المرأة والكومين... مساعي نحو بناء مجتمع ديمقراطي حر
لعبت المرأة في شمال وشرق سوريا دوراً كبيراً في النهوض بالمجتمع، بمشاركتها في كافة مجالات الحياة، بعد تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في المنطقة، بدءً من أصغر خلية وهي الكومين، عبر نظام الرئاسة المشتركة المعمول به في المؤسسات التابعة للإدارة.
يسرى الأحمد
الرقة ـ أكدت عضوات الكومينات في مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا، على أن تحرير المدينة وتأسيس الإدارة المدنية الديمقراطية والمؤسسات التابعة لها، أحدث نقلة نوعية في واقع النساء في المدينة، لتصبحن العنصر الأساسي في إحلال الديمقراطية والعدل والنهوض بالمجتمع.
عملت النساء على تنظيم أنفسهن بعد الثورة التي شهدتها روج آفا، وهي تعتبر أحد الإنجازات التي حققنها، كما ساهمن في تطوير وتنظيم المجتمع وإيجاد الحلول للأزمات التي تعيشها، مبديات عن آرائهن ومحققات بذلك مبدأ المساواة بين الجنسين، وكاسرات القوالب والصور النمطية والعادات والتقاليد البالية المترسخة في المجتمع وخاصة في مدينة الرقة التي تزال المرأة تعمل فيها بجهد لتغيير واقعها.
أوضحت الرئيسة المشتركة لمجلس الشهيدة هيلين جودي، التابع للإدارة المدنية الديمقراطية في الرقة نارين عبد الرحمن، أن النساء بمشاركتهن في إدارة الكومينات سعين لإثبات دورهن وقدرتهن على القيادة "بعملهن التطوعي في الكومين الذي يعد حجر الأساس للإدارة الذاتية والمدنية في شمال وشرق سوريا، تعمل النساء على إدارة الأحياء وخدمة الشعب وتلبية احتياجاتهم".
وحول الصعوبات التي واجهتهم في تشكيل الكومينات ضمن الأحياء بعد تحرير المدينة من سيطرة مرتزقة داعش في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، على يد وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، تقول "إن المجتمع الذي لا يزال متمسكاً بعض الشيء بالمفاهيم الرجعية والعادات والتقاليد البالية، كان رافضاً في البداية تشكيل الكومينات، وإشراك المرأة فيها، إلى أن تقبل الفكرة مع عقد المحاضرات التوعوية، التي توضح أهمية المساواة بين الجنسين".
وأشارت إلى أنه مع مرور الوقت بدأ الأهالي بتقديم طلبات لإنشاء المزيد من الكومينات ولجانه في الأحياء، حيث يتبع لها ستة لجان وهي لجنة الخدمات التي تعمل على تأمين كافة متطلبات الحي أو القرية من ماء وكهرباء وخبز وغاز وخدمات وغيره، أما لجنة الدفاع التي تعرف بلجنة الحماية كذلك فتقوم بالمناوبات الليلية والنهارية لحماية الحي أو القرية من أي عمل إرهابي يخل بأمنها ولا يقتصر عملها على ذلك فقط بل من واجبها المشاركة بصدد كل الهجمات الداخلية والخارجية التي تمس بأمن الشعب والمنطقة بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات الأمنية والدفاعية الأخرى.
فيما تهتم لجنة المرأة بشؤون المرأة الاجتماعية والمهنية والثقافية والأسرية وغيرها، بينما تعمل لجنة التدريب على توعية وتدريب كافة أعضاء الكومين وأفراد المجتمع كذلك من خلال تنظيم دورات ثقافية وتدريبية لرفع المستوى السياسي والفكري، كما تقوم لجنة الصحة وهي المسؤولة عن الأمن الصحي في الكومين، بحملات إرشادية وتوعوية للوقاية من الأمراض ومن مهامها تأمين الأدوية الضرورية لذوي الأمراض المزمنة.
وتعمل لجنة العدالة والصلح على حل جميع المشاكل والخلافات بين الأهالي وبالتراضي دون اللجوء إلى المحاكم، وتعمل على ترسيخ ثقافة التسامح الاجتماعي والحد من تفاقم النزاعات.
وعن دور المرأة في الكومين أوضحت بسمة حسن وهي عضو في كومين الشهيد أحمد المحمود "في حال تقدمت إحدى النساء بشكوى للكومين فمن خلال لجنة المرأة بالإمكان حل مشكلتها وتحليل جذورها بشكل أسرع، حيث أن بعض النساء لا تشعرن بالارتياح عند الافصاح عن المشاكل التي تواجههن للرجال".
وحول تجربتها في إدارة الكومين على مدى أربعة أعوام تقول "تمكنت من كسر حاجز الخوف من المجتمع، فبالرغم من الانتقادات التي واجهتني في بداية عملي التطوعي، لم اتراجع وسعيت للمشاركة في كافة النقاشات، فسابقاً لم أجرؤ على الدخول في مناقشة مع الرجال أو حتى الإبداء عن رأيي، بينما الآن بإمكاني اتخاذ القرارات وتنفيذها حتى دون الرجوع إلى الرجل، وهو ما عزز دوري وزاد من ثقتي بنفسي".
وأشارت إلى الكومين يعمل على تلبية خدمات المجتمع وحل قضاياه وتوعيته ويركز بشكل أساسي على تنظيم علاقة الأفراد ضمن الأحياء والأرياف بتنسيق مباشر مع المجالس المحلية واللجان، داعيةً جميع النساء للعب دورهن في النهوض بواقعهن، والمشاركة في إدارة كافة المؤسسات بدءً من الكومين لما له من أهمية تحقيق المساواة بين الجنسين "على المرأة أن تكون على مستوى عالي من الوعي والإدراك التام لمدى أهمية مشاركتها في المجتمع، وأن تعمل على تدريب وتنظيم ذاتها وعملها ثم تنظيم النساء من حولها للوصول إلى مجتمع منظم تسوده الديمقراطية".
من جانبها قالت عضوة لجنة الصلح التابع لكومين حيث الثكنة، فاطمة عبد العزيز البكر أن المرأة تشغل حيزاً في كافة اللجان التابعة للكومينات، مشيرةً إلى أنه بعملها في الكومين طرأ تغيير كبير على حياتها "قبل أن يتم تحرير مدينة الرقة لم يكن بمقدور المرأة التعبير عن رأيها حتى في منزلها أو المساهمة في بناء المجتمع، كان يمارس عليها كافة أشكال العنف، حتى أنها كانت تعيش على الهامش، بينما اليوم وبعد سنوات من التحرير، باتت تمثل مجتمعها وتتخذ القرارات للنهوض به، أي أنها خرجت عن صمتها وباتت ترفع صوتها عالياً مطالبة بحقوقها وحريتها، فهي صاحبة إرادة وفكر حر".