الضغوط النفسية تحاصر نساء إدلب ومساعٍ ذاتية للتخفيف منها
ازدادت الضغوط النفسية على المرأة السورية في إدلب خلال سنوات الحرب العجاف حين تفاقمت عليها عوامل النزوح والتشرد والفقر والفقدان ونقص الحاجات الأساسية والخدمات وما رافقها من عزلة وتمييز وعنف أسري.
سهير الإدلبي
إدلب ـ
وقالت سهيلة العبدو (٣٠) عاماً أنه لا يكاد يخلو يوماً من المشاحنات الأسرية التي تحصل بينها وبين زوجها، وذلك حين يفرغ شحنات غضبه بزوجته وأبنائه الثلاثة وفق ما تشرحه سهيلة قائلة إنه "يخرج يومياً باحثاً عن عمل لكنه لا يوفق بإيجاده ما يجعله عصبياً وشديد الغضب باستمرار"، وتضيف "أقدر جداً أنه يمر بظروف صعبة ولكن ذلك ليس مبرراً لتعنيفنا باستمرار، فنحن أيضاً لسنا راضين عما نعيش به من ظروف معيشية قاسية، يضاف إليها المشاحنات اليومية".
تقطن سهيلة العبدو وعائلتها في مخيم معرة مصرين داخل خيمة لا تقيها حر الصيف ولا تبعد عنها برد الشتاء وسط ظروف تخلو من كل مقومات الحياة، وتحاول سهيلة أن تشغل نفسها بشكل يومي إما بتنظيف خيمتها والأثاث الذي بداخلها أو تنظيف الفسحة المحيطة بها، وزيارة جاراتها في المخيم ولو لساعة يومياً يجعلها تخرج ولو قليلاً من جو الضغوط النفسية التي تتعرض لها وخاصة حين تلمس لدى جاراتها المعاناة اليومية ذاتها.
من جهتها تمر لينا السلوم (١٧) عاماً بحالة اكتئاب شديدة وذلك منذ نزوحها عن بلدتها أحسم منذ أكثر من عامين وإقامتها مع أهلها في مخيمات قاح الحدودية شمال إدلب، تقول لينا متأثرة لما مرت به من أحداث مؤسفة "كنت أحمل داخلي أحلاماً كبيرة، أطمح أن أكمل دراستي وأدخل الجامعة لدراسة فرع الهندسة الذي لطالما رغبت به، وأحظى بوظيفة في المستقبل تحقق لي ذاتي وتغنيني الحاجة والسؤال، لكن أحلامي كلها دمرت بغمضة عين".
ويخلو المخيم الذي تقيم فيه من أي مدارس ثانوية وأقرب مدرسة في المنطقة تبعد عنها عشرات الكيلو مترات ولا سبيل للوصول إليها، وهو ما جعل لينا كثيرة الحزن والشرود وقلما تختلط بالناس أو الوسط المحيط.
حالة لينا السلوم تشبه حالة الكثيرات من الفتيات اللواتي قضت سنوات الحرب على طموحاتهنَّ وجعلتهن عرضة للضغوطات النفسية والاكتئاب والزواج المبكر، في الوقت الذي تخلو فيه المنطقة من خدمات الدعم النفسي ـ الاجتماعي وهو ما جعل المريضات النفسيات يسعينَّ لعلاج أنفسهنَّ من خلال البحث عن الحلول والسبل المتاحة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أو بإشغال أنفسهنَّ بأعمال متعددة لا سيما الاجتماعات العائلية والأعمال التطوعية.
تماماً كما حدث مع لينا السلوم التي سعت لتشكيل فريق مع صديقاتها لتعليم أطفال المخيم القراءة والكتابة ما ساهم بتحسين حالتها النفسية وشعورها بالرضا لما تقوم به من أعمال تطوعية مفيدة من شأنها انتشال أطفال المخيم من براثن الجهل والأمية.
وتعتبر خدمات الدعم النفسي-الاجتماعي حاجة طبيعية لدى الفئات المستضعفة في الحرب السورية، لاسيما فئة الأطفال والمراهقين وذوي الإعاقة، والنساء المعيلات لأسرهنَّ والناجيات من العنف الجنسي والعنف الأسري والأفراد الذين يعانون ضغوطات نفسية سابقاً سواءً بالوراثة أو نتيجة عوامل أخرى.
غير أن ثقافة العلاج النفسي غير متوفرة وشبه غائبة عن المجتمع الإدلبي للاعتقاد المسبق بأن هذه الخدمات خاصة بالأشخاص المصابين بأمراض عقلية ولو كانت الأمراض النفسية والعقلية تؤثر كل منها بالآخر ويتأثر به.
وعن الثقافة المجتمعية السائدة فيما يتعلق بالسعي للحصول على خدمات الدعم النفسي-الاجتماعي حدثتنا المرشدة الاجتماعية فاتن السويد (٤٠) عاماً، أن التصور السائد هو أن الشخص الذي يلجأ إلى الطبيب النفسي هو شخص مجنون ومختل عقلياً وهو ما يضع وصمة عار على المريضة النفسية وذويها ما يحول دون حصولها على خدمات الدعم النفسي-الاجتماعي.
وأشارت إلى أن هذا الاعتقاد الخاطئ بعيد كلياً عن الواقع الذي أفرز مئات الحالات نتيجة الأزمات المتعددة التي مرت وتمر بها المرأة في الحرب والتي أتت أكلها على كل طموحاتها وأحلامها واستقرارها وحتى فقدانها لأفراد من عائلتها وهو ما خلف آثار مدمرة على صحتها النفسية.
ودعت فاتن السويد الجهات المعنية بما فيها من حكومات ومنظمات مجتمع مدني إلى بذل مزيد من الجهود بهدف توفير خدمات الدعم النفسي-الاجتماعي والتوعية لضرورة الحصول عليها وأهميتها في حياة مختلف الفئات العمرية بما فيهم النساء.
وفي آب/أغسطس 2020 أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية منصة "الدعم النفسي والاجتماعي" فضفضة عبر الأنترنت، وهي خدمة متاحة لجميع السوريين حتى أولئك القاطنين في المناطق التي يصعب الوصول إليها، يتم من خلالها طرح المشاكل ليجيب عليها 26 مختصاً بينهم أطباء نفسيون وعلماء اجتماع.