المرأة اللبنانية تبدع في تربية النحل... فاتن المصري نموذجاً

لم يكن من قبيل الصدفة أن يطلق عليها النحالون لقب "ملكة النحل"، خصوصاً وأنها الوجه النسائي الوحيد في مجلس الإدارة في اتحاد النحالين العرب.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ منذ 14 عاماً، بدأت رحلة فاتن المصري في عالم تربية النحل، وتمكنت من تعلم أسراره، لتراكم خبرات نافست بها الرجال، وبجهود فردية مكنتها من خط اسمها كواحدة من أهم العاملين في قطاع إنتاجي ظل حتى الأمس القريب حكراً على الرجال، نظراً لما يتطلب من جهود ومواكبة دائمة.

 

من خليتي نحل إلى خمسمئة

قالت فاتن المصري لوكالتنا "الشغف دفعني لتعلم هذا المجال، فهناك شعور لا يمكن وصفه عند وصولي للمنحلة، ولا زلت أعتبر نفسي طالبة، فكل يوم أتعلم أموراً جديدة، وقد منحني هذا العمل الذي مارسته خلال سنوات الشجاعة والجرأة على تخطي الصعاب، فأنا أعمل بمفردي ولساعات طويلة في أرض خالية من الناس والعشب، دون خوف، وأتعرض للسع النحل، وقد أعطاني العسل ومنتجاته مناعة فلم أصب بفيروس كورونا لا أنا ولا عائلتي".

وأشارت إلى أنها "لم أعد أخاف من الحشرات المختلفة، ولا من حالات الإغماء التي أتعرض لها خلال موجات الحر والعمل الطويل وسط المناحل جراء التعب الشديد"، لافتةً إلى أن "هذا العمل يحتاج إلى المثابرة والاستمرارية وتحدي كافة الصعاب".

بدأت فاتن المصري وحيدة في عملها بخليتي نحل، ليتجاوز عدد الخلايا الخمسمائة في بعض المراحل، ولكنها اضطرت لبيع مئتا خلية بسبب سوء الوضع الاقتصادي والغلاء وتكلفة المواد خصوصاً العلاجات النوعية للآفات، لافتةً إلى أن هذا الأمر يساعدها للتركيز على العناية بالخلايا الباقية، وبالطرق الأمثل.

 

عالم النحل فلسفة عظيمة

وأضافت "أقتني النحل البلدي بالمجمل، فهو متكيف مع طبيعتنا على تنوعها على الرغم من شراسته بالمقارنة مع الأنواع الأخرى، وأنقل الخلايا على أربعة ارتفاعات، لا أفصح عن مكانها، أولاً لأستفيد من تنوع المراعي، وثانياً حتى لا تتعرض للسرقة والتعديات والتسميم، وهي أمور تعرضت لها بعض الخلايا في وقت سابق، ما أدى إلى نفوق كميات كبيرة من النحل".

وعن كيفية العناية بخلايا النحل تقول فاتن المصري "أعمل على تحسين الملكات للحصول على خلايا نحل قوية من حيث الإنتاج والجودة، ونتابعها عن كثب لرصد الملكات الضعيفة واستبدالها، فضلاً عن مراقبة الأمراض المختلفة وعلاج الخلايا المصابة، وكذلك التخلص من الحشرات الضارة، بالإضافة للوقاية من الآفات التي تصيب النحل باستخدام العلاجات الوقائية".

وأوضحت أن "عالم النحل يختصر فلسفة عظيمة، فالخلية يحكمها "الشعب"، أي العاملات النشيطات اللواتي تجمعن الرحيق وحبوب الطلع، وتعملن على تبريد الخلية والمحافظة على حرارة معتدلة داخلها، وكما تقررن في بعض الأحيان التمرد والإطاحة بالملكة إن تراخت في إنتاج البيض واستبدالها بأخرى، أو طرد الملكة القديمة مع حاشيتها وجيشها خارج الخلية لتؤسسن خلية أخرى، والاحتفاظ بملكة جديدة منتجة".

وأضافت "أما بالنسبة لذكور النحل فعملهم مؤقت، ويختصر فقط بعملية التلقيح، وبعدها يتم طرده من الخلية أو حرقه، وذلك بحصره في إحدى زوايا الخلية، فتقوم العاملات بتحريك الأجنحة لترتفع الحرارة عن المستوى الطبيعي وهو 37 درجة مئوية داخل الخلية إلى 50 درجة مئوية، لتنفق بعدها الذكور، كما وأن الذكر يموت بعد فترة من التلقيح، حيث تحتفظ الملكة بعضوه الذكري داخلها لتلقيح البيض، علماً أن البيض الملقح ينتج الإناث أما غير الملقح فينتج الذكور".

 

 

حكمة وتوازن بيئي

وأشارت فاتن المصري إلى أن "هناك حكمة وتوازن بيئي داخل الخلية وخارجها، فالمفترسات للنحل مثل الدبور الذي يقضي على الكثير من النحل، وبالمقابل تساهم الزواحف مثل السحالي بصيد مفترسات النحل، كما يقتات طائر الورور على الكثير منهن، وخصوصاً في موسم تكاثر النحل، ولكن بالنتيجة هو توازن طبيعي يحدث لتحديد ومعرفة الخلايا الضعيفة أو التي فيها أي مشكلة، فالخلية القوية تعمل على طرد الغزاة وبفعالية".

وفي جولة ميدانية في أحد مناحلها بالقرب من بلدة عرمون، قالت فاتن المصري "يتميز هذا الموقع بغزارة وتنوع المرعى، وقد وضعت فيه بعض الأمهات (الخلايا القديمة أو تلك التي أنتجت خلايا جديدة وهي تسمى طرود) والباقي من هذه الخلايا هي الطرود الجديدة"، وبعد فتحها إحدى خلايا الأمهات أوضحت أن "الوقت قد حان لقطاف هذه الخلية، فكما نشاهد قامت العاملات بإنتاج شمع طبيعي إضافي بسبب امتلاء خانات الشمع التي زودناها به، ويزن كل إطار من هذه الإطارات ما لا يقل عن 2 كيلو ونصف الكيلو، ما يدل على أن المرعى ممتاز للغاية".

كما فتحت إحدى الطرود الجديدة، وشاهدنا ألواحاً مملوءة ببيوض النحل، التي ستفقس إلى عاملات، حيث يتم ملء الخانات الفارغة فوراً بالعسل، ولفتت إلى أن "تكاثر النحل تم منذ شهر تقريباً، وهذا المرعى يتميز بوجود نبتة القصعين (المريمية) والزعتر وصنوبر الأرض وغيرها من النباتات الغنية بالرحيق".

 

الندوة العسلية

وقالت "نضطر لوضع الخلايا في مناحل عدة، لنتمكن من تنويع الإنتاج والمحافظة عليها من الأمراض التي قد تفتك بأحدها، ووقاية لها من السرقة التي قد تتعرض لها، فضلاً عن حرائق الغابات، بالإضافة إلى الظروف المناخية كالثلج الذي أدى إلى خسائر كثيرة في أحد مناحلي".

وعن فوائد النحل قالت "أنواع العسل في لبنان ثلاثة وهي عسل الليمون والشوكيات والسنديان، كما وأن النحل ينتج مواداً بأهمية العسل وهو العكبر وهو مادة طبيعية يستخدمها النحل لسد الشقوق وله منافع طبية وعلاجية ومناعية ووقائية عدة، وحبوب الطلع التي يستخدمها النحل كغذاء وبدأ الناس يطلبونها لخواصها الغذائية والعلاجية الهامة، والسم الذي بدأت تستخدمه بعض المختبرات لتصنيع علاجات جديدة، وكما وأن هناك الغذاء الملكي الهام كغذاء خارق وخواص علاجية ووقائية مميزة، ولكن قطف الغذاء الملكي يتطلب أن يتم بطريقة محددة، وأن يتم حفظه بالثلج فوراً حتى لا يفقد خواصه".

وأضافت "تتنوع الندوة العسلية وفقاً للمراعي والإنتاج، فقد لا تنتج الخلية كيلو واحد من العسل، وبالمقابل قد تنتج 50 كيلو، وفقاً للمناخ وتغيراته وجودة المراعي وتنوع الغذاء، وفي العام الماضي كان الإنتاج ممتازاً، بينما فيما قبل كانت هناك سنوات انخفض فيها إنتاج عسل السنديان إلى درجة كبيرة".

وعن التحديات التي تواجه النحال قالت فاتن المصري "التحدي الأكبر هو المضاربة الداخلية والعالمية، فهناك عدد من النحالين يبيعون العسل المغشوش بسعر قليل، وفي هذا الجانب تلعب الثقة دوراً، لذا أنصح الجميع بشراء منتجات من يثقون به، أما البضاعة الأجنبية وهي عسل مصنع ولا يمكن كشفه حتى في المختبرات العادية إنما في مختبرات متخصصة، يتم وضع مواد وإنزيمات تشبه ما يوجد في العسل الطبيعي، ويباع بأسعار منافسة أيضاً".

 

تصنيع الصابون ومستحضرات التجميل

وعند سؤالها عن خطواتها المقبلة في هذا المجال، أجابت "بعد انتهاء موسم العسل من نيسان وحتى تشرين الأول والثاني، أحاول الاستفادة من فترة الشتاء بتصنيع الصابون يدوياً من العسل ومنتجاته مع زيت الزيتون ومواد أخرى، للأغراض الجمالية والعلاجية، وأفكر عند تحسن الحالة الاقتصادية البدء بخط إنتاج في مجالات أخرى، مثل مستحضرات تجميلية مصنوعة من مواد طبيعية مع العسل".

وفي ختام حديثها قالت فاتن المصري "أتمنى زيادة المساحات الخضراء والتقليل من استخدام المبيدات للمحافظة على النحل، كما وأني أدرب مجاناً الراغبين في تعلم هذه المهنة، وقد ساهمت في هذا المجال بتأليف كتاب "المساعد في تربية نحل العسل" مع زميل عراقي هو الدكتور منتصر صباح الحسناوي مع نصائح إرشادية للراغبين في تربية النحل وإنتاج العسل".