إعلاميات لبنانيات يروين تجربتهنَّ مع كورونا
لا يقل مجال الإعلام خطورةً عن قطاع الطبابة والاستشفاء مع الفرق في طبيعة العمل، إذ ان الإعلاميين والإعلاميات على تماس مباشر مع الناس وبالتالي هم معرضون في كل لحظة لالتقاط فيروس كورونا حتى ولو اتخذوا الإجراءات الوقائية اللازمة.
كارولين بزّي
بيروت ـ
فاتن حموي، سوسن سرحان وريمي درباس، إعلاميات لبنانيات يروين تجاربهنَّ مع فيروس كورونا، الذي بدأ انتشاره في لبنان منذ شباط/فبراير 2020.
"بدأت رحلة الخوف والقلق بعدما اكتشفت إصابتي بكورونا"
لا تنكر الإعلامية فاتن حموي بأنها كانت تشعر بالخوف حتى قبل إصابتها بفيروس كورونا، تقول لوكالتنا وكالة أنباء المرأة "عندما أصبت بالسعال شعرت بالرعب، فقررت أن أجري مسحة كورونا وتبين أنني مصابة. عندما علمت بإصابتي بدأت رحلتي مع القلق والخوف، واكتشفت أنني أخاف جداً على صحتي، بما أنني شخص يعاني من ارتفاع ضغط الدم الذي اكتشفته مؤخراً بعد انفجار مرفأ بيروت".
وفي آب/أغسطس 2020 انفجرت نترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ مما حول العاصمة بيروت إلى مدينة منكوبة، حيث أدى الانفجار لفقدان أكثر من مئتي شخص لحياتهم، وأصيب الآلاف بجروح متفاوتة وتضررت ممتلكات بقيمة 15 مليار دولار.
وتتابع حديثها عن تجربتها مع وباء كورونا "خلال مرحلة المرض تلقيت اتصالات من بعض الزملاء والزميلات يدعونني فيها لأن أكون إيجابية لأن الطاقة الإيجابية احدى الوسائل التي يمكن أن أحارب من خلالها الفيروس، ولكن معاناة المريض والأفكار التي تسيطر عليه لا أحد يشعر بها إلا هو، وبالتالي مهما حاول الأخرون أن يرفعوا من معنوياتك لن تشعري بالقوة إذا كنت ضعيفة من الداخل".
"ما زلت ألتزم بالإجراءات الوقائية وعلينا أن نأخذ اللقاح"
توضح فاتن حموي "أحياناً كنت أشعر بالضعف ثم أستعيد قوتي، في أوقات كثيرة لم أكن قادرة على الحركة ولا على المشي، وكنت أشعر بأوجاع غريبة، ولكني لم أعاني من انخفاض الأوكسجين الذي كنت خائفة منه. أجريت مسحة كورونا بعد مرور 16 أو 17 يوم، وتبين أنني لم أتخلص من المرض الأمر الذي أزعجني كثيراً، كما عانيت في الأسبوع الأخير من فترة احتضان الفيروس من ارتفاع في ضغط الدم وتبين أن بعض الفيتامينات ترفع الضغط، أي أن الدواء الذي يعالج مرضاً يتسبب بالأذى لشيء آخر".
ورداً على سؤال إن كانت قد التزمت بالتوجيهات المتعلقة بالوقاية من الفيروس، أكدت أنها كانت حريصة على ذلك "كنت حريصة جداً قبل إصابتي بكورونا وحتى بعد إصابتي، وكنت أعتمد ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، غسل اليدين واستخدام المعقمات بشكل دائم... ولكن يمكن أن نصاب بطريقة لا نعرفها، بالنتيجة هذا الفيروس لا يزال على الكوكب، وهو مخيف ويحصد عدداً كبيراً من الأرواح، يجب أن نتحلى بالوعي ونسأل أكثر أهل الاختصاص".
وشددت أن على الناس "أخذ اللقاح للتخفيف من سرعة انتشار الوباء، وإذا لم نصل إلى تلقيح 80% من المقيمين واللبنانيين لن نستطيع أن نسيطر على هذا الفيروس، فعلينا أن نواجه بالوعي والعلم".
وفي 15 شباط/فبراير انطلقت حملة التلقيح ضد كورونا في لبنان، باستخدام لقاح "فايزرـ بيونتك" بعد تسلم البلاد الدفعة الأولى من بلجيكا. عمليات التلقيح بدأت في ثلاث مشافي رئيسية في العاصمة بيروت وتلقى العاملين في القطاع الطبي الجرعة الأولى.
"اكتشفت أنني متمسكة بالحياة وأخاف المرض والموت"
ولفتت إلى أن هذه التجربة توقظ الحس الإنساني لدى الفرد، وتضيف "لكن الانسان خطاّء ونسبة الشر عنده مرتفعة، فلو كان الانسان مفطوراً على الخير فقط لما سمح لنفسه أن يكون سبباً بنقل الفيروس لشخص آخر والتسبب بأذيته. كما أن هناك من يدّعي أن مناعته قوية ويستطيع مواجهة الفيروس، ولكن لا أحد يعلم لأنه لم يختبره من قبل، حتى العلم لم يصل إلى كل زوايا هذا لفيروس".
وعن الأشياء التي تعلمتها خلال فترة مرضها قالت "علمتني التجربة أن نعود إلى الأساسيات إلى جوهر الانسان، حتى أن البعض تعلّم أن يجلس مع نفسه فثمة أشخاص لا يستطيعون البقاء بمفردهم أجبرتهم كورونا على ذلك".
وتشير إلى ارتباطها بالحياة وهو ما عرفته من تجربتها مع كورونا "أحب الحياة والتسوق ولكن تعلمت خلال مرحلة المرض التي لم أرتدي فيها إلا ملابس النوم بأن أقتصد فيما يتعلق بالملابس، وأعتقد أن الذي لم يتعلم دروساً في ظل ما نعيشه لديه مشكلة جوهرية في عمقه الإنساني".
وتضيف "لم أتذمر يوماً حتى خلال إصابتي بكورونا، اكتشفت أنني متمسكة بالحياة، علماً أنني كنت أعتقد بأني لا أخاف من الموت والمرض واتضح لي العكس".
وشددت على "ضرورة أن يتابع الطبيب المريض ما بعد كورونا، لأن هناك الأعراض تستمر بعد مرحلة الشفاء وعلى الصعيد النفسي يكون البعض مدمراً، لذلك يجب أن يكون هناك توعية لما بعد كورونا".
"غلطة الشاطر بألف"
أصيبت الإعلامية اللبنانية سوسن سرحان بفيروس كورونا على الرغم من اعتمادها الإجراءات الوقائية اللازمة، تقول "منذ أن بدأت التحذيرات من مخاطر انتشار فيروس كورونا التزمت بكل الإجراءات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية، خوفاً على نفسي وعلى زوجي وأهلي، حتى أنني توقفت عن زيارة أهلي وألغيت كل المناسبات الاجتماعية، كما تم اعتماد معايير السلامة العامة والتباعد الاجتماعي في المؤسسة الإعلامية التي أعمل فيها".
تقول "غلطة الشاطر بألف ارتكبت خطأ عندما التقيت بأحد أفراد العائلة الذي لم يكن يعلم بأنه مصاب، وحينها لم أكن أضع الكمامة، فنقل إليّ العدوى".
وتروي سوسن سرحان تجربتها مع كورونا "في البداية كانت الأعراض خفيفة ولم أكن واثقة من أن نتيجتي إيجابية إلى أن فقدت حاستي الشم والتذوق وأدركت حينها أنني فعلاً مصابة بالفيروس. عانيت كثيراً من الدوار والسعال اللذين استمرا لأربعين يوماً حتى بعد أن أصبحت نتيجتي سلبية"، وتضيف "كنا نعتقد أننا مع مرور أسبوعين من الإصابة سنحصل على نتيجة سلبية ولكن للآسف بقينا لأربعة أسابيع بنتيجة إيجابية، حتى أن العديد من الأعراض انتهت وبقيت النتيجة إيجابية، الأمر الذي أثّر سلباً على نفسيتي أنا وزوجي الذي نقلت إليه العدوى".
"شعرت بالخوف من المجهول"
تؤكد سوسن سرحان أنها "لا تزال ملتزمة بالإجراءات الوقائية ولكنها لا تنكر بأنها تشعر بالاطمئنان بأن لديها مناعة ضد الفيروس تجعلها تتخلى عن الكمامة أحياناً ولكن مع الالتزام بمبدأ التباعد الاجتماعي، ولكن ذلك لا يمنع أن يلتقط الفرد الفيروس مجدداً وأن تكون المرة الثانية أصعب من الأولى".
وتكشف "خلال مرحلة المرض كان لدي شعور بالخوف من المجهول، وكنت خائفة من أن أصل لمرحلة نقص الأوكسجين أو التعرض لجلطات، ولاحظت من خلال تجربتي وتجربة من أصيبوا حولي أن الفيروس يطال نقاط ضعف المريض لذلك تأثير كورونا يختلف بين مصاب وآخر".
وتضيف "في الآونة الأخيرة بتنا نرصد وفاة العديد من الأشخاص ضمن العائلة الواحدة والتي يجتمع أفرادها من دون اتخاذ إجراءات وقائية. المكان الذي يمكن أن نشعر فيه بالاطمئنان احتمال أن يكون أخطر مكان ينقل لنا الفيروس، والاستخفاف لمرة واحدة أو الشعور بالخجل من بعض الأشخاص وعدم وضع الكمامة أمامهم يمكن أن يكون الحفرة التي نقع فيها".
"كنت حذرة ولكنني استمريت بممارسة عملي"
على الرغم من عملها المباشر مع الناس حاولت الإعلامية اللبنانية ريمي درباس اتخاذ الإجراءات الوقائية ولكنها لم تتوقف عن النزول إلى ميدان العمل حيث يكمن الخطر، وتقول: "لا يمكن أن أعتبر نفسي من الأشخاص الذين التزموا بالإجراءات بنسبة 100 %، كنت حذرة ولكن ليس كزملائي، وربما كنت الوحيدة التي استمرت بممارسة عملها بشكل طبيعي من ناحية التغطيات أو العمل كمراسلة، كنت ألتزم بالإجراءات الوقائية ولكن من خلال طبيعة عملي من الصعب أن أحدد المصدر الذي التقطت العدوى منه".
تضيف "أعاني من مشكلة صحية وهي تسرع القلب، ومن أعراض هذا المرض أنه يسبب ضيقاً في التنفس الأمر الذي ازدادت وتيرته مع إصابتي بكورونا".
وتشبه ريمي درباس فيروس كورونا بالإنسان الخبيث الذي يمكن أن تتوقع منه أن يفعل المستحيل ليقوم بأذيتك مهما كنت حذراً منه.
"دخلت المستشفى لتلقي العلاج اللازم"
وتتابع ريمي درباس حديثها "خلال الإصابة، لم أتحمل الأوجاع المستمرة في الرأس والعضلات والظهر وحتى لم أستطع النوم، واضطررت الدخول إلى المستشفى لستة أيام لتلقي العلاج اللازم".
لم يغب عن مخيلتها صور المصابين ومعاناتهم خلال فترة احتضانها للمرض، وتقول "بحكم عملنا فنحن على اطلاع بكل تفاصيل المرض، ولأننا ننقل معاناة المصابين بكورونا، لم تغب هذه الصورة عن ذهني طيلة الوقت".
استمرت مرحلة الخوف عندها حتى بعد أن تخلصت من الفيروس، وتوضح "أعترف انه بعدما أصبحت نتيجة الفحص سلبية، بدأ الخوف الحقيقي. بدأت تراودني أفكار سوداوية. ففي أغلب الأوقات، كنت أشعر بأنني يمكن أن أموت بأي لحظة، بغض النظر عن سني أو أنني تعافيت من المرض، وأن تداعيات كورونا الخفية يمكن أن تظهر في أي لحظة".
"لا نعرف قيمة الصحة إلا عندما يغلبنا المرض"
تؤكد ريمي درباس "خوفي كان على أفراد عائلتي وأصدقائي من أن يصابوا بالفيروس ويستهترون بعلاجه فيخدعهم".
كزميلاتها كانت كورونا درساً، تقول "تعلمت أن الصحة تأتي قبل كل شيء، إذا خسرت صحتي، لا يمكنني أن أعمل، ولا أن أكون بجانب أولادي ولا أهلي، فالصحة تأتي أولاً وأخيراً، وهي أهم شيء في الحياة، ولكن لا نعرف قيمتها الا عندما يغلبنا المرض".
وتؤكد بأنها خائفة من التقاط الفيروس مرة ثانية، وتشير إلى أن التزامها بالإجراءات الوقائية زاد، "أنا على يقين أننا مهما فعلنا سنبقى معرضين لالتقاط الفيروس ولكن بنسبة أقل". وشددت على أنه لا يجب علينا أن نستهتر بالفيروس ولا أن نبالغ كثيراً.
ومنذ آذار/ مارس 2020 بدأ الإغلاق الكامل لأول مرة في البلاد ثم تم تمديد حالة التعبئة العامة وأقفلت العديد من القطاعات، كما تم فرض حظر التجول في ساعات محددة من اليوم، وكان آخر إغلاق كامل في 8 شباط/فبراير الجاري.