المدارس السودانية في مصر... غرف صغيرة للهروب من الواقع المتأزم

ارتفع عدد المدارس السودانية في مصر خلال الفترة الأخيرة وذلك لضمان مسار دراسي مستقر ومستدام للأطفال حتى إتمام مراحلهم التعليمية المختلفة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أكدت مديرة مدرسة التميز فرع المعادي فاطمة عبد القادر أن وضع المدارس السودانية في مصر يحتاج إلى الدعم للارتقاء بأوضاع الطلاب.

عند الدخول إلى المدارس السودانية تجد الفصول صغيرة وضيقة، فلا توجد كراسي لجلوس المدرسين المضطرين للوقوف على أقدامهم أغلب الوقت أو حتى انتظار واستقبال أولياء الأمور، ومن الصعب أن تشعر أن هذا المكان يمكنه أن يخلق حالة تعليمية تتناسب والمأمول علمياً من التحصيل الدراسي.

وبالنظر إلى الجوار لا تجد غرفة للمدرسين أو حتى غرفة موسيقى ورسم وما إلى ذلك من الأنشطة التي من شأنها أن تستوعب طاقات الطلبة وتنمي مهاراتهم ومواهبهم، وفقط الراغبين في التعلم يمضون كامل الوقت داخل الغرف (الفصول) كما أنهم لا يستطيعون حتى التحرر في الأصوات حرصاً على عدم إزعاج الجيران في المبنى السكني.

فالوضع إجمالاً يحتاج لتدخل داعم من أجل الارتقاء بأوضاع تلك المدارس كما أوضحت مديرة مدرسة التميز فرع المعادي، فاطمة إبراهيم عبد القادر، في حوار مع وكالتنا، والتي أكدت خلاله على أهمية التواصل بين وزارة التربية والتعليم المصرية ونظيرتها السودانية للنهوض بالعملية التعليمية والمدارس السودانية في مصر.

 

انتشرت المدارس السودانية مؤخراً في مصر، هلا أخبرتنا عن بداية الفكرة وتطورها؟

بدأ التفكير في إنشاء مدرسة من قبل مجموعة متطوعين في عام 2012 ضمن مؤسسة تضامن وكانت تحتوي على جنسيات مختلفة فبالإضافة للسودانيين كان هناك سوريين وأثيوبيين.

وعقدنا شراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خلال عام 2013 لأن عمل المدرسين بهذه المدارس كان بلا أي رسوم دراسية، وتلا ذلك التوقف في 2014 بسبب نقص الدعم وعدم القدرة على الإنفاق.

وخلال عام 2015 عدنا للعمل مجدداً في فصول دراسية صغيرة قدر إمكانياتنا ولمسنا أن الكثير من الطلبة السودانيين غير قادرين على التسجيل بالمدارس المصرية نتيجة عدم توفر أوراق تثبت مؤهل الراغبين في استكمال مراحل التعليم الأمر الذي قمنا بمعالجته من خلال اختبارات تحديد المستوى التي قام بها المجازين من الحكومة السودانية.

ومع مرور الوقت وزيادة عدد السودانيين في مصر استوعبت الأسر ضرورة توفير أوراق أبنائهم لاستكمال مراحل تعليمهم، وتمكنوا من التسجيل في المدارس المختلفة، وأصبحت امتحانات النقل من فصل لآخر يتم إعدادها بالمدرسة المنشأة في مصر أما شهادة إتمام المراحل التعليمية تأتي من السودان.

وتمكنا لاحقاً من زيادة عدد الفصول بسبب ارتفاع معدل الالتحاق بالمدرسة كما استقبلنا الطلاب حتى الصف الثالث الثانوي، حيث شهدت المرحلة الراهنة ارتفاع ملحوظ في معدل المدارس السودانية.

 

ما السبب وراء توافد عدد من المصريين في الفترة الأخيرة إلى المدارس السودانية؟

نقوم بتدريس المنهاج السوداني داخل المدارس الموجودة في مصر وذلك لأن امتحانات نهاية المراحل التعليمية تأتي بالأساس من خلال السفارة السودانية إلى هنا، ومن المقرر أن يتغير الوضع خلال العام المقبل ليتم الوقوف في المرحلة الابتدائية عند الصف السادس بدلاً من الثامن مع وجود مرحلة تعليم متوسط قبل المرحلة الثانوية.

والمصريين الملتحقين بالمدارس السودانية لا يسمح لهم بتقديم الامتحان في الداخل، إلا في فصول النقل وعليهم الذهاب للسودان لنيل الشهادة المتعلقة بختام كل مرحلة سواء كانت ابتدائية أو ثانوية، ومن يدرسون المنهاج السوداني داخل وخارج مصر يمكنهم الالتحاق بالجامعات المصرية كطلبة وافدين.

والسبب الرئيسي الذي يجذب المصريين لدراسة المنهاج السوداني سواء بالداخل أو الخارج يعود لفرق الدرجات عند التقديم للجامعات لأن الطلبة السودانيين يتمتعون بإعفاء من نسبة رقمية الأمر الذي يجعل الطالب المصري أقرب للكليات التي ترتفع درجات القبول فيها عن قدراته على التحصيل.

 

هل يؤثر وجود مدارس مغلقة للسودانيين على معدل الفجوة والعزلة بين الوافدين والمجتمع الذي يعيشون به؟

لا يمكن أن يصنف الأمر بكونه يخلق مساحة من العزلة أو حتى جفاء وفجوة بين الشعبين لأن هذا الطالب بالأساس ابن البيئة التي يحيا بها وقطعاً ينتمي إليها فجيرانه مصريين وكذلك منطقته السكنية والشارع والمواصلات ومحيط المدرسة ذاته ورفقائه في المرحلة الجامعية وهو أمر يُحدث الدمج المطلوب.

كما أن هناك تقارب ثقافي كبير بين الشعبين أو يمكننا القول إن الطالب السوداني تعاطى مع الواقع المصري ربما قبل القدوم إليه من خلال ما يتناقله الأهل وكذلك الدراما ويكاد يكون على دراية كاملة بواقع الشارع، ولكن هناك بالفعل مجموعة من العوائق تحول دون التواصل الجيد خاصة في التحصيل الدراسي ومنها اللهجة والثقافة الأمر الذي قد يفتح الباب في بعض الأحيان للتشاحن والتنمر.

 

برأيك ما هي أسباب التمييز والتنمر التي تدفع بعض الأسر لمحاولة إنقاذ أطفالهم بتدريسهم داخل مجتمع سوداني مغلق؟

تعود أسباب لجوء الأسر السودانية للدراسة في مدارس خاصة بهم لحجم التحديات التي تواجههم التي قد لا يتحملها الطالب، لذلك يتم تجنبه الاحتكاك بها في مراحله الدراسية الأولى وتأهيله لما هو في انتظاره مستقبلاً ولكن بعدما يصل لمرحلة من الوعي تعينه على تجاوزها وفهمها في إطارها الصحيح.

فالطالب بالمدارس السودانية يحيا داخل مجتمع حامل لنفس ثقافته وقادر على خلق مساحة تواصل معه، وكذلك يجيد التعامل والاختلاط مع أقرانه حتى يصل للسن الذي يمكنه استيعاب ثقافات تختلف عنه وفهم ذلك دون حدوث خلل بداخله.

 

هناك تحديات تعيق إعداد الطفل الناشئ والتعامل معه، فما هي أبرزها وكيف تتغلبون عليها؟

هناك عدد ليس بالقليل من التحديات التي تواجه السوداني الذي قرر ترك بلده والقدوم لبلد آخر وفي مقدمتها الحصول على عمل فالأعداد كبيرة بالفعل والمنافسة صعبة للغاية وتحتاج لجهد وتطوير في الذات للتمكن من الأمر.

وهناك أزمات كبيرة قد يتم التعرض لها تتمثل في الاستغلال بمختلف أشكاله وذلك نتيجة اختلاف الثقافات وفرق اللهجة الذي يحمل المواطن السوداني بأعباء لا تحصى فهو بالأساس يحتاج لوقت للتعرف أكثر على ما يناسب قدراته من عمل وطبيعة الفرص المتاحة في البيئة المحيطة به وخلال ذلك الوقت قد يقع في قبضة الاستغلال.

 

النساء في مصر تعانين من التمييز والعنف، فماذا عن وضع المرأة السودانية المغتربة عن ديارها؟

التحديات التي تمر بها النساء بشكل عام لا تختلف كثيراً فهناك قطعاً تمييز أساسه النوع الاجتماعي يقع على كاهلها لا يمكن الفرار من مساره العام أياً كانت جنسيتها أو مكان معيشتها.

ولكن لا يمكن إغفال أن مختلف الأزمات التي تمر بها النساء تزيد إن كانت تحيا ببلد غير تلك التي ولدت وتربت فيها خاصة إن كانت هناك معاناة حقيقية ترتبط بمواجهة الاستغلال، وكذلك البحث الشاق عن عمل لتتمكن من الإنفاق والارتقاء بمعيشة أطفالها.

وأغلب الأسر السودانية في مصر العائل لها امرأة الأمر الذي يجعلها أيضاً في أزمة حقيقية سواء على مستوى أهمية وضرورة العمل بالنسبة لها أو حتى اضطرارها للقبول بعمل لا يتوافق مع إمكانياتها ومهاراتها من أجل توفير الدخل والتمكن من الإنفاق.

 

كيف تقيمين وضع المدارس السودانية في مصر وما هي أبرز المعوقات التي تواجهها؟

أغلب المدارس السودانية في مصر هي عبارة عن شقق سكنية يتم تقسيمها لفصول دراسية وهذا الأمر يعد معاناة حقيقية فلا يوجد متنفس للطلبة أو للمدرسين.

فالأطفال مقيدين لا يتمتعون كمن في أعمارهم بالمساحات الواسعة من الباحات والملاعب وغيرها من مساحات النشاط التي تستوعب طاقاتهم، وهو أمر ضروري ويؤثر سلباً على حالتهم النفسية وقدراتهم ومهاراتهم.

وإحدى المعوقات الرئيسية عدم قدرة ولي الأمر على دفع المصاريف الدراسية أو الإنفاق على تعليم الأبناء الأمر الذي يشكل عبئاً حقيقياً علينا لأننا لا يمكننا أن نرفض استقبال طالب بسبب عدم امتلاكه الأموال أو التخلي عنه أثناء العملية التعليمية.

ويمكننا القول أن الطالب السوداني ينقصه الشعور بطفولته وممارستها والاهتمام به ولأن المرأة عادة الأكثر قدرة على إيجاد عمل أسرع من الرجل فولي الأمر يسجل غياب في حياة الطفل وهو أمر نسعى لتعويضه ولكن عدم وجود أخصائي نفسي واجتماعي يجعل الأمر أكثر صعوبة إلا أنه يتم من خلال أسرة المدرسة من المعلمين.