البلدة القديمة شاهدة على الإبادة الثقافية بغزة
تعد البلدة القديمة التي كانت تضم عشرات المباني كالمتحف والمساجد والكنائس والحمامات والأسواق والأسبطة والمنازل القديمة خير شاهد على الإبادة الثقافية القائمة.
رفيف اسليم
غزة ـ دمرت القوات الإسرائيلية منذ بدء الحرب في قطاع غزة العديد من المباني الأثرية التي كانت قد وثقتها وكالتنا قبل نحو عامين، لتلغي بذلك أحقية الوجود الفلسطيني على أرض غزة، محولة البعض منها إلى ركام وتاركة للبعض الآخر بقايا تدل على وجود المكان كحائط أو نافذة.
أوضحت ناريمان خلة مديرة متحف قصر الباشا، أن القوات الإسرائيلية أشبعت البلدة القديمة بالقصف الجوي والمدفعي، عدا عن العمليات البرية العسكرية داخلها وتدمير ما تبقى بقذائف الدبابات، لتمسح بذلك تاريخ أربع حضارات متتالية عايشتها المدينة والجهود التي كانت تبذل للحفاظ عليها.
ولفتت إلى أنه من بين الأبنية المدمرة متحف قصر الباشا الذي كان قد أقيم على مساحة 60 دونم غالبيتها مساحات خضراء شاسعة، مشيرةً إلى أنه بعد تقسيم فلسطين وخضوع قطاع غزة تحت الحكم المصري قرر الملك فاروق تحويل القصر لمدرسة أطلق عليها اسم الأميرة فريال نسبة لأحد زوجاته، ثم في عهد جمال عبد الناصر غير الاسم لـ فاطمة الزهراء، فيما تحول القصر خلال عام 2010 لمتحف وطني يضم مئات القطع الأثرية التي تعود لحضارات مختلفة.
وأوضحت أن تاريخ بناء قصر الباشا يعود إلى نهاية الدولة المملوكية أي قبل (750) عام، حيث كانت تبنى القصور كمقرات للملوك في الدول التي يمرون بها كمبنى لإدارة شؤون البلاد وليس سكني، وكان قد بني بالقرب منه عدة مرافق كالمسجد والحمام والسوق، لتكمل بذلك معالم البلدة القديمة.
فعلى بعد عدة خطوات من القصر كان هناك المسجد العمري، وفقاً لناريمان خلة التي أفادت أنه بني على مساحة 4,100 متر مربع، بمساحة بناءٍ تصل إلى 1800 متر مربع ما يظهر فور الدخول إليه الساحة الكبيرة التي تتسع لـ 5 آلاف مصلي، وعدد من القباب تم تشييدها في عهد الدولة المملوكية التي جددت في البناء ليصبح على هيئته الحالية اليوم، كما أضافوا له مصلى خاص بالنساء.
وأشارت ناريمان خلة أن المسجد الذي كان يعتبر معبداً وثنياً في العصر الروماني، وبعد أن تلاشت الوثنية وتم الاعتراف بالدين المسيحي كدين رسمي للبلاد تم حرق المعبد وتحويله إلى كنيسة في العصر البيزنطي بأمر من الإمبراطورة أليا يودوسيا، إلى أن جاء الدين الإسلامي وتم فتح البلاد على يد الصحابي عمرو بن العاص، ليتحول إلى مسجد تم تدميره اليوم، وما تبقى منه نصف مئذنة وأجزاء أخرى.
وبينت أنه يفصل بين القصر وباقي معالم البلدة القديمة سوق القيسارية الذي كان يستخدم قديماً كإسطبلات للخيول ليتحول مع التقدم العمراني لدكاكين صغيرة تعلوها أقواس يستخدمها الصاغة لبيع الذهب في قطاع غزة، لافتة إلى أن ذلك السوق قد تم استهدافه عدة مرات من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية ودمرت الكثير من أجزائه.
ويقع في الجهة المقابلة للسوق حمام السمرة الذي يعتبر ثاني أقدم معلم أثري في قطاع غزة بعد المسجد العمري الكبير أعيد ترميمه في العهد المملوكي أي قبل 865 عاماً، ويقدر عمره بما يزيد عن الألف عام أي أنه عاش الكثير من التحولات التاريخية التي مرت بها المدينة المحاصرة، قبل أن يدمر وينضم لركب 38 حماماً أثرياً دمر بالكامل.
وأشارت ناريمان خلة، إلى أنه كان أهم ما يميز الحمام سقفه الزجاجي الذي توجد به مجموعة من الفتحات التي تعمل على دخول أشعة الشمس من خلالها، والأرضية الرخامية المميزة بالحرارة الدافئة، إضافة إلى العديد من المقتنيات الأثرية القديمة الموجودة داخله، كالراديو والهاتف الأرضي وضوء الكاز والآلات الموسيقية والأباريق الفخارية وقد سمي بالسمرة نسبة إلى الطائفة السامرية التي كانت موجودة داخل المدينة وكانوا يستخدمونه بشكل أكبر من غيرهم.
فيما دمرت العديد من أجزاء كنيسة القديس برفريوس التي كانت قد بنيت بأمر من الملكة أفذوكسيا زوجة إمبراطور الروم بطريقة تقاوم عوامل النحت والتعرية، على هيئة سفينة في القرن الخامس ما بين عامي 402 و407 الميلاديين، وبمستوى منخفض عن سطح البحر 3م، مرتكزة على عمودين رخاميين ضخمين الكورانتي والتاجي، إضافة لزهرة اللوتس التي تميزت بها الحقبة البيزنطية آنذاك، بحسب ناريمان خلة.
وأفادت أن الكنيسة كانت تزين بالعديد من الأيقونات كل أيقونة ترمز لقصة في المسيحية التي يروي جزء منها حكاية النبي موسى والعهد القديم، بينما يروي الجزء الآخر حكاية العهد الجديد والسيد المسيح وصلبه، وقيامته، وتلاميذه، وموت مريم العذراء، بينما تضم الجدران أيقونات صغيرة وكبيرة لتزيين الكنيسة، ورواية حكايات بعض شخصيات القديسين كالقديسة هيلانا وابنها قسطنطين.
ومن المعالم التي دمرت بشكل كامل في البلدة القديمة وفقاً لما أردفت ناريمان خلة، سباطي كساب والعلمي والسباط هو مبنى أنشئ قديماً لحماية الحارات من السرقة، فالفكرة تقوم على وصل البيوت المتلاصقة بأقواس الهدف منها توسعة الشارع الواقع عليه أو البناء الملاصق له لتشكيل مداخل رئيسية للحارات يمر تحتها ممر أو طريق ضيق مع وجود غرفة مرتفعة لها قبة وشباك تتمكن من خلاله مراقبة المارة والإحالة من حدوث التعديات.
وأردفت أن البعض أرجع سبب بناء تلك البيوت على هيئتها أي سباطي العلمي وكساب لأنها كانت عبارة عن فنادق تستقبل المسافرين وتوفر لهم الخدمات المناسبة ثم قرر أصحابها السكن بها وإنهاء التأجير، مضيفة أن هناك مقولة أخرى على عن تلك البيوت وهي أنها بنيت كقصور للملوك في العهدي المملوكي والشائعات كثيرة خاصة أن عمر المنزل أكثر من 700 عام.
وروت ناريمان خلة، أنه إضافة للمعالم التي سبق ذكرها هناك العديد من المباني الأخرى كالبيوت القديمة التي اختفى أثرها كما يختفي اليوم أثر تلك الجهود التي بذلتها طوال تلك السنوات للتوعية حول أهمية الحفاظ عليها وترميمها، مستذكرة معالم الانبهار والفرحة التي كانت تقرأها على وجه زائري البلدة القديمة وتلك الصورة التذكارية التي ما زالت تحتفظ بالبعض بها.