الحربُ المائية على شمال وشرق سوريا مُستمرة والمنظومة الزَّراعيَّة مُهددة بالانهيار

تستمر الحرب المائية على شمال وشرق سوريا، وانخفاض منسوب مياه نهر الفرات، يهدد بانهيار المنظومة الزَّراعيَّة، بعد تلف العديد من المحاصيل هذا العام

براءة العلي
الرقةـ
منذ مطلع العام الحالي قطعت الدولة التَّركيَّة مياه نهر الفرات الذي يمتد على مساحة 610كم في سوريا و2940 كم في العراق، ويُعد من أهم المصادر المائية النَّقية في هذين البّلدين، إذ انخفض منسوبه خمسة أمتار لأول مرة في التَّاريخ.
ويعد هذا انتهاك للاتفاقية الموقعة بين تركيا وسوريا عام 1987، التي تنص على إطلاق 500 متر مكعب في الثّانية تتقاسمها كل من سوريا والعراق، واليوم لا يتجاوز منسوبه الـ 200 متر مكعب في الثَّانيّة، مما انعكس بشكل سلبي على الزّراعة.
تقول عضو لجنة الزَّراعة والرَّي التَّابعة لمجلس الرّقة المدني في شمال وشرق سوريا همسة الأحمد، أن لانخفاض منسوب مياه نهر الفرات النَّابع من هضبة أرمينيا في تركيا، تأثير كبير على المنظومة الزّراعية المُهددة بالانهيار، فاليوم "يعتمد الفلاحون على تقنين مياه الشَّرب لري محاصيلهم الصَّيفيَّة والشَّتويَّة".
لكن ضخ مياه الشرب ليس مستقراً كذلك، فالدولة التركية والمرتزقة المتواجدين في مدينة رأس العين/سري كانيه يعملون في كل فترة منذ احتلال المدينة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 على قطع مياه محطة علوك. 
 
 
وحول تبعات قطع المياه على الثّروة السّمكيَّة التي تشكل مصدر دخل لسكان المنطقة، خاصة أن منسوب المياه انخفض منذ مطلع العام حتى الآن لأكثر من 4 أمتار، تبين "انخفاض منسوب المياه سبب خروج بعض البرك التي تربى فيها الأسماك عن العمل، وهذا أثر سلباً على حياة الكثير منها، وهنالك احتمال لانقراض بعض أنواعها".
وفي وقت سابق قالت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أن انخفاض مستوى المياه القياسي أثر بشكل كبير على سقاية الأراضي الزراعية من جهة، وعلى توليد الطاقة الكهربائية من جهة أخرى، حيث أن عمل عنفات توليد الكهرباء يقتصر على عنفة واحدة؛ من أجل تغذية المطاحن ومحطات ضخ مياه الشرب. 
وحذرت همسة الأحمد من أنه في حال استمرار التعنت التركي "ستنعدم الكهرباء"، حيث أن الأضرار لا تقتصر على الثروتين النباتية والحيوانية وإنما تنسحب إلى معدلات وصول الطاقة الكهربائية لمنازل المدنيين، ففي أواخر نيسان/أبريل الماضي أعلنت هيئة الطاقة في إقليم الفرات والجزيرة تخفيض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، مما هدد عمل محطات مياه الشرب التي تستمد مياهها من مجرى النهر.  
مناطق شمال وشرق سوريا التي تعتمد بشكل كبير على الزَّراعة والثّروة الحيوانيَّة في تأمين اقتصادها بنسبة 80 %، لا يمكنها درء خطر انخفاض منسوب المياه في فصل الصيف خاصة حيث أن درجات الحرارة تكون مرتفعة، ولا يمكن للموسم الصيفي الاستمرار دون مياه، كما تؤكد همسة الأحمد "لا يمكن للآبار السّطحيّة المالحة المحفورة في العديد من أحياء المدينة وخزانات المياه التي تبيعها الصَّهاريج سد الحاجة". 
وتفاعل سكان مناطق شمال وشرق سوريا مع هذا الحدث وأطلقوا وسم "الفرات ينحسر" و"أطلقوا حصة سوريا من مياه نهر الفرات"، وتداولوا من خلال هذين الوسمين صوراً وتسجيلات للانخفاض الكبير في منسوب مياه نهر الفرات.
تقول المزارعة عويش الحسن (43) عاماً، أنه منذ نهاية عام 2020، وهنَّ يعملنَّ لإنجاح المواسم وزيادة الإنتاج "نتوجه إلى الحقول في ساعات الصَّباح الأولى حتى نهاية اليوم، ونعمل في السّقاية ورش البذار ووضع السّماد". وتضيف "المزارعين هذا العام خسروا تكاليف كبيرة من حيث اليد العاملة، الأسمدة، والبذور، والمحروقات نتيجة لقلة المياه، وكان من الصّعب وضع الخضروات في أكياس وشحنها إلى الأسواق".
وصعب الأمر عليهم انقطاع المياه، إذ كان المتضرر الأول هم الفلاحون، والحديث لـ عويش الحسن "تلفت أغلب محاصيلنا، مما يهدد اقتصادنا المُعتمد على الزَّراعة، وبهذا يكون قد ضاع عام كامل في العمل هباءً". 
وعن مساوئ الرَّي من الآبار تقول "يحتاج إلى وقت طويل، فسقاية 30 دونم من الكوسا، والخيار، والباذنجان، يتطلب 24 ساعة، أما عند الرّي من السّواقي ينتهي العمل خلال أربع ساعات فقط، لكنه يستهلك كمية كبيرة من المياه".
 
 
 
تقول حنان الإبراهيم (38) عاماً، عن سياسة قطع المياه، التي تعدها تعسفية "قطعوا عنا العُنصر الأساسي للحياة، وتلفت محاصيلنا، وبعضها مات من العطش". مطالبةً كل من يعنيه الأمر، أن يتدخل للضغط على الدَّولة التَّركيَّة لإعادة ضخ المياه "أنقذوا الإنسان والطّبيعة في شمال وشرق سوريا، وليبتعد الإرهاب عن مياهنا". 
أما غادة الأحمد (33) عاماً، ترى أن قطع المياه سيؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة والتّسمم "لا يحق للدولة التَّركيَّة مهاجمة الأهالي بالماء، وإجبارهم على الشّرب من مياه غير صالحة".
وتوجه ندائها إلى الدّول القادرة الضّغط على تركيا، لإعادة ضخ المياه، وتجنب تبعات كارثة تُهدد المنطقة وسكانها. 
وتعد مناطق شمال وشرق سوريا خزان سوريا المائي والغذائي حيث يزيد انتاج القمح عن 2 مليون طن، والشعير عن 700 ألف طن، عدا عن المزروعات الأخرى والبقوليات والخضراوات.