المقالع الحجرية بين المخيمات... مصدر رعب لأطفال إدلب

تنتشر المقالع الحجرية في كثير من الأماكن بإدلب، ويعتمد عليها الكثيرون كمهنة ومصدر رزق في مواجهة ظروف الفقر والنزوح، غير أن توزعها بعشوائية وعلى مقربة من تواجد المخيمات راح ينعكس سلباً على حياة الناس

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، لاسيما الأطفال ممن راحت تشكل لهم أصوات الانفجارات الصادرة عن المقالع مصدر رعب يومي.
عانت الطفلة سلام الجعار (١٠) سنوات من الخوف والذعر جراء سماعها لأصوات الانفجارات الصادرة عن المقالع الحجرية في مخيمات كفرلوسين ما ترك لها آثار وأمراض نفسية وهو ما جعلها كثيرة البكاء والصراخ.
تقول والدتها مروة الخاني (٣٥) عاماً وهي نازحة مع أسرتها من مدينة سراقب منذ أواخر ٢٠١٩ ومقيمة في مخيمات كفرلوسين أن ابنتها تعاني الخوف الشديد مذ كانوا في مدينتهم التي تعرضت للقصف، "القصف هو ما جعل ابنتي تخاف من الأصوات العالية وأصوات التفجير والطائرات منذ ذلك الحين خاصة وأنها تعرضت لحادثة كادت تودي بحياتها حين استهدف الطيران مدرستها وكانت على مقربة من مكان القصف ما أشعرها بالذعر والرعب". 
وتناشد مروة الخاني جميع المعنيين للعمل على منع انتشار مثل تلك المقالع على مقربة من المخيمات التي تعج بساكنيها خوفاً على الأطفال والنساء من تبعات دوي الانفجارات الصادرة عنها والتي تبعث الخوف في نفوسهم.
وزاد عدد المقالع في المنطقة ليصل لأكثر من ٥٠ مقلع موزعة بين مناطق دير حسان وكفرلوسين وأطمة وحارم وسرمدا وخاصة بعد زيادة الطلب على مواد البناء إثر موجات النزوح الأخيرة لتجهيز مساكن جديدة للنازحين تأويهم بعد مغادرتهم لمدنهم وقراهم. 
ورغم فوائد تلك المقالع في مد السوق المحلية بالمواد الأولية للبناء كالحجر والرمل والحصى وغيرها، إلا أنها حملت أضراراً كبيرة نتيجة انتشارها العشوائي ما تسبب بغبار كثيف ضاعف من الأمراض الصدرية والتنفسية لقاطني المخيمات القريبة من المقالع، والتي لا يبعد بعضها عنها أكثر من ٥٠ متراً. 
تشكو ربيعة حاج نعسان (٤٠) عاماً وصول الغبار والحجارة المتناثرة الصادرة عن تفجير المقالع المجاورة إلى داخل خيمتها الواقعة في مخيمات دير حسان، والتي ترعبهم باستمرار وتخلف أجواء ذعر بين الأطفال الذين يلعبون في ساحات المخيم. 
وتقول "لدي أربعة أطفال، وخيمتنا صغيرة، لذا كثيراً ما يخرجون للعب في ساحة المخيم مع الأطفال الآخرين، لكن ما إن يصدر صوت انفجار حتى يسارعون للركض والاختباء في الخيمة والخوف يعصر قلوبهم الصغيرة".
يؤلم الأم مشهد رؤية أطفالها الخائفين كل مرة والذين راحوا يعانون الكوابيس والاضطرابات النفسية جراء ما يصدر عن تلك المقالع من تفجيرات وأصوات تشبه إلى حد كبير أصوات القصف والتفجيرات الإرهابية التي أودت بحياة آلاف الأبرياء منذ بداية الحرب السورية.
"خوف مستمر، اضطرابات وانفعالات حادة، اكتئاب، كلها أعراض تسكن أطفال المخيمات الذين يسكنهم الرعب منذ ولادتهم وحتى اللحظة" كما تقول.
من جهتها ما تزال الطفلة رهف المصطفى (١٢) عاماً تسمع أزيز الطائرات ودوي الصواريخ الصادرة عنها في أذنيها كلما خلدت للنوم، تقول "كان يوماً لا ينسى حين ألقت الطائرات بحممها فوق منزل أهلي في مدينة كفرنبل لتجعله ركاماً في أقل من لحظة، وحين أخرجوني من تحت الأنقاض أيقنت أنني فقدت أمي واثنين من إخوتي وقد فارقوا الحياة بينما بقيت أعاني الخوف من تبعات ذلك اليوم حتى الآن".
رهف المصطفى تختبأ رأسها تحت الوسادة وتبدأ بالبكاء كلما سمعت صوت التفجير الصادر عن المقالع القريبة من مكان إقامتها مع أبيها وزوجته في مخيمات حارم، ويتراءى لها ذلك المشهد من جديد مع كل تفجير تسمعه.
رغم كل ما يمر به أطفال إدلب من حالات نفسية واضطرابات عقلية وضغوطات يومية، لم يكن المعنيين ليلتفتوا بأنظارهم إلى علاجها وتأمين بيئة آمنة لهم حتى اليوم، ليستمر أولئك الأطفال يواجهون ظروف حياتهم المأساوية بمفردهم.
وبحسب خبراء نفسيين فإن أكثر من 40 بالمئة من الأطفال السوريين النازحين تحت عمر ١٢ عاماً يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية.