الأوضاع المعيشية تجبر نازحات على العودة إلى بلدات تقع على خطوط النار

عودة النساء إلى بلدات تقع على خطوط النار في إدلب هرباً من تحديات النزوح يشكل خطراً كبيراً على حياتهن وحياة أطفالهن.

هديل العمر

إدلب ـ دفعت الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تشهدها إدلب، العديد من النساء اللواتي تقطعت بهن السبل، للعودة إلى المناطق التي نزحن منها في رحلة لا تخلو من الخطورة.

تأتي هذه الخطوة، مع بداية فصل الشتاء الذي يشكل كابوساً بالنسبة لنساء المخيمات، خاصةً مع غياب وسائل التدفئة، إضافة للسيول والأمطار التي تتسبب بغرق واقتلاع مئات الخيام سنوياً.

نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، اضطرت سمر الأسود (38 عاماً) للعودة إلى بلدة البارة جنوب إدلب، والقريبة من خطوط الاشتباكات بعد رحلة نزوح شاقة قضتها في المخيمات العشوائية.

"الموت أهون من العيشة الي كنت عايشتها" بهذه الكلمات تلخص سمر الأسود معاناتها في المخيمات النائية التي أجبرتها على العودة إلى بلدة تعتبر بمثابة نقطة عسكرية، بعد يأسها من إمكانية إصلاح خيمتها المهترئة، وعدم قدرتها على شراء خيمة جديدة.

تقول لوكالتنا إن خيمتها المتهالكة لن تستطيع الصمود في وجه التقلبات الجوية مع قدوم فصل الشتاء، في حين باتت عاجزة عن إصلاحها أو شراء خيمة بديلة التي يتجاوز ثمنها 200 دولار، وهو مبلغ تصفه بـ "الخيالي" مقارنة مع دخلها الذي لا يتجاوز 35 ليرة تركية يومياً.

وأوضحت أنها قررت العودة إلى بلدتها لتجنب عواقب الشتاء، خاصة بعد أن تكررت معاناتها العام الماضي، بسبب غرق خيمتها واقتلاعها عدة مرات بفعل الأمطار والسيول التي باتت تشكل هاجساً يؤرق حياتها كل عام.

وتقول "شو جابرك على المر إلا الأمر منو"، مشيرةً إلى أن قرار العودة لم يكن سهلاً بالنسبة لها، ولكنها وجدت نفسها مجبرة في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية المزرية وافتقارها لأدنى مستويات المعيشة.

ولا تخفي الشابة الثلاثينية خوفها وقلقها من العمليات العسكرية والقصف المستمر على البلدة، ولكنه يبقى أفضل حالاً من النزوح والتهجير ومتاعب الخيام التي لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، على حد وصفها.

وأشارت إلى أنها تعمل على آلة الخياطة الخاصة بها وبأجر لا يتجاوز 200 ليرة أسبوعياً، وهو مبلغ "لا يسد رمق أطفالي الثلاثة" بعد وفاة زوجها العام الماضي بحادث سير.

وتعيش نساء المخيمات أوضاعاً غاية في الصعوبة في فصل الشتاء، وتتمثل بغياب وسائل التدفئة والعوازل المطرية وغرق خيامهن واقتلاعها بشكل مستمر ومتكرر مما يجعلهن أمام خيارات صعبة وخطرة.

وعلى مقربة من بلدة كنصفرة جنوب إدلب، ترتب خلود المصطفى (34عاماً) أثاث منزلها الذي تركته قبل ثلاث سنوات، بعد أن عادت إليه هرباً من إيجارات البيوت المرتفعة التي لم يعد بإمكانها تحملها.

وتقول إن مالك المنزل أجبرها على إخلاء المنزل بعد تخلفها شهرين عن دفع الإيجار المقدر بـ 75 دولار شهرياً، حيث فضلت العودة إلى بلدتها الواقعة على خطوط التماس في ظل عدم وجود خيارات أخرى أمامها.

ولفتت إلى أن عملها في ورشات الأراضي الزراعية وقطف الثمار لا يؤمن لها الحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية، خاصة وأنها المعيلة الوحيدة لأربعة أطفال أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.

"ما باليد حيلة" عبارة تلخص حال خلود المصطفى التي غدت وحيدة في مواجهة أعباء ومصاعب الحياة بعد أن فقدت زوجها ومعيلها بقصف مدفعي استهدف مكان عمله بالقرب من مدينة إدلب، أواخر العام الماضي.

وأشارت إلى أنها فضلت العودة إلى منزلها المدمر على العيش ضمن المخيمات النائية التي لا تصلح للعيش، خاصةً بعد أن تكررت معاناة ومأساة قاطني هذه المخيمات التي أثبتت هشاشتها في مواجهة التقلبات الجوية.

من جانبها، تحذر رؤى حمود وهي ناشطة نسوية ومرشدة نفسية واجتماعية مقيمة في مدينة إدلب، من تنامي هذه المشكلة التي تعرض النساء والأطفال للخطر بسبب العودة إلى مناطق غير آمنة وتعتبر خطوط نار بين أطراف الصراع في المنطقة.

وأوضحت أن من واجب المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في إدلب، مساعدة هذه الفئة المهمشة من النساء والمعيلات اللواتي يقامرن بحياتهن بسبب سوء أوضاعهن المعيشية التي أجبرتهن على اتخاذ مثل هذه القرارات.

وأشارت إلى أن تدني مستوى المعيشة سيدفع العديد من النساء اللواتي تفتقدن السند أو المعيل لاتخاذ خطوات مشابهة، في حال لم تلقى مناشداتهن في ضرورة تأمين احتياجات الشتاء آذاناً صاغية من الجهات المعنية والمسؤولة.

ولا تخفي رؤى حمود صعوبة البيئة التي تعيشها هؤلاء النساء، إلا أن خيار العودة اعتبرته قرار خاطئ يعرضهن وأطفالهن لمخاطر جسيمة لا يمكن تداركها.