الأزمة الاقتصادية تفاقم معاناة اللاجئات في المخيمات الفلسطينية
لا ينفصل مخيم عين الحلوة عن الواقع اللبناني المأزوم، إذ انعكست الأزمة الاقتصادية ونتائجها على جميع اللبنانيين والمقيمين وهو حال اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
كارولين بزي
بيروت ـ أكدت اللاجئات الفلسطينيات اللواتي تقطن في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، على أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد فاقمت من معاناتهم.
"العجز عن تأمين متطلبات العيش"
تزوجت غدير إبراهيم البالغة من العمر 31 عاماً، وهي في الخامسة عشر من عمرها، ولديها خمسة أبناء وبنات. ابنها البكر يبلغ من العمر 15 عاماً ترك المدرسة بعد تعذر قدرة العائلة على تأمين أبسط متطلبات الحياة له ولأشقائه وشقيقاته، فهو يعمل في ميكانيك السيارات ويحاول أن يساعد والدته بشتى الطرق، بينما لا يستطيع زوجها العمل لأنه مريض، وهي تقوم بإعالة أسرتها من خلال عملها في مجال التنظيف حيث تتقاضى مبلغ مليون ليرة أي ما يقارب الـ20 دولار أميركي في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي لأبسط متطلبات الحياة لاسيما في ظل الغلاء الفاحش كما أوضحت.
لم تعش غدير إبراهيم طفولتها كباقي الفتيات في سنها، فهي ذهبت إلى منزل الزوجية وهي في الخامسة عشر "أحاول أن أقوم بتوعية أبنائي وبناتي على مخاطر الزواج المبكر وما يمكن أن يعكسه على حياة المرأة لاحقاً. إذ أرهقتني الحياة ولا زلت في سن مبكرة وهو ما لا أتمناه لأولادي حتى أنني لم أكن أريده لنفسي".
وأضافت "على الرغم من كل الإرهاق والتعب لا أستطيع أن أؤمن لأولادي ما يحتاجونه للعيش حياة كريمة، فأنا بحاجة في اليوم الواحد لنحو 3 ربطات خبز وكل ربطة يبلغ سعرها نحو 30 ألف ليرة، لا أستطيع أن أؤمن احتياجات عائلتي من الملبس ولا حتى في المناسبات، يؤلمني عدم قدرتي على تلبية متطلباتهم، فأحياناً أنتظر أن يساعدني أحد بسترة ما لكي ترتديها ابنتي في فصل الشتاء".
وأكدت غدير إبراهيم على أنها لا تتقاضى أي مساعدات مادية أو حتى عينية من أي جهة معنية أو منظمة دولية، وعن كيفية حماية ابنتها من الزواج المبكر تقول "سأقوم بتوعيتها بخطر الزواج المبكر وأهمية أن تكمل تعليمها وتحقق أحلامها وتتخرج من الجامعة وتعمل في المهنة التي تطمح إليها".
"ابني معاق ويحتاج لدواء بـ100 دولار شهرياً"
وصفت بدرية عثمان طريقة حياتهم في مخيم عين الحلوة بعبارة "المخيم عايش من القلة". من يقتنون في المخيمات كأولئك الذين يعيشون خارجه، فهناك من يتلقى الدعم المادي وهناك المستقل أو الغير محسوب على جهة سياسية أو حزبية فهو لا يتقاضى شيئاً.
لدى بدرية عثمان خمسة أولاد تزوج أولادها باستثناء ابن واحد وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ويبلغ من العمر 32 سنة "يحتاج ابني لدواء شهري بقيمة مئة دولار، زوجي رجل كبير في السن ولا يستطيع أن يعمل".
وأضافت "وُلد ابني مريضاً وحاولنا أن نعالجه ولكن أجمع الأطباء بأنه لا يمكن أن يُشفى، والدواء الذي يتناوله يهدئه فقط"، لافتةً إلى أنه "نتقاضى مساعدة كل ثلاثة أشهر بقيمة 50 دولار للفرد".
حال أولاد بدرية عثمان ليس أفضل من حالها، فهم لا يستطيعون تأمين احتياجات بيوتهم وأولادهم حتى يقدموا المساعدة لوالديهم، كما أوضحت.
كانت بدرية عثمان تعمل عندما كان جسمها قوياً منذ نحو عشر سنوات ولكن الآن ومع تقدمها في السن، فهي لا تستطيع أن تعمل كما أنها ترعى ابنها الذي لا يستطيع أن يقوم بأبسط احتياجاته.
"حالتنا المادية معدومة"
عانت غادة عطية (33 عاماً)، متزوجة ولديها ثلاثة أولاد، من فشل كلوي فهي تعيش بكلية واحدة، كما يعاني زوجها من مرض عصبي يصيب وجهه، ليس هذا فحسب بل "يعاني ابني من إعاقة بالفك السفلي".
ولفتت إلى أن زوجها يعمل سائق أجرة وقد تأثر عمله كجميع المقيمين على الأراضي اللبنانية، ولكن بالنسبة لهم كعائلة فإن "وضعنا أصبح معدوماً، بسبب غلاء المعيشة وعدم قدرة الناس على دفع أجرة المواصلات بعد ازديادها بشكل كبير بسبب غلاء سعر البنزين".
عائلة غادة عطية كالعديد من العائلات تغيّر أسلوب حياتها مع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون والمقيمون، فغياب الكهرباء دفع بكافة العائلات إلى اللجوء إلى اشتراكات المولدات الكهربائية الخاصة والتي زادت تعرفتها مع ارتفاع أسعار المحروقات "أصبحت تكاليف الحياة عالية جداً، بدءاً من أجرة المنزل إلى اشتراك المولد الكهربائي، بالإضافة إلى مصروف الأولاد والمدارس وبدل النقل وغلاء أسعار المواد الغذائية بشكل كبير".
حاولت غادة عطية أن تعمل لكي تساعد زوجها الأمر الذي انعكس على أسلوب حياة أولادها ودراستهم، لافتةً إلى أنها عندما تزوجت كانت تعمل ولكن إنجاب ثلاثة أولاد ومعاناتها من المرض دفعها إلى التوقف عن العمل.
قبل الأزمة الاقتصادية كانت تعيش حياةً مريحة، ولكن اليوم ومع غلاء الأسعار لم يعد يكفي تأمين الاحتياجات اللازمة. أسلوب التدفئة الذي تعتمده في منزلها اختلف عن السابق فمع ارتفاع سعر أسطوانة الغاز، أصبح الحطب هو الحل "لقد استغنينا عن الكثير من الأساسيات، لم نعد نشتري أسطوانات الغاز، لا نقوم بتشغيل البراد لأن الكهرباء مقطوعة وتشغيله يمكن أن يزيد فاتورة الاشتراك. لا نعيش حياة طبيعية كباقي الناس الذين يتقاضون رواتب شهرية ثابتة".
الهجرة غير الشرعية
زينب حسون لبنانية متزوجة من فلسطيني وتقيم في المخيم، لدى زينب ثلاثة أبناء وابنة، وكانت تعمل في مجال التمريض لنحو 15 عاماً، توقفت عن العمل منذ نحو سبع سنوات ولكنها الآن تفكر بالعودة إلى العمل.
أكدت أن هناك تفاوت في أسلوب حياة المقيمين في المخيم. ولكن ذلك لا يعني بأن أحداً يعيش حياة رفاهية. لا تنكر أن الوضع الاقتصادي السيء أثر على أسلوب حياة الناس وكذلك على صحتهم النفسية ما أدى إلى خلق مشاكل عائلية بينهم.
إلى جانب الوضع الاقتصادي السيء، مرت زينب حسون بتجربة الهجرة غير الشرعية. فابنها هاجر بطريقة غير شرعية إلى ألمانيا من دون علمها، وقد علمت بذلك من خلال الجيران الذين سافروا مع أقاربهم "سافر ابني وهو في الخامسة عشر من عمره بطريقة غير شرعية إلى ألمانيا عبر سوريا، ثم تركيا وصولاً إلى ألمانيا منذ سبع سنوات".
"نحن نعيش مأساة"
تعيش لميا الخطيب مع زوجها وابنها وزوجته وحفيديها في منزل واحد. تعمل منذ ثلاثين عاماً وهي حالياً تعمل في مجال التنظيف إن كان في المكاتب أو المدراس كما تحضر القهوة والشاي. فيما يعمل ابنها الذي يعيش مع أسرته في بيت واحد، لكن مدخوله لا يكفي لتأمين لوازم الحياة الأساسية ولاسيما أن طفليه بسن صغيرة وهما بحاجة إلى الحليب. لذلك تحاول والدته مساعدته في تأمين متطلبات الأطفال وكذلك لقمة العيش.
وأشارت إلى أن زوجها لا يعمل نظراً لمعاناته من مرض الربو والسكري والضغط، وارتفاع أسعار الأدوية انعكس على عدم قدرة العائلة بشراء دواء الربو، فيما تعاني هي من نزيف في الرئة ولكن ذلك لا يمنعها من العمل المرهق الذي تقوم به بسبب سوء الوضع المعيشي "أنا مجبرة على العمل، فأنا لا أستطيع أن أشتري الدواء حتى، إذا لم أعمل لا نستطيع أن نؤمن لقمة العيش. وجل اهتمامنا اليوم هو شراء الحليب ومتطلبات للأطفال. أصبح سعر عبوة الحليب نحو 600 ألف ليرة وسعرها يرتفع مع تغير سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية"، متسائلة "كيف سنؤمن هذه التكاليف؟ نحن نعيش مأساة".
لا تنكر أن الحياة ما قبل الأزمة وجائحة كورونا كانت أسهل من الآن، فتكلفة الحياة المرتفعة أصبحت تثقل كاهل لمياء الخطيب وعائلتها.
"النساء والفتيات تعانين من اضطرابات نفسية"
من جانبها تقول إيمان بسيوني مسؤولة الدعم النفسي في جمعية "عمل تنموي بلا حدود ـ نبع" وهي الجمعية التي تعمل على كافة الأراضي اللبنانية ولاسيما في المخيمات الفلسطينية، أن عملها يتركز في مخيم عين الحلوة على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء والفتيات.
وأضافت "حالياً نستهدف الفتيات ما بين سن الـ 14 و24 عاماً، المتسربات من التعليم، أو اللواتي تعانين من العنف القائم على النوع الاجتماعي. نتابع معهن من خلال الدعم النفسي عبر أنشطة وحلقات توعية وتمكين وتفريغ من خلال جلسات فردية أو جماعية. أيضاً ننظم أنشطة للفتيات عبارة عن تمكين في التدريب المهني ولاسيما اللواتي تركن التعليم. كما ننظم أنشطة للنساء والشباب/ات توعوية تركز على التربية الإيجابية والعنف والتزويج المبكر، ونقدم العلاج النفسي في مركز الجمعية في المخيم عبر معالجة نفسية تقوم بمعالجة النساء والفتيات وكافة الأشخاص ومن مختلف الجنسيات".
وأشارت إلى أنه "في الآونة الأخيرة ولاسيما بعد مرحلة جائحة كورونا وثورة 17 تشرين الأول والأزمة الاقتصادية، لاحظنا أن المخيمات والنساء الفلسطينيات والفتيات تعانين من أزمة كبيرة في الصحة النفسية. إذ أن الجائحة دفعت بالعديد من النساء إلى ترك أعمالهن والبقاء في المنزل، ما أثر بشكل سلبي على العائلة وولدت المشاكل الأسرية، تراجع المدخول وكل هذه العوامل انعكست على الأطفال والفتيات، لذلك أغلب الفتيات والأطفال يعانون من اضطرابات بالصحة النفسية".
الزواج المبكر والتحرش والعنف في ازدياد
وأوضحت أن النساء والفتيات بدأن تشعرن بالـ "خوف، اكتئاب، قلق، توتر، فقدوا الهدف والطموح. كما لاحظنا ازدياد في حالات التزويج المبكر، علماً أننا كنا قد نظمنا حلقات توعية لهذا الأمر وشهدنا تراجعاً في هذه الحالات ولكن ازدياد وطأة الأزمة الاقتصادية زاد من حالات الزواج المبكر وكأن العائلات تسعى للتخفيف من المسؤولية التي تتحملها فتلجأ لتزويج بناتها بسن مبكرة، ويبدو أن هذه العائلات تشعر بارتياح أكبر عندما تزوج بناتها".
وأضافت "هذا الأمر يشكل مؤشراً خطيراً جداً لأنه يمكن أن يوّلد أزمات أخرى، إذ أن حالات الطلاق في ارتفاع مستمر، حالات تحرش الجنسي والعنف كلها في ازدياد. فالصحة النفسية منذ انتشار وباء كورونا في تراجع كبير خاصةً عند الفتيات والنساء".
وفي ختام حديثها قالت إيمان بسيوني "كجمعية نحاول أن نقدم الدعم النفسي ونفرغ الطاقة السلبية ونحولها إلى طاقة إيجابية ونحاول توعية الأهل بمخاطر العنف الأسري والتزويج المبكر لأن ذلك يؤثر بطريقة سلبية جداً على الأطفال والفتيات".