الهجرة تترك النساء في مواجهة ظروف الحياة الصعبة

ظروف مأساوية حالت ببعض النساء اللواتي هجرهن أزواجهن سلطت قصصهم الضوء على سلبيات الهجرة خاصةً على النساء.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ "المهاجر ينسى عائلته، وتضيع هويته، ويعيش وفق ثقافة البلد الذي يهاجر إليه، ويترك عائلته تتخبط في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة"، هذا ما قالته نساء من مدينة منبج بشمال وشرق سوريا، آثر أزواجهن الهجرة بحجة العمل فأصبحن من المنسيات.

الهجرة هي إحدى أساليب الحرب الخاصة التي تتبعها السلطات المعادية لإفراغ أي مجتمع، عبر المغريات التي ينخدع بها الشباب خاصةً، وبالتالي يكون المجتمع والمرأة على وجه الخصوص ضحية هذه الهجرات، وتعاني النساء في العديد من الأسر بشمال وشرق سوريا جراء هذه الظاهرة التي زادت بشكل كبير جداً بعد اندلاع الحرب السورية.

 

"من يسافر ينسى عائلته وأرضه"

خزنة حمشو (47) عاماً أم لـ 4 أبناء تزوجت في عام 1991 وبعد مرور 15 عاماً على زواجها سافر زوجها إلى اليونان من أجل العمل، تقول "عندما كان يسافر أحدهم إلى خارج البلاد يستمر بالتواصل مع عائلته وزيارتها، ولكن مع مرور الوقت تزيد المسافة بينهم وينقطع حبل الود"، مشيرةً إلى أن زوجها لم يحضر جنازة والديه.  

وأضافت "عدا عن ذلك تتغير أفكاره وحتى أسلوب حياته ويصلون لمرحلة لا يرغبون فيها بإجراء اتصال مع عوائلهم"، مشيرةً إلى أن "الذين يسافرون جميهم في عمر الشباب يسعون لتأسيس حياتهم في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها لكنهم ينسون ثقافتهم ولغتهم وحتى أبنائهم وأمهاتهم ويندمجون مع مجتمعات تختلف عنا كثيرة".

 

"الهجرة باتت تشكل خطراً على الحياة"

وعن موجات الهجرة التي تشهدها سوريا عموماً بينت خزنة حمشو أن الإنسان بات يرهن حياته للوصول إلى أوروبا "البعض يغرق في المحيطات والبعض يموت برصاص مجهولين والبعض يخدعون من قبل المهربين، فالكثير من شبابنا يعودون بتوابيت".

وأكدت أن البلاد تشهد حرب ليس من الواضح متى تنتهي لكن ذلك لا يبرر الهروب، موضحةً أن "من يسافر لا يمكنه العودة في هذه الظروف فالطرق خطرة وهناك عصابات تجار البشر"، مشيرةً إلى أن "للمرأة دور كبير في منع هجرة أفراد اسرتها إلى الخارج من خلال توعية الأبناء لخطورة الهجرة وتداعياتها".

ولفتت إلى أن الوضع في شمال وشرق سوريا أفضل مقارنة ببقية المناطق السورية وهناك مساعي جدية لتحسين حياة المواطنين وخاصةً النساء.

 

تخلى عنها زوجها بعد ان تدهورت حالتها الصحية

تعيش نادية علي في منزل إيجار في حي الحزاونة بمدينة منبج مع أطفالها الـ 4 بعد أن هاجر زوجها إلى تركيا، ليواجهوا ظروفاً معيشية صعبة في منزل لا يقي حر صيف ولا برد شتاء ويفتقر كذلك للأبواب وبـ 3اسفنجات وبطانيتين تحارب هي وأطفالها برد الشتاء.   

تقول نادية علي ذات (37) عاماً أنها انجبت أطفالها الـ 4 خلال 10 سنوات من الزواج لكن ولادتها الأخيرة أثرت على حالتها الصحية بشكل كبير "قبل 3 أعوام ونصف انجبت ابنتي الصغيرة بعملية قيصرية وعلى إثرها فقدت التوازن في ساقي ويدي فأصبحت مشيتي غير متزنة وفي الكثير من الأحيان أفقد السيطرة وتقع الأشياء من يدي".

وأضافت "بعد أن أصبت بالإعاقة تخلى زوجي عني وسافر إلى تركيا، حتى أنه وضع الأطفال في الميتم مما أدى لإصابة طفلتي الصغرى بالتوحد ولكن لم أقبل ذلك فأعدتهم إلى المنزل بعد رحيله، والأن لا يسأل عنا ابداً".

إن عدم دخول ابنها للمدرسة في وقته المناسب وقضاء الشتاء بدون تدفئة يحاكي وضعهم المادي الصعب فأكبر أبنائها يبلغ من العمر 9 سنوات ولكن بدأ في هذا العام بارتياد المدرسة في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون في الصف الرابع الابتدائي "لم أرسل ابني إلى المدرسة لعدم قدرتنا على توفير المستلزمات المدرسية".

وبينت أن الشتاء يزيد من المعاناة التي تعيشها الأسرة "بسبب وضعنا المادي المتردي لم نضع مدفئة في منزلنا منذ عامين، فنحن لا نملك ثمنها ولا ثمن المحروقات، وهذا ما يتسبب بإصابة أطفالي بالكثير من الأمراض". موضحةً أن عائلة زوجها لم تقدم لها المساعدة وحالتها الصحية لا تساعدها للعمل وإعالة أسرتها. مؤكدةً أن على الزوج تحمل مسؤولية الأسرة وعدم تركها لقدرها.

وترى أن من حق النساء الوقوف في وجه هجرة أحد أفراد العائلة لأن ذلك يؤثر على الأسرة بأكملها وعلى المجتمع، مشيرةً إلى ما يتعرف له المهاجرين من مصاعب وتحديات تصل إلى فقدان حياتهم.

 

دار المرأة تقدم العون للمعيلات

حول عمل دار المرأة في تجمع نساء زنوبيا فيما يخص النساء اللواتي يقع على عاتقهن تحمل مسؤولية العائلة في ظل غياب المعيل تحدثت عضو لجنة الصلح في دار المرأة غنيمة طه وقالت إن هناك العديد من الحالات التي ترد إلى الدار "كدار المرأة يقع على عاتقنا تقديم العون لكل امرأة بحاجة للمساعدة، وفق إمكانيتنا ووفق القوانين، وبالنسبة لحالات النساء اللواتي يسافر أزواجهم للخارج وتبقين دون معيل نكتب تعهد بين الزوجة وعائلة زوجها، للاستمرار في تحمل مسؤولية الزوج المادية".

وذكرت أن "نادية علي واجهت صعوبة في إعالة أطفالها لأنها تعاني من مشاكل صحية وعائلة زوجها ليست في منبج لذلك تواصلنا مع المنظمات التي تعنى بمساعدة العائلات المحتاجة لتقديم الدعم لها".

وتسكن نادية محمد علي مع اطفالها في حي الحزاونة والتي تتبع إدارياً لمجلس الخط الغربي والذين بدورهم أكدوا لوكالتنا بعد الاطلاع على الحالة تقديم المساعدة لها عبر التنسيق مع الكومينات من تقديم المدفئة ومادة المازوت لها بشكل مجاني. 

أما قضية خزنة الحمشو التي وردت لدار المرأة قالت غنيمة طه عنها "حدثت خلافات فعائلة الزوج حاولت سلب خزنة الحمشو وأبنائها منزلهم لكن تدخلت دار المرأة وتعهدت عائلة الزوج بعدم التعرض لها أو إخراجها من منزلها، وفي حال المخالفة تتم إحالة القضية لمجلس العدالة الاجتماعية".

 

للهجرة تداعيات سلبية على المجتمع وعلى المرأة مجابهة ذلك

وأكدت أن العديد من القضايا ترد إلى دار المرأة، ويتم العمل من أجل الحد من هذه الظاهرة "نقدم ما يتوجب علينا تقديمه، لكن يبقى الحل بيد العائلة والمرأة التي تمثل أساس فيها، فكلما حاولت المرأة الحفاظ على كينونة عائلتها ستقل هذه الحالات، فعلى جميع النساء منع الهجرة خاصةً للشباب لما لذلك من نتائج سلبية تنعكس على العائلة والمجتمع بأسره، ناهيك عن التداعيات الأخرى".