الحرمان من التعليم... مأساة الفتيات الريفيات في جوانرود
إن عدم وجود مدارس ثانوية وإمكانيات تعليمية في القرى التابعة لجوانرود شرق كردستان، يجعل استمرار تعليم الفتيات أمراً بالغ الصعوبة، كما أن العائلات، بسبب التكاليف والمخاوف الاجتماعية، تمنعهن من الذهاب إلى المدينة، مما يعرض مستقبلهن للخطر.

جوانرود ـ تواجه الفتيات تحديات كبيرة في مواصلة تعليمهن بقرى جوانرود في شرق كردستان، بدءاً من عدم توفر مدارس ثانوية خاصة بهن ونقص المعلمين، وصولاً إلى غياب المساكن الطلابية المناسبة ووسائل النقل، إلى جانب الأعراف التقليدية البائدة السائدة في الأسر، التي دفعت العديد من الفتيات إلى ترك الدراسة قبل إنهاء المرحلة الابتدائية أو الزواج المبكر.
يُعد الفقر من أكبر العقبات، إذ تعجز الأسر عن تحمل تكاليف التعليم، وتفضل أحياناً إشراك بناتها في العمل، إضافةً إلى ذلك، فإن نقص البنية التحتية التعليمية، وغياب المدارس الجيدة والدعم الاجتماعي، أدى إلى تراجع دافع الفتيات في مواصلة تعليمهن.
إن ارتفاع معدل التسرب المدرسي بين الفتيات في المناطق الريفية في شرق كردستان هو نتيجة لمزيج من ثلاثة عوامل رئيسية ألا وهي (الفقر، والآراء التقليدية، والافتقار إلى المرافق التعليمية الكافية).
روجین بهرامي فتاة في الرابعة عشرة من عمرها من قرية "خوش آب"، والدتها تعمل في تربية الماشية، بينما تتولى هي وشقيقتيها الأعمال المنزلية اليومية، رغم صغر سنها إلا أنها تتحمل مسؤوليات جسيمة، ومثل والدتها، تعمل بجدّ في المنزل.
كانت تحلم بإكمال دراستها رغم الصعوبات الهائلة التي واجهتها، سواء بسبب قلة المدارس أو معارضة أهلها لفكرة انتقالها إلى مدينة أخرى لمواصلة التعليم، وعلى الرغم من محاولاتها العديدة، لم تجد أي دعم من المؤسسات التعليمية، ما جعل حلمها بالتعلم شبه مستحيل، قالت بنظرة مليئة بالندم عن انقطاعها القسري عن الدراسة "ما زلت أتذكر أول يوم دراسي جيداً، في ذلك اليوم كنت مليئة بالحماس، منذ البداية، أحببت الدراسة والتعلم، وكان المعلمون يشجعونني دائماً بفضل ذكائي واهتمامي".
ورغم نقص الإمكانيات وقلة عدد المدرسين، حيث كان معلم واحد يدرس فصلين في آنٍ واحد، إلا أنها كانت تواظب على دراستها بتركيز شديد، وكان شقيقها يساعدها أيضاً ويشجعها على الاستمرار "كل شيء كان يسير بشكل جيد حتى انتهى الصف السادس، عندها كان عليّ اتخاذ قرار بشأن مواصلة تعليمي، لكن في قريتنا، المدارس لا تتوفر إلا حتى الصف السادس، فكان الاستمرار أمراً صعباً".
في قرية مجاورة، كانت هناك مدرسة حتى الصف التاسع، لكن معظم زميلاتها لم يُسمح لهن بالانتقال إليها، إذ كانت أسرهن تقول "الفتاة لا تحتاج إلى التعليم، فمصيرها الزواج في النهاية".
وأضافت "عندما أخبرت والدي برغبتي في مواصلة الدراسة، قال إنه لا يستطيع تحمل تكاليف ذهابي اليومي، لأنني كنت الوحيدة التي ستذهب، مما يجعله مضطراً لدفع كل التكاليف، والدي يعمل في تربية المواشي، وحتى لو كان يملك المال، لم يكن مستعداً لإنفاقه على تعليمي".
قررت روجين بهرامي الذهاب إلى السكن الداخلي في جوانرود لتحقيق حلمها، لكن رفض العائلة، حال دون ذلك "قالوا كيف يمكن أن نترك فتاة وحدها في جوانرود؟ بينما وفّر أبي سيارة لأخي حتى الصف التاسع، ثم استأجر له منزلاً مستقلاً في جوانرود ليتابع تعليمه بسهولة".
وبعد عامين، استطاعت روجين بهرامي إقناع عائلتها بالسماح لها بالذهاب إلى السكن الداخلي، لكنها واجهت مشكلة جديدة "المدارس العادية رفضت قبولي، قالوا إنه يجب عليّ الدراسة في مدارس البالغين، لكن هذه المدارس لا تقبل الطلاب في السكن الداخلي، أي أنني رغم رغبتي في الدراسة، لم يكن هناك أي طريق متاح لي".
كما انتقدت عدم اهتمام المسؤولين في وزارة التعليم "عندما ذهبت إلى وزارة التعليم وشرحت مشكلتي، لم يساعدني أحد، لم يقم أي شخص بالمتابعة أو حتى اقتراح حل لي".
والجدير ذكره أن الحرمان من التعليم في المناطق الريفية ليس مجرد حالة فردية، بل هو نتيجة مجموعة عوامل متشابكة مثل الفقر، العادات المجتمعية التقليدية، ونقص الإمكانيات التعليمية، مما يجعل التعليم بالنسبة لكثير من الفتيات مجرد حلم بعيد المنال، وهو ما أدّى إلى تزويج عدد كبير من الفتيات من التعليم في سن مبكرة، دون خيار أو إرادة منهن، في حين أن التعليم المجاني والمتساوي هو حق أساسي لكل طفل، إلا أنه لا يزال بالنسبة للعديد من الفتيات الريفيات مجرد حلم بعيد المنال.