إعلاميات في مواجهة التنمر والقانون هو الحل

التعرض للشرف هو المعيار الذي ينتهجه البعض للإساءة للمرأة بمجرد أنها تملك أفكاراً مختلفة عن أفكارهم، أو لديها مواقف لا تتفق مع مواقفهم، إذ يعتبرون أنها كائن ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه

كارولين بزي
بيروت ـ .
وصل حد التطاول في الآونة الأخيرة إلى جانب التعرض لكرامة المرأة، الاعتداء لفظياً على عائلات تلك النساء والتجريح بهن، بات المتنمرون أو المعتدون إن كان على مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع يعتمدون هذه الأساليب. تتحدث الإعلاميتان اللبنانيتان أماني جحا وريما حمدان عن تجربتيهما، وتوضح الدكتورة خلود الخطيب إن كان القانون هو الحل. 
 
"آلمني التنمر على ابنتي"
تقول الإعلامية أماني جحا لوكالتنا "في عملي الإعلامي أقدم مادة سياسية ساخرة، أسخر فيها من الأداء السياسي للزعماء السياسيين في لبنان، الأمر الذي يوّلد ردة فعل لدى أنصار هؤلاء السياسيين، إلا أن ردة الفعل تلك لا تكون بالسياسة أو بمضمون كلامي ولكن تذهب إلى التعرض والإساءة لي ولعائلتي".
وتوضح "تعرضت للتنمر شخصياً، فتم التطاول عليّ وعلى صوتي بشكل دائم، يصفون صوتي بالخشن أو الصوت الرجولي، أحياناً يتعرضون لتصرفاتي أو لطريقة أزيائي، ولكن أكثر ما آلمني هو التنمر على ابنتي، كان الأمر موجعاً".
وتتابع "أواجه التنمر دائماً بعقلانية وهدوء، ولكن عندما تم التعرض لابنتي التي تعاني من مشكلة صحية تضايقت كثيراً، أرفض التنمر بكل أنواعه، ولكن ابنتي لا ذنب لها لأن يتم التصرف معها بهذه الطريقة".
 
"مشكلتنا ثقافية لا تُحل بالقانون بل بالحوار"
لم تلجأ أماني جحا للقانون للحد من هذه التصرفات لأنها تحترم حرية الرأي والتعبير وبالتالي تعتقد أن اللجوء إلى القانون يتناقض مع إيمانها بحرية التعبير. 
وتضيف "أعتقد أننا في لبنان نعاني من مشكلة ثقافية لا يمكن حلها باللجوء إلى القانون بل بفرض ثقافة جديدة وهي لغة الحوار والنقاش بين الناس، لأنه من الصعب على الناس أن تخرج من عباءة التبعية". 
تقول "فكرت أن أبتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الانسان بحاجة لأن يشعر بالراحة النفسية، وأحياناً عندما أبتعد أشعر بأنني مرتاحة وأعود ليومياتي والتواصل المباشر مع الناس والمحيطين بي".
فيما يتعلق بانعكاس التنمر على ابنتيها في المستقبل، تقول "أبذل جهدي وأعمل على شخصية ابنتي كي لا تتأثران كثيراً بالتعليقات السلبية التي يسمعانها من أي كان حتى لو من أصدقائهن". 
لا يقتصر التنمر على النساء من وجهة نظر أماني جحا بل التنمر أيضاً يطال الرجال، ولكنها تعتقد بأن المجتمع يستسهل التعرض للمرأة أكثر ولاسيما فيما خص العِرض والعائلة، لأن المرأة بالنسبة لهم كائن ضعيف من السهل التطاول عليها.
وتختم "أتمنى من المتنمرين أن يدافعوا عن معتقداتهم وزعمائهم بالمضمون، لأنهم عندما يتعرضون لي بالشخصي يعني أنهم يثبتون أن ما يُقال عن زعيمهم أو أداء زعيمهم صحيح حتى لو كان خطاً".
 
"أساء لكرامتي فضربته"
يبدو أن الالتحاق بوسيلة إعلامية لديها اتجاه سياسي معين يمكن أن يعرّض العاملات فيها للإساءة وهذا ما حصل مع الإعلامية ريما حمدان. 
تقول ريما حمدان "تعرضت للإساءة بسبب طبيعة عملي والمؤسسة الإعلامية التي أعمل فيها، وكصحافية أحتفظ بمواقفي وأرائي الشخصية لنفسي حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي أمارس مهنتي بموضوعية. إذ أتجنب التحدث عن الأخطاء السياسية في البلد، وأحاول أن أسلط الضوء على المشكلة من خلال عملي لا مواقفي الشخصية".
وتشرح "خلال ثورة 17 تشرين الأول التي انطلقت في العام 2019، كنت أقوم بتغطية التظاهرات وتعرضت وزميلاتي لكثير من الاهانات، لكنني لم أكن أعتبر ذلك تنمراً لأن ذلك لم يؤثر بي، وكنت أرد على هذه الاهانات بالأسلوب المناسب ولاسيما عندما يتم التطاول على كرامتي". 
وتضيف "كنت دائماً أطلب من المتظاهرين عدم التعرض لنا كصحافين/ات وبدلاً من أن نكون مكسر عصا يمكنهم أن يختصروا الطريق ويذهبوا ويتظاهروا أمام الوزارات والمؤسسات المعنية والمسؤولين. ولكن اللافت كان الهجوم المركّز علينا كقناة OTV بسبب سياسة المحطة المعروفة، ولكن أود أن أنوه بأن المحطة لم تُغيّب يوماً رأياً على حساب رأي آخر بل كانت تنقل جميع المواقف والآراء". 
وتتابع "حاولت خلال التظاهرات أن أتجنب الاستماع إلى الشتائم والاهانات، وأنا من الأشخاص الذين لا يعتمدون الشتائم في ردودهم، ولكن حصلت معي حادثة خلال التظاهر أمام قصر بعبدا (القصر الرئاسي) إذ تم التعرض لي كامرأة وإهانتي كأنثى وبالتالي عندما سيتم التعرض لي بالشخصي وإهانتي سأرد وأنتفض، وبالتالي قمت بضرب الذي أهانني".
وتوضح "كنت قد أنهيت رسالتي الاخبارية وجلست أتحدث عبر الهاتف فقام أحد المتظاهرين بتوجيه بعض الاهانات الشخصية التي تمس بكرامتي كما قام بحركات مسيئة، فأقدمت على ضربه". 
 
"بات لدينا خبرة بالتعامل مع المواقف المحرجة"
وتلفت إلى أن البعض يعتبر أن المرأة يمكن أن تشعر بالضعف أو تبكي في حال تعرضت للإساءة، ولكن أعتقد أن أغلب الزميلات في القنوات اللبنانية والعربية بات لديها خبرة واسعة بكيفية التعامل مع الناس والمواقف المحرجة على الأرض.     
وتضيف "أحاول في البداية أن أحاور لأصل إلى نتيجة مع المتنمر ولكن إذا لم نتوصل إلى حل بلغة الحوار، أعتقد أن الإساءة يجب أن ترد بالدفاع عن النفس، وما أقدمت عليه كان دفاعاً عن النفس". 
لم يغب عن بال ريما حمدان القانون ولاسيما في تلك الحادثة وفكرّت بأن تتقدم بدعوى قضائية ضد المعتدي على كرامتها، ولكنها تعتبر بأنها استطاعت أن تدافع عن نفسها وترد على تلك الإساءة، وتضيف "ولكن لا أنكر بأنني أحياناً أفكر فعلاً باللجوء إلى القانون". 
فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، تقول "أنا من القلائل اللواتي تعرضن للإساءة على مواقع التواصل الاجتماعي لأنني كما ذكرت سابقاً لا أعبّر كثيراً عن مواقفي، وأعتقد أن شخصيتي ليست مستفزة وأبدو هادئة، وأعتبر أن التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي هي موجة ستنتهي ولا تستحق الرد".
 
"اللجوء إلى القانون لا يتناقض مع حرية التعبير"
في لبنان لم يتم استحداث قانون للتنمر ولكن اللجوء إلى القضاء يعتمد على أكثر من شكل، وتوضح المحامية والأستاذة الجامعية ومؤسسة منظمة Louder الدكتورة خلود الخطيب بأن الدعوى القضائية ترتكز على نوع الاعتداء أو التعرض للمرأة إن كان تحرش فيتم اللجوء إلى قانون التحرش وإن كانت الإساءة شخصية يمكن للمرأة أن تلجأ لقانون العقوبات "القدح والذم".
لا تعتبر خلود الخطيب أن اللجوء إلى القانون يتناقض مع حرية التعبير، وتقول "أشجع كل امرأة أن تلجأ إلى القانون، واللجوء إلى القضاء لا يتناقض مع حرية التعبير، فحرية التعبير هي حرية أساسية وهي مدخل أساسي للحريات العامة".
وتتابع "حرية الرأي والتعبير في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مقيدة بثلاثة شروط، الشرط الأول هو عدم الإساءة لحقوق الآخرين وسمعتهم، وبالتالي لا يمكن أن أعبّر عن رأي وأتمتع بالتعبير بحرية عن رأيي وفي الوقت نفسه أسيء إلى الآخرين. وبالتالي حدود حرية التعبير هي أن تعبّر عن رأي، أن تنتقد بموضوعية أن تنتقد أداء لا أن تسيء أو تتنمر على شخص هو ما يقيده العرف الدولي".
وتسأل "عندما أمارس خطاب كراهية وخطاب عنصري على مواقع التواصل الاجتماعي هل يمكنني أن أعتبر أن ذلك حرية رأي وتعبير؟ بالتأكيد لا"، وتضيف "اللجوء إلى القانون هو الحل الصائب والمحامي المجتهد حتى في ظل غياب القانون اللبناني يستطيع أن يستند إلى الحريات الأساسية التي جاءت في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان، من احترام الانسان وكرامته وصون خصوصيته، فصون الخصوصية مادة أساسية موجودة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان وتم تبنيها في الدستور اللبناني وبالتالي هي التزامات على القضاة أن يعتمدوها، إذ على القضاة ألا يعودوا فقط للقوانين المكتوبة بل أيضاً إلى الاتفاقيات الأساسية والإعلانات.