقط لصاحب الأرض وهو الظلم بعينه".

ويتوزع المسيحيون في إدلب على قرى اليعقوبية، والقنية، والجديدة، والغسانية وحلوز بريف إدلب الغربي، فضلاً عن وجود نسبة منهم في كل من مدينتي جسر الشغور وإدلب مركز المحافظة، إلا أن أعدادهم بدأت بالانخفاض في ريف إدلب نهاية العام 2012 ورحل معظم قاطني مدينة إدلب عام 2015 عقب سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة.

ومن بقي من المسيحيين في إدلب وجسر الشغور والقرى المسيحية الخمس لا يتجاوز عددهم 200 شخص، إضافة إلى كنيسة واحدة تواصل إقامة الصلاة فقط يوم الأحد دون أن يُسمع لها قرع أجراس.

"طقوس مسيحية حزينة ومن بقوا ليسوا إلا آخر الشهود على الاحتضار والنهاية المؤلمة، معظمهم من المسنّين الذين ينتظرون الموت"، هكذا وصفت المسيحية مريم الزعتري 55 عاماً حياة المسيحين في القرية.

واشتكت مريم الزعتري قلة المساعدات الإنسانية، واتهمت "هيئة تحرير الشام" في الضلوع بحرمانهم من أي دعم إغاثي وإبعاد المنظمات الإنسانية عن قراهم.

وأكدت أن الهيئة تفرض عليهم إقامة طقوسهم الدينية داخل بهو الكنيسة فقط ومن دون قرع للأجراس أو رفع للصلبان.

من جهتها تحدثت الناشطة الحقوقية سوسن السكري عن عمليات القتل والخطف التي تعرض لها المسيحين في إدلب بغية الابتزاز المالي والسرقة كما حصل مع المسيحية "سوزان ديركريكور" وهي مُدرسة لغة عربية في العقد السادس من عمرها ومن أبناء بلدة اليعقوبية، والتي وجدت جثتها في تموز/يوليو من العام 2019، بالقرب من قرية الجديدة القريبة بعد اختفائها أياماً وقد بدت علامات التعذيب والاغتصاب على الجثة العارية من الملابس، ومجردة من مصاغها الذهبي الذي كان بحوزتها.

وفي اليوم التالي للجريمة أعلنت وزارة الداخلية التابعة لما يسمى بـ "حكومة الإنقاذ"، القبض على أحد مرتكبي جريمة الاغتصاب والقتل وهو فتى في الـ 16 من عمره، واعترف بما نسب إليه وأقرّ بقتلها بمشاركة شخصين آخرين، حيث اعتدوا عليها جنسياً وقتلوها وأخفوا الجثة، وسرقوا منزلها ولاذوا بالفرار، ولم يتم الكشف عن عقوبة هؤلاء حتى اللحظة، بحسب سوسن السكري.

وأشارت إلى أن حالات خطف المسيحيين خلال العامين الأخيرين وصلت إلى 6 حالات كان أفظعها ما حدث مع المُدرسة ديركريكور، وهو الأمر الذي استنكره جميع أهالي إدلب.

ونوهت لتعرض بعض الكنائس والأديرة لانتهاكات، كقيام أحد متزعمي هيئة تحرير الشام المحليين بقطع الأشجار من حرمها وبيعها في أسواق الحطب بغية الحصول على المال، فضلاً عن اتخاذ بعض الكنائس مقرات للفصائل العسكرية ككنيسة الروم الأرثوذوكس في الغسانية والتي حولها فصيل فيلق الشام مدة من الزمن إلى مقر له ولحق بها الدمار من جراء الغارات، وكذلك كنيسة متر يوحنا في قرية الجديدة والتي حولها ما يسمى بـ "الحزب الإسلامي التركستاني" إلى مطبخ يمد قواته بالطعام، كل ذلك فضلاً عن انتهاكات النظام الذي دمر كلياً كنيستين وقصف عشر كنائس من اثنتي عشرة كنيسة في عموم إدلب.

وطالبت سوسن السكري جميع المعنيين ومنظمات حقوقية ودولية بالعمل على حماية المسيحيين في إدلب وإطلاق الحرية الدينية والحفاظ على ملكيتهم وحمايتها من أي خروقات وتجاوزات.