الحرب تسكنهم... الضغوط النفسية لا تفارق أطفال الشمال السوري

أثرت الحرب السورية بعد عشر سنوات من القتل والتهجير والفقر بشكل سلبي على الأطفال السوريين الذين يفترض بهم أن يكونوا في المدارس وحدائق الألعاب

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، فيما هم ما يزالون يستيقظون على أصوات القصف الجوي والمدفعي، ما ترك في داخلهم تداعيات نفسية من الصعب التخلص منها لا سيما مع قلة الرعاية والاهتمام والدعم النفسي.
رغم مضي وقت ليس بالقصير على الحادثة التي تعرض لها الطفل سليم الملاح البالغ من العمر تسع سنوات، حين تم انتشاله من تحت الأنقاض بعد استهداف منزله الكائن في مدينة خان شيخون منذ أواخر عام ٢٠١٨، إلا أنه ما يزال يذكر الحادثة وكأنها حدثت البارحة، وهو ما يجعله في كثير من الأحيان حزين يجافي اللعب والمرح عكس أقرانه من الأطفال.
يقول سليم الملاح وقد عادت به الذكريات إلى لحظة الحادثة، أنه كان لا يستطيع التنفس وكان يشعر بالألم الشديد. خوفه من الموت وفقدان أهله جعله يصرخ ويبكي لأكثر من خمس ساعات متواصلة إلى حين أن تم العثور عليه وإنقاذه من قبل فرق الدفاع المدني، ورغم خروجه سالماً مع قليل من الرضوض والجروح، إلا أنه لا يستطيع نسيان ما مر به من أوقات عصيبة.
من جهتها تشكو والدته سمية علوان (٤٠) عاماً حالة ابنها النفسية وتخشى عليه الحزن والضيق الملازم له "أكثر ما أخافه أن يصاب بمرض التوحد، فقد بات كثير الانطواء وقليل المشاركة والاندماج الاجتماعي وتهاجمه الكوابيس المرعبة طوال الليل ما يجعله يبكي ويصرخ عند استيقاظه، حتى في المدرسة غدا قليل الاستيعاب وعلاماته متدنية عكس ما كانت عليه قبل الحادثة".
حالة سليم الملاح ليست إلا عينة واحدة من مئات بل آلاف حالات الأطفال المسكونين بالرعب الذي كان ومازال يحيط بهم بعد تعرض مناطق متفرقة من إدلب للقصف بين الحين والآخر.
وكشف آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" بمناسبة مرور عشر سنوات على اندلاع الحرب في سوريا، أنها تسببت بمقتل وإصابة حوالي ١٢ ألف طفل، وأشار التقرير إلى أن الحرب في سوريا جعلت حياة ومستقبل جيل من الأطفال معلقين بخيط رفيع.
في مخيمات أطمة الحدودية تجهش الطفلة سارة المصطفى البالغة من العمر سبع سنوات، بالبكاء لحظة مرور طائرة حربية في سماء المخيم لتواجه والدتها الثلاثينية الكثير من العناء في تهدئتها في كل مرة.
نزحت عائلة سارة المصطفى من قرية كفروما إبان العمليات العسكرية الأخيرة على مناطق جنوب إدلب عام ٢٠١٩، وهي تعيش اليوم ظروفاً إنسانية بالغة التعقيد في مخيمات الشمال السوري التي تفتقد لأدنى مقومات الحياة، وتواجه العائلة صعوبة كبيرة في تأمين متطلباتها المعيشية، أما المتطلبات المتعلقة بالدعم النفسي والرعاية النفسية فهي غائبة كلياً، فيما تزداد الأمراض الصحية والنفسية لأطفال المخيمات بشكل كبير وحدث ولا حرج.
تقول والدتها وتدعى لمى الحصري أن ابنتها بدأت تظهر عليها أعراض إصابتها بأمراض نفسية وأزمات عقلية، نتيجة القصف الذي عاشته إبان نزوحهم الأخير وخاصة حين رأت خالها ينزف حتى الموت أمام عينيها بعد إصابته، "رأيت الخوف والذعر في ملامحها حين كان الموت يحاصرنا من كل مكان، نجونا بأعجوبة لم يكن أحداً يتوقعها، ومنذ ذلك الحين وسارة تخاف الأصوات العالية، والضجيج وأصوات الطيران الحربي والقصف".
المرشدة النفسية نور الخطيب (٣٨ عاماً) ترى أن الحالات المتعددة التي رصدتها داخل المخيمات السورية لا تدع مجالاً للشك أن الدمار الذي سببته الحرب تجاوز ميادين القتال، حين شكلت الاضطرابات العقلية والحالات النفسية فصلاً آخر قاسياً من فصول الحرب السورية.
وتشير إلى أن عدة أعراض راحت تظهر على الأطفال مثل الفوبيا وكوابيس الليل والتراجع في النمو البدني والتبول اللاإرادي، وتعزو زيادة المشاكل النفسية لدى الأطفال لغياب التمويل والتوعية والبنى التحتية والتوتر المتزايد نتيجة الفقر والأوضاع المعيشية وقلة المدارس وغياب التعليم والمشاكل الأسرية.
وذكر تقرير لمنظمة "أنقذوا الطفولة"، نتائج دراسة بعنوان "جراح غير مرئية" أصدرت في آذار/مارس 2017، وقدر أن 84% من الأطفال يعانون من الضغط العصبي، وأن 81% منهم أضحوا أكثر عدوانية، فيما 71% يعانون من التبول اللاإرادي.