الجبار العربي... ما يزال محط اهتمام أهالي إدلب والشمال السوري
ـ لم تتردد صفاء الطبش (٣٢عاماً) في التوجه لجارتها المجبراتية "التي تعمل على تجبير الكسور" بعد سقوط ابنها أحمد البالغ من العمر خمس سنوات من أعلى الدرج، فهي مقتنعة بأن بإمكان جارتها معالجة ابنها دون حاجتها للتوجه للمستشفى التي تفتقد المعدات والإخصائيين
سهير الإدلبي
إدلب ـ لم تتردد صفاء الطبش (٣٢عاماً) في التوجه لجارتها المجبراتية "التي تعمل على تجبير الكسور" بعد سقوط ابنها أحمد البالغ من العمر خمس سنوات من أعلى الدرج، فهي مقتنعة بأن بإمكان جارتها معالجة ابنها دون حاجتها للتوجه للمستشفى التي تفتقد المعدات والإخصائيين.
تقول صفاء الطبش "ذاع صيت جارتنا بعد نجاحها بعلاج الكثير من الحالات الصعبة والمستعصية وهي تتصف بالطيبة والتواضع والمرح في التعامل مع المرضى، ليس ذلك وحسب فهي برعت أيضاً بتركيب العديد من الأدوية لمعالجة الحروق والحساسية". وتؤكد أن أبنها سرعان ما تعافى وتماثل للشفاء بعد خمسة عشر يوماً من تجبيره.
بعضاً من الشاش، خليط دقيق، زلال بيض، ورق مقوى ومساطر خشبية أدوات تستعين بها الستينية صُبحية العمر من بلدة سرمدا في تجبير الكسور المتعددة التي تستقبلها في منزلها أسبوعياً.
رغم توغلها في القدم إلا أن مهنة تجبير الكسور ماتزال حاضرة في مناطق إدلب والشمال السوري، ولها حضورها ومكانتها التي عرفت بها من خلال معالجة شتى أنواع الكسور والرضوض التي تصيب العظام.
ومع غلاء أجور تجبير الكسور في المشافي الخاصة وتدهور القطاع الصحي وندرة تواجد أخصائي العظام؛ بعد هجرة معظمهم خارج البلاد بفعل الحرب السورية المستمرة منذ عام 2011، عاد الأهالي للاعتماد على "المجبراتي" بشكل أكبر لمهارته وأجرته القليلة قياساً بأجور الأطباء الباهظة.
صبحية العمر تزاول المهنة منذ أكثر من ثلاثين عاماً ويقصدها الناس من مختلف المناطق، تقول إنها اكتسبت المهنة من والدتها التي كانت محل تقدير واحترام الناس، كونها تخفف آلامهم ولا تكلفهم إلا القليل من المال "كنت أشاهد مدى سعادتها بدعاء الناس والأمهات لها لإتمام الشفاء على يديها، وكنت حريصة على تعلم كافة أسرار المهنة منها حتى أتقنتها، وكنت آنذاك في سن الثلاثين عاماً وحللت مكانها بعد وفاتها".
حافظت صُبحية العمر على المهنة ومارستها بمهارة كبيرة، وهي تستقبل كافة الفئات العمرية ذكوراً وإناثاً وتصل الحالات التي تستقبلها شهرياً لحوالي عشرين حالة على الأقل.
التجربة والإتقان في العمل جعلها خبيرة في معرفة كافة الحالات التي تصلها إن كانت عبارة عن كسر أو شُّعر "المعروف طبياً بالكسر الشّعري" قبل إجراء المصاب للصورة الشعاعية حتى، وذلك عن طريق اللمس لمعرفة شكل الكسر ودرجته.
وتوضح أن مدة العلاج تقاس بعمر المصاب ونوع الكسر وتعطي مثالاً على ذلك أنه حين يكون عمر الشخص المكسور ثلاثون عاماً فهو يتعافى بمدة ثلاثون يوماً، وتستثني من هذه النظرية مرضى السكري إذ يستغرق تعافيهم مدة مضاعفة، أما بالنسبة للأطفال فيتم علاجهم خلال أيام قليلة لسرعة قابلية أجسامهم للشفاء فهم في مرحلة نمو على حد وصفها.
وعن طريقة تجبير الكسور تضيف صُبحية العمر "أقوم بفحص مكان الألم ونوعه وأعرف مكان الكسر من درجة حرارة المنطقة، وكلما تزيد درجة الحرارة أتأكد من مكان الكسر".
تغسل صُبحية العمر الجزء المتألم وتشده وتضغط عليه وتسحبه أكثر من مرة وتلف عليه قطعه من القماش الأبيض (الشاش) وتشدها، وهنا تعد الخليط المكون من بياض البيض والصابون المبروش وتخلطهما جيداً ليصبحا متجانسين مثل (الجبس)، وتضع صفائح رقيقة من الخشب على جوانب الكسر، ثم قطعة قماش أخرى يوضع عليها الخليط المعد ويتم لفها جيداً على المنطقة المكسورة.
الصيدلاني صهيب العبد الله (٤٥عاماً) يرى أنه مهما تطور الطب تبقى المهن الممزوجة بإخلاص الوارث والحكمة شاهدة ومشاركة في نجاح العلم الحديث، إن لم تكن منافسة له في بعض الأحيان، لما لها من تأثير ملموس على صحة وراحة مرتاديها، لكنه في الوقت ذاته يدعو للجوء للطب الحديث الذي يظهر موضع الكسر بشكل أكثر دقة، ويعيد العظام لموضعها تفادياً لأي أخطاء وإن لم يصدر عن مهنة تجبير الكسور أي أخطاء موثقة حتى الآن.
ولكن الكثير من الناس يثقون بالجبار العربي لما عُرف عنه من الدراية والحنكة والمهنية مما جعله محط ثقة لديهم على مدى عقود مضت، ويرى الكثير منهم أن الجبار العربي يوفر العناء والمشقة، وهو بديل ناجع عن الطب في كثيرٍ من الأحيان، ويعزون ذلك إلى الخبرة التي يتمتع بها هؤلاء المجبّرون.