"المهر بالدولار"... تضارب في الآراء ما بين مؤيد ورافض
يشكوا الكثير من الشباب بإدلب، من ارتفاع قيمة المهر الذي بات يحدد بالدولار الأميركي أو الليرة التركية في الوقت الذي يعانون فيه النزوح وضعف الإمكانيات المادية وقلة فرص العمل، الأمر الذي زاد نسبة العنوسة بين الفتيات والشباب أيضاً
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
تختلف العادات والتقاليد من مكان إلى آخر، ويتميز بها مجتمع عن آخر، من بين تلك العادات تقديم المهر أو الصِداق من قبل الزوج لزوجته، ويكون معجلاً ومؤجلاً ومقداره يتم بالتراضي بين الطرفين ويختلف وفق العائلة والمنطقة.
"يلي ما بدو يزوج بنته يغلي مهرها" تقول سمية الكنجو (٢٥) عاماً التي ترغب بالزواج من أحد الشبان الذي تعرفت عليه أثناء عملها في إحدى منظمات المجتمع المدني، وهما يتبادلان مشاعر الحب والإعجاب، غير أن أهلها رفضوا رفضاً قاطعاً تزويجها له إلا بمهر مرتفع وهو ما يعجز عنه "الشاب الفقير" على حد وصفها.
ويشكل المهر إحدى ركائز عقد القران المعمول بها، فيأتي ضمن مجموعة من تجهيزات العروس التي تقع على كاهل العريس وزيادة هذه التكاليف وعلى رأسها المهر تزيد الأعباء على الشاب الراغب بالزواج.
تقول وهي من مدينة سرمدا أن المال لا يعني شيئاً بالنسبة لها، ولا تقاس سعادة المرء بالمال، والمهر ما هو إلا عادات لا تقدم ولا تؤخر، وإن كان الأمر يرجع إليها لما طلبت مهراً أكثر من خاتم يربطها بحبيبها، وتضيف متسائلةً "هل زيادة قيمة المهر مرتبطة بنجاح الزواج مثلاً؟" لتجيب "طبعاً لا لأننا عاينا الكثير من حالات الزواج الفاشلة والتي انتهت بالطلاق رغم مهر الزوجة الكبير".
ومن هنا تشجع سمية الكنجو جميع الأهالي على تيسير أمور الزواج والرأفة بأحوال الشباب وخاصة في ظل ما يواجهونه من فقر وأزمات.
ويعد غلاء المهور من العادات التي يتمسك بها سكان إدلب، وهو ما يعتبره كثيرون مشكلة اجتماعية تثقل كاهل الشباب وتؤرقهم.
سالي اليوسف (20) عاماً وهي من مدينة حلب ونازحة إلى مدينة إدلب، لا تتفق مع سمية الكنجو في الرأي كون المهر أمر ضروري للفتاة ويضمن حقها في المستقبل، فتقول "كلما زاد المهر كلما ارتفعت قيمة الزوجة في نظر زوجها، والعكس صحيح، ولا شك أنه سيعد للمئة بدل العشرة، قبل أن يفكر بطلاقها أو خيانتها أو معاملتها بسوء"، ولذا فهي تؤيد رأي أهلها بضرورة دفع مهر يتناسب مع حقوق الزوجة وارتفاع تكاليف المعيشة لاسيما بالدولار الأميركي أو الليرة التركية كون الليرة السورية انخفضت قيمتها وانتهى التعامل بها كلياً في الشمال السوري، وترى أن قيمة 1000 أو 1500 دولار هو مبلغ مقبول إذا ما قورن بمهر الفتيات في الماضي، وهو بالكاد يكفي الفتاة لشراء ملابس واحتياجات العرس وهي مرتفعة بشكل كبير.
من جهتها ترى الخمسينية صباح الحراكي وهي من مدينة معرة النعمان، أن المشكلة لا تتعلق بزيادة قيمة المهور وتحديدها بالدولار الأميركي بل هي في صعوبة الأوضاع المعيشية وقلة أجور الشباب التي بالكاد تكفيهم لسد مصاريفهم ومصاريف أهاليهم المعالين بهم.
وتتابع "كان مهري سابقاً خمسون ألف ليرة سورية، وإذا ما قارناها بقيمة الدولار في السابق كانت تعادل 1200 دولار أمريكي، أما اليوم لا تعادل الخمسون ألف ليرة سورية ١٥ دولار، وليس من المنطقي أن يكون مهر الزوجة متدني بهذا الشكل".
وتعطي الحاجة الخمسينية بعض الحلول لتسيير أمور الزواج هذه الأيام من خلال تخفيض قيمة المعجل ورفع قيمة المؤجل الأمر الذي يسمح للشباب بالزواج والاستقرار وتكوين أسرة من جهة، ويضمن حقوق الزوجة إذا ما فشل زواجها بالحصول على حق المؤجل من جهة أخرى، مشيرةً إلى زيادة نسبة الإناث مقارنة بالذكور بسبب الحرب ومقتل الكثيرين منهم وترتب على غلاء المهور زيادة نسبة العنوسة بشكل كبير.
ويشكل ارتفاع المهور في إدلب عقبة أمام معظم الشباب الذين راحوا يعزفون عن فكرة الزواج وخاصة أن قيمة أجورهم بالكاد تكفيهم في تغطية التكاليف المعيشية المرتفعة هذا إن وجد لديهم عملاً أساساً.
تقول لبانة المصطفى (35) عاماً، وهي حاصلة على شهادة جامعية في الشريعة الإسلامية إن شرائع الإسلام مؤسسة على اليسر ورفع الحرج، من هذا المنطلق تدعو لبانة لتيسير أمور الزواج وتسهيل تكاليفه وخاصة في ظل ما يواجه الشباب السوري من صعوبات معيشية.
وتؤكد أن المهر في حقيقته ما هو إلا رمز للرغبة والمودة والمحبة التي يريد الزوج أن يعبر عنها لزوجته، وهو ليس ثمناً ولا مقابلاً مادياً لأي معنى من معاني الزواج بل هو مشروع إنساني يقوم على معاني وأحاسيس لا يمكن أن تقدر بثمن أو مقابل مادي على حد وصفها.