الأزمة الاقتصادية تفاقم تحديات ذوي الإعاقة في لبنان

يواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان تحديات كبيرة منذ ما قبل الأزمة الاقتصادية التي فاقمت من حدة الصعوبات، وذلك من ناحية الوصول إلى الخدمات الصحية والتأهيلية بشكل متكافئ

كارولين بزي
بيروت ـ
ينطبق نظام المحاصصة والمحسوبيات في لبنان على بطاقة الإعاقة، إذ لا يحصل جميع الأشخاص المعوقين على بطاقة إعاقة من وزارة الشؤون الاجتماعية تعطيهم بعض الامتيازات مثل الاستشفاء والتخفيض الضريبي، في المقابل هناك من لا يعانون من أي إعاقة يحصلون على البطاقة للاستفادة من بعض الامتيازات والحقوق على حساب أشخاص يستحقونها. 
 
"بطاقة الإعاقة لا تقدم الخدمات للمعوقين بشكل متكافئ"
 
منسقة برنامج الإغاثة ومكتب التوظيف في الاتحاد اللبناني للمعوقين حركياً ندى عزير، تقول لوكالتنا "واقع الأشخاص ذوي الإعاقة سيء جداً، فهم يشكلون 15% من عدد السكان في لبنان. تبلغ نسبة الأشخاص الذين حصلوا على بطاقة معوق حتى آذار/مارس 2021، 120 ألف شخص بينما يُقدر عدد الأشخاص المعوقين في لبنان بـ 400 ألف، أي أن النسبة لا تمثل الرقم الحقيقي، وحتى هذه البطاقة لا تقدم لهم الخدمات بشكل متكافئ".
وتتابع "هناك العديد من الصعوبات التي يواجهها ذوي الإعاقة في ظل الواقع الاقتصادي المتردي، وانتشار وباء كورونا وهم أصلاً فئة تتعرض للعزل والتهميش".
يتوزع الأشخاص المعوقين في لبنان على عدة مناطق، أما نسبة الذين يحملون بطاقة معوق فهم على النحو التالي، 39% في جبل لبنان، 17% في الجنوب، 15% في البقاع، 12% في الشمال و9% في كل من بيروت وقضاء النبطية، ويتوزع هؤلاء الأشخاص الذين أظهرهم الاستبيان الذي صدر عن الاتحاد اللبناني في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بين 43% للإناث و57% للذكور، كما يضم الاستبيان مختلف الجنسيات، منها اللبناني والسوري والفلسطيني.
وتقول ندى عزير "أكد لنا الأشخاص الذين تجاوبوا مع الاستبيان بأنهم لا يحصلون على أي خدمة صحية، علماً أن البطاقة تخولهم الحصول على الاستشفاء على نفقة وزارة الصحة ولكن ذلك لا يحصل، نحن كاتحاد لبناني للمعوقين حركياً، نحاول أن نساعد الأشخاص الذي يلجؤون إلينا عبر طلب كتاب من مدير عام وزارة الصحة يُرفق مع بطاقة الشؤون ليدخل المريض المستشفى".
 
"أكثر من 55% من ذوي الإعاقة يرفضون تلقي لقاح كورونا"
وتشير ندى عزير إلى أنهم في الاتحاد أجروا مؤخراً بحث ودراسة حول الوضع الصحي للأشخاص المعوقين، وطال الأشخاص الذين استفادوا من التسجيل على المنصة للحصول على لقاح كورونا وثمة من هناك لم يستفد وآخرون يرفضون التطعيم نهائياً.
وتضيف "بالنسبة للملقحين ضد وباء كورونا، هناك فقط 13% تلقوا اللقاح وهناك نحو 55% لا يريدون تلقي اللقاح، بسبب غياب الوعي والحملات الإعلامية المتخصصة والتي تتوجه لذوي الإعاقة وترشدهم بأن اللقاح يصب في صالحهم، خاصة أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر عرضة لالتقاط عدوى كورونا".
لا تنتهي معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة عند الاستشفاء، البطاقة التي تغطي الاستشفاء لا تساعد المرضى في الحصول على أدويتهم والخدمات العلاجية والتأهيلية، وتعلق ندى عزير على ذلك وتقول "نحو 67% من الأشخاص ينفقون على أدويتهم وعلى المعاينات الطبية، ولا يتلقون أي مساعدة من القطاع العام، أما الجهة المعنية بتأمين المستلزمات الطبية والأدوية للمعوقين فهي المراكز التابعة لوزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة العامة".
 
"هذه الأسباب التي منعت البعض من الحصول على بطاقة إعاقة"
وتضيف "من خلال مشاريع الاتحاد الاغاثية تم تأمين بعض المستلزمات والأدوات الطبية، ولكن النسبة التي تحتاج إلى معدات كبيرة جداً ولا يوجد من يسأل أو يساعد، هناك تقصير كبير من قبل الدولة اتجاه هؤلاء الأشخاص"، وتلفت إلى بعض المنظمات التي تقدم هذا النوع من الخدمات ضمن مشاريع الاغاثة، وتقول "مثلاً الأشخاص الذين يعانون من تليف الرئة جرّاء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس العام الماضي، لا يحصلون على المساعدة ولا على الخدمات العلاجية اللازمة".
لم يحصل جميع الأشخاص المعوقين على بطاقة إعاقة، ويعود السبب وفق ندى عزير إلى "غياب اللجنة الطبية، وانتشار كوفيد 19، بالإضافة إلى تحديد مواعيد بعيدة للحصول على بطاقة، وهذا ما نعانيه مع عدد من الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقة جرّاء انفجار المرفأ".
وتضيف "الأطفال الذين يواجهون صعوبات تعليمية وفحص الذكاء يواجهون أيضاً صعوبة في الحصول على المتابعة والعلاجات التأهيلية المناسبة في هذا الصدد، وهم أيضاً لم يستطيعوا الحصول على بطاقة الشؤون".
 
"الشح بالدواء وارتفاع سعره أدى إلى وفاة عدد من الأشخاص"
وتلفت إلى أن أزمة الدواء وفقدانها وارتفاع أسعارها أثرت بشكل كبير على الأشخاص ذوي الإعاقة، وتشير إلى أن ثمة أكثر من شخص توفي بسبب عدم قدرته على الوصول إلى الدواء، كما لا يمكن نسيان أن الأشخاص المعوقين هم أصلاً مهمشون.
فيما يتعلق بالأدوات الطبية مثل الكرسي المتحرك أو غيرها من الأدوات، يقع على عاتق وزارة الشؤون مسؤولية تأمينها، تقول ندى عزير "تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بتأمين الكرسي المتحرك وتغييره كل أربع سنوات للشخص المعني، ولكن ذلك لا يحصل، لا يوجد أي معدات أو معاينات طبية تقدمها الوزارة".
شمل الاستبيان الذي أعده الاتحاد اللبناني معوقين من مختلف الجنسيات، ولكن هؤلاء الأشخاص غير مشمولين ببطاقة الإعاقة الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، وتقول "بطاقة الإعاقة متاحة للبنانيين فقط، عادةً تتابع مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مع الجنسيات الأجنبية، ولكن هذه المساعدات لا يتم تخصصيها لذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى المتابعة والعلاجات التأهيلية. وتحاول المنظمات ومن بينها الاتحاد اللبناني أن تلحظ الخدمات العلاجية والتأهيلية لجميع الأشخاص ومن جنسيات مختلفة".
وتضيف "تنسق مراكز وزارة الشؤون مع المنظمات الدولية مثل الهيئة الطبية الدولية وغيرها تقديم علاجات تأهيلية ولكن هذا الأمر ليس سهلاً، إذ ثمة العديد من الأشخاص العاجزين عن الوصول إلى المراكز، خاصة أن المراكز غير مؤهلة لاستقبال هذه الحالات. قمنا في الاتحاد بتقديم علاجات تأهيلية في المنازل للأطفال لفترة طويلة وتحديداً منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت وحتى أيار/مايو الماضي، وذلك بسبب وجود العديد من العراقيل التي تمنعهم من الوصول إلى المركز مثل انتشار وباء كورونا، أزمة المحروقات، عدم تأهيل المراكز، بُعد المسافة والوضع الاقتصادي كل هذه العوامل أثرت على تحركات وتنقلات الأشخاص المعوقين". 
 
"لهذا السبب نسبة الإناث أقل تجاوباً من الذكور"
عن سبب تجاوب الرجال مع الاستبيان أكثر من النساء، تقول ندى عزير "هناك أسباب عدة، منها الحماية الفائضة للإناث، العزل الذي تعيشه المرأة المعوقة، نظرة المجتمع الدونية أو السلبية إليها والتي تؤثر عليها، ونحن نعمل كاتحاد على تقوية شخصية المرأة المعوقة، فهي تملك الحق في اختيار حياتها التي تعيشها مثلها مثل أي شخص آخر معوق أو غير معوق".
وتتابع "كما أن هناك عدد من العائلات التي لا تعترف بوجود ضمن أفرادها من يعاني من إعاقة وهذا الأمر يؤثر على الشخص المعوق، إذ لا يتم توجيهه بطريقة صحيحة ولا يحصل على التدخل المبكر الصحيح ليستطيع أن يكمل حياته ويتجنب صعوبات أكبر لاحقاً، وهذا الأمر يؤثر على النساء أكثر من الرجال بسبب المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه".
تتنوع أنواع الإعاقة وتختلف، منها الإعاقة الحركية وهي النسبة الأعلى الذي تصل نسبة المعوقين من هذه الفئة إلى 56%، الإعاقة الذهنية، العقلية، النطقية، السمعية والبصرية وهناك إعاقات مركبة.
 
"بدأت بالتخلي عن بعض أدويتي لعجزي على شرائها"
 
 
في أحد أحياء برج حمود في شمال شرق العاصمة اللبنانية بيروت، تعيش أناهيد مارديروس أنطويان تحت سقف يحميها من حرارة الشمس ولكن لا يحميها من الرطوبة التي تؤثر سلباً على صحتها. إذ تعاني أناهيد من مرض السكري الذي أدى إلى بتر إحدى قدميها وبتر أصابع القدم الأخرى، كما أنها تعاني من مرض النشاف ومشاكل في الكلى.
لا قدرة لدى أناهيد أنطويان على المشي فهي تستخدم المشاية إذا أرادت أن تتنقل في منزلها. تتناول أناهيد 14 نوع دواء، وفق ما تقول لوكالتنا، وتضيف "أجد بعض أنواع الأدوية وأما الأدوية المتبقية فإما لا أستطيع ايجادها في ظل أزمة انقطاع الدواء، أو لا أستطيع الحصول عليها بسبب ارتفاع أسعارها بشكل جنوني". 
وتتابع "نعيش وضعاً اقتصادياً سيئاً، فزوجي يعمل ولكن راتبه الشهري لم يعد يكفي لشراء نصف الأدوية، لذلك أحاول التخلي عن بعض الأدوية. يقدم لي الاتحاد اللبناني للمعوقين حركياً مساعدات مختلفة، أحياناً مساعدات مالية أو مساعدات عينية، ومواد تنظيف ومعقمات". 
لم تحصل أناهيد أنطويان على بطاقة معوق وفق ما تؤكد لوكالتنا، "لا يوجد من يتقدم لي بطلب للحصول على البطاقة"، وتتابع "كان زوجي مسجلاً في صندوق الضمان الاجتماعي، ولكن الآن لم يعد زوجي مضموناً ولم أحصل على بطاقة معوق. كنت أدخل على مدى 12 عاماً مرتين أو ثلاث مرات إلى المستشفى خلال عام واحد، وفي كل مرة كنت أدخل المستشفى كان يتم فيها بتر إصبع من أصابعي وفي النهاية تم بتر قدمي، وبدأ الطبيب ببتر أصابع القدم اليسرى أيضاً".
 
"لم ألق جواباً من وزارة الشؤون الاجتماعية"
وتضيف "تواصلت مراراً مع وزارة الشؤون الاجتماعية وأكدوا لي بأنهم سيتواصلون معي مجدداً ولكن لغاية اليوم لم ألق منهم جواباً".
وعن رغبتها في تلقي لقاح كورونا، تقول "لن أتلقى اللقاح، لأنني أخاف أولاً، كما أنني لا أخرج من المنزل وفي حال خرجت أضع كمامتين على وجهي وأحمل معي المعقمات دائماً"، وتشدد على أن الخوف هو السبب الرئيسي الذي يمنعها من تلقي اللقاح. 
لا يهم أناهيد أنطويان لا الطعام ولا الشراب كل ما يهمها هو الحصول على المال من أجل شراء الأدوية، وتضيف أنه "لولا الدواء لا أستطيع أن أتحرك من مكاني"، مشيرةً إلى أن تكلفة أدويتها كانت تتخطى الـ 500 ألف ليرة لبنانية عندما كان سعر صرف الدولار في لبنان 1500 ليرة أي أكثر من 300 دولار، أما اليوم ومع ارتفاع الأسعار أصبحت تكلفة أدويتها خيالية".