عالم الطَّفولة... مركز يحتضن ذوي الاحتياجات الخاصة ويؤهلهم لمواصلة حياتهم

يسعى مركز عالم الطَّفولة لذوي الاحتياجات الخاصة، لتجاوز خجل الأهل من نظرة الاستهزاء لأطفالهم، وبالتالي وأد الأزمات النَّفسية التي تحدث داخل الأسرة، وتأهيل الأطفال نفسياً وسلوكياً لمواصلة حياتهم بشكل طبيعي

رهف يوسف 
قامشلو ـ .
طالما عانى أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ليس فقط على مستوى شمال وشرق سوريا بل في العالم أجمع، من عدم تقبل المحيط لهم، مما جعلهم وأسرهم ينعزلون في قوقعة خشية مواجهة العالم، لذا كان من الضّروري نشر ثقافة التّقبل وإعادة تأهيلهم وتمكين ثقتهم بأنفسهم.  
 
عالم الطَّفولة لذوي الاحتياجات يعمل على منع خلق أزمات نفسية 
 
 
بينت مديرة مركز عالم الطَّفولة لذوي الاحتياجات الخاصة شيرين علي، أنه برعاية هيئة المرأة في إقليم الجَّزيرة بشمال وشرق سوريا افتتح هذا المركز في عام 2015، نظراً للحاجة المُلحة لوجود هذا النَّوع من المراكز، "كان هناك العديد من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، في غياب المراكز المُتخصصة التي تحتضنهم".
وكانت قد تأسست هيئة المرأة في شمال وشرق سوريا في عام 2018، بغية توحيد صوت النَّساء وأهدافهنَّ وتحقيقها. 
حول النجاح الذي حققه المركز تقول "منذ الافتتاح حتى اليوم حققنا خطوات ناجحة، برز عبر التّطور الفكري والانفتاح الذَّهني، وتقبل المجتمع، لكيلا يكون هؤلاء الأطفال ضحية ويبقوا حبيسي المنزل أو يلجؤوا للشوارع".
ولعل أبرز الصّعوبات التي واجهتهم عدم تقبل العديد من الأمهات لحالات أطفالهنَّ كحالات التَّوحد "الخجل من نظرة المُجتمع لهنَّ، إذا وضعنَّ أطفالهنَّ بمركز لذوي الاحتياجات الخاصة، على الرَّغم أن هذا حق للأطفال، فكما أن الأطفال الأصحاء يذهبونَّ للمدرسة ويتعلمونَّ، فإن هذه الفئة منهم تحتاج للدعم ضمن مركز مخصص".
وبينت شيرين علي بأن الذَّنب لا يقع على عاتق أحد بأن الطَّفل وُلد وهو يعاني من حالة خاصة، "هنا نحاول ألا نستخدم كلمات تؤذي مشاعر الأسرة أو الأطفال، لأننا لا نرى أن ما يعانونه مشكلة أو مرض أو حتى إعاقة".
وتخرج من هذا المركز العديد من الأطفال، منهم ذهب للمدرسة وآخرون وصلوا لأعمار كبيرة، وغيرهم هاجر إلى خارج البلاد، "لدينا إقبال كبير، فالأهالي يأتون إلينا، ونحن بدورنا نشرح لهم حالة الطَّفل، وفي بعض الحالات نحولهم لطبيب مختص، ولم يعد هناك نفور كبير من بقاء أطفالهم في المركز".
وفي بعض الحالات يستخدمون جلسات التَّوعية والمُحاضرات، لإخراجهم من قالب الخجل، ونشر ثقافة تقبل الطَّفل وإلحاقه بمركز خاص، إذ أنَّ هناك أطفال يمتلكون أمكانيات مميزة بحاجة للعمل على تطويرها، عبر مساعدة الطَّفل بعمر صغير، وإدخاله ضمن خطط علاجيّة، كي لا يتحول في المُستقبل لاتكالي ويعتمد على والديه في كل شؤون حياته، كما قالت. 
"عدم خلق الأزمات النَّفسية داخل العائلة" جملة لخصت بها شيرين علي الواجب الذي يقع على عاتق مركزهم، انطلاقاً من أنَّ الازمات النَّفسيَّة التي تتشكل داخل الأسرة تؤثر سلباً على المُحيط بأكمله.
وأعطت مثالاً على أطفال يعانون من إعاقة حركية أو عقلية عندما يسيرون في الشَّارع، "نجد نظرة السَّخريّة من الأطفال الآخرين لهم، وأحياناً يقلدونهم لا نريد أنَّ يتعرض هؤلاء الأطفال للاستهزاء أو التَّنمر الذي يتسبب بالأزمات النَّفسيّة لهم، يجب أنَّ نضع أنفسنا مكانهم، أو نفترض حصول حادث لنا يتسبب بهذا النّوع من الضَّرر، لا شك عندئذِ أننا سنشعر بألمهم ومعاناتهم، ونحن هنا نتكلم من منطلق إنساني".
وتعتبر أن نشر ثقافة التَّقبل تبدأ من خطوات بسيطة كدمج هذه النّوعيّة من الأطفال في المدارس، لتعويد الأطفال الأصحاء على تقبلهم، وإدخال مناهج جديدة، وزيادة مستوى الوعي. 
 
ببرنامج ترفيهي تعليمي سلوكي تتحقق أهداف المركز 
ويعمل في المركز 10 معلمات باختصاصات متنوعة كـ "رياض الأطفال، والإرشاد النَّفسي، والتَّربية الخاصة، وعلم الاجتماع" إضافة لذوي الخبرة بالعمل بهذا المجال، وتقول شيرين علي "أحياناً الخبرة تغلب على الشّهادة الدّراسيّة، لذا في حال عدم وجود الخبرة ندرب المتقدمين للعمل هنا، لأن للأطفال هنا نظام وطريقة خاصة للتعامل معهم".
أما عن شروط قبول الأطفال "هناك أعمار محددة وخطط علاجية معينة، وتوجد بعض الحالات التي لا نستطيع استقبالها، كحالات الإعاقة الحركيَّة الشَّديدة، نظراً لحاجتهم لمختصين، وصعوبة جلبهم للمركز وإعادتهم، ولا سيما مع تلك التي تحتاج لوجود كرسي متحرك، ويجب أن يكون الطَّفل معروضاً على طبيب مختص بالعصبية، وإن لم يعرض نحوله نحن إلى طبيب، وبعد الاطلاع على تقريره نحدد إن كان الطفل بحاجة لمركز أو لا".
ويستقبل المركز جميع حالات فئة ذوي الاحتياجات والحديث لشيرين علي "لدينا حالات التَّوحد، ومُتلازمة داون، وصعوبات التَّعلم، والتّخلف العقلي، والصّم والبكم، والأطفال الذين يعانون من مشكلات في النّطق كالتلعثم، وحالات الخجل والخوف من المدرسة وغيرها".
ويضم المركز 22 طفل/ة، منهم 10 حالات توحد، و6 متلازمة داون، وحالتي صُم وبكم، و3 حالات تخلف عقلي وصعوبات التّعلم، إضافة للحالات المُتفرقة التي يتم علاجها عبر جلسات للنطق.
وحول آلية التعامل مع الأطفال "لا يمكننا أنّ نعمم لأن لكل طفل وضعه وحالته الخاصة، نظراً لأن الحالات تتراوح بين المتوسطة والجيدة والشَّديدة والخفية، ولكل طفل خطته العلاجية المُستقلة، ونعززهم عن طريق أنشطة ترفيهية ورياضية، والنّزه والرَّحلات، والألعاب الخفيفة، فبرنامجنا ترفيهي تعليمي سلوكي".
وقالت "نعاني في البداية دائماً، فهناك أطفال يمتلكون سلوكيات عنيفة وعدوانيّة، نسعى لضبط سلوكياتهم بشكل كامل، لنحصل على تعاونهم، ولدينا حصة دراسية لها وقت محدد يلتزمون بها، إضافة لأننا نعطيهم واجبات منزلية، ونحصد هذه النّتيجة بعد العمل لمدة تتراوح بين الشّهور والأسابيع والأعوام، ويرجع ذلك للتعاون بين الأهل والمركز".
وأضافت "باستجابة الأهل نحصل على نتائج مثمرة، فنحن هنا نعمل بشكل أحادي الجّانب تقريباً، وهذا يتعارض مع الخطة العلاجية الثّنائية، التي يتوقف نجاحها على تكامل الطّرفين، فنحن هنا نغرس البذرة، والعناية بالشّجرة لنحصل على ثمرة جهدنا يجب أن يقوم بها الأهل، نظراً لأن الطّفل يبقى لفترة محددة لدينا".
وكلمة "نقصان" التي تستخدمها فئة من الأمهات تسبب صعوبات جمة في سير عمل المركز "باستعمال هذه المفردة تربي الأمهات أطفالهنَّ بطريقة غير صحيحة، وتقوم بتدليله بشكل زائد، ومعاملته بطريقة مميزة دون أخوته الآخرين، وهذا ما يولد لدى الطَّفل ردود الفعل العنيفة، نظراً لأنه يحصل على كل ما يريده".
وتدعو لوجود إعلام هادف وموجه لهذه الفئة من الأطفال، لكي يأخذوا الحيز الذي يستحقونه ضمن حدود السّلطة الرَّابعة "يجب تسليط الضّوء عليهم وعلى مواهبهم ومشكلاتهم، لنرتقي بهم ونوصلهم لأعلى المستويات".
وأكدت شيرين علي على عدم قطع الأمل واليّأس من هؤلاء الأطفال "لا يأس مع الأطفال، لأن لديهم عطاء وحب كبيرين، لذا يجب ألا ننظر لهم بشفقة ونقتل المشاعر السّلبية تجاههم".
 
للتوحد سلوكيات مميزة وخطط علاجيّة مدروسة لكل طفل 
 
 
أما مدربة أطفال التّوحد في مركز عالم الطّفولة لذوي الاحتياجات الخاصة غزال العنز، قالت إنها تعمل منذ ما يقارب الثلاث سنوات، ولاحظت وجود العديد من الصّفات المُميزة التي تفصل التّوحديين عن الأطفال الطّبيعيين "عملنا على تعديل سلوكهم وحالاتهم النَّفسيّة، لكي يتمكن المحيط من تقبلهم، وعدم إبعادهم عن الاندماج في هذه الحياة، ونحن هنا لا نهيئ الطّفل فقط بل المجتمع أيضاً ليتقبله".
وعن سمات التّوحديين تبين "هو طفل غير اجتماعي، ولا ينظر بعينيه إليك أثناء الحديث، ولا يلعب مع الأطفال الآخرين، يهتم بالتفاصيل التي تربى عليها في المنزل كالطعام والنَّوم، إضافة للحركات التَّكراريَّة كالرفرفة والسير على أصابع القدمين، والتّصفيق، والدّوران حول نفسه، والتَّحديق في الأشياء الدائرية بتركيز، وتكرار الكلمات خلف المُتحدث، مما يدل على أن النّطق غير سوي لأن كلماته تكون ناقصة".
وهناك فرق في التَّعامل بين الأطفال الذين يأتون من مراكز أخرى والذين لم يخضعوا لأي محاولة تأهيل "هناك أطفال لا يتفاعلون معنا لمدة شهر كامل، وأحياناً تأتيهم حالة بكاء هستيرية، وهنا نحاول التّقرب من الأطفال واشعارهم بجو من الحنان، وترفيههم، وجذب انتباههم، وتعزيزهم بالكلمات الإيجابيّة، والأساس أن ينظروا إلينا مباشرة، وهذا يعني أنهم اعتادوا على المعلمة وتقبلوها، مما يسهل تعاملها معهم".
وأضافت "عقب التَّقبل ومعرفة سمات الطّفل، والانتهاء من دراسة الحالة، نضع الخطة العلاجية لمدة ثلاث أشهر تقريباً، وتتضمن عدد من المجالات كالاجتماعي، والاستقلالي، والتركيز والانتباه، وتعديل السَّلوك، ونضع لكل مجال هدف أو اثنين نعمل عليه في كل يوم حسب برنامج الدوام، ويتم ذلك بشكل تكراري لأن الإدراك لديهم ضعيف".
وبالنسبة لتعليم أطفال التّوحد بالصور تشير إلى أنهم يستخدمون المجسمات بشكل كبير أو عن طريق الرَّسم، "كان لدي طالب مهما حاولت إيصال المعلومة إليه لم تكن تصل، إلا عن طريق البطاقات، وطفل آخر كان يلعب بالأدوات الكهربائيّة في المنزل كثيراً، ولكنه غير ناطق، ولكي أوصل له معلومة أن هذا خاطئ أو خطر كنت استخدم معه الرّسم".
ولفتت غزال العنز إلى الصّعوبات التي يعانيها الطّفل بعد الدّمج في المدارس "في المراكز الخاصة العدد قليل، لذا تصب المعلمة اهتمامها على تلميذ واحد، أما في الصّفوف العادية الأعداد كبيرة، إضافة لصّعوبة اندماجه مع الأطفال، لذا أعتقد أنهم بحاجة لمدارس خاصة".
وتؤكد غزال العنز على ضرورة التّوعية داخل المجتمع، للإسهام بتسهيل تقبل هؤلاء الأطفال، وعدم إشعارهم بأنهم غير متساويين مع أقرانهم. 
ويتم في المركز جلسات للنطق للأطفال الذّين يعانون من مشكلات في الكلام، ويكون ذلك بحضور الأم، لكي تتمكن من معرفة كيفية التّعامل مع الطّفل في المنزل وتدريبه على النّطق الصّحيح.