العاملات الزراعيات في المغرب... أجور زهيدة وحقوق ضائعة

تحذر الجمعيات الحقوقية والنقابات وعدة هيئات في المغرب من تفاقم وضع النساء العاملات في قطاع الزراعة وظروف نقلهن الغير أمنة التي تهدد حياتهن، بعيداً عن أي رقابة أو حماية.

حنان حارت

المغرب ـ سلطت وفاة النساء العاملات في الزراعة بإقليم الخميسات شرق العاصمة المغربية الرباط، الضوء مجدداً على معاناة هذه الفئة من المجتمع، خاصة مع توالي المآسي التي تطالهن دون أية حلول.

لم تكن تتوقع إحدى عشر عاملة في الزراعة تتراوح أعمارهن ما بين 25 و45 سنة، أن يكون يوم 29 آذار/ مارس المنصرم، هو آخر يوم في حياتهن.

تفاصيل الحادثة تفيد أنهن كن في طريق العودة من إحدى القرى، فاصطدمت السيارة التي كانت تقلهن بجذع شجرة، بعد انفجار أحد إطاراتها، ما تسبب بفقدان السائق للسيطرة على السيارة وانقلابها ليرديهن قتلى.

وفي صباح اليوم التالي وقع حادث سير آخر، أيضاً لشاحنة تقل عاملات بإقليم أشتوكة آيت باها جنوب المغرب، خلف هذا الحادث عدد من الإصابات متفاوتة الخطورة لـ 26 عاملة.

مثل هذه الحوادث باتت تزهق الكثير من الأرواح وتخلف عشرات الإصابات، وهي تتكرر بين الفينة والأخرى خاصة في الأماكن التي تنتشر فيها العاملات في القطاع الزراعي.

وكان من بين الوفيات التي حصلت بسبب هذه الحوادث، تلميذة كانت تقطن في جماعة أكلو بقرية الزاوية في مدينة تيزنيت، والتي قادها الفقر بعد توقف التعليم بسبب حالة الطوارئ التي فرضتها جائحة كورونا، إلى العمل في الحقول، واعتبرت وفاتها عنوانا قاسياً لمآسي ومعاناة النساء العاملات.

يبدأ عمل المزارعات عادة في ساعات مبكرة جداً من اليوم، فقبل طلوع الشمس يتنقلن بين القرى بواسطة شاحنات صغيرة لا تتمتع بمقومات السلامة، ويحرصن على تغطية وجوههن بخمار حتى لا يتعرف عليهن أحد، فهن يخشين من النظرة الدونية والذهنية الحاكمة.

"بمنانة. ه"، هي إحدى النساء العاملات في الزراعة والتي رفضت التعريف عن اسمها كاملاً، قالت "أقطن في مدينة اللويزية ولكن أعمل في قرية بابن سليمان، ولا أحد من جيراني يعلم أني أعمل في الزراعة، لذلك أستيقظ باكراً لكي أصل إلى القرية قبل طلوع الشمس وأباشر عملي في جني الخضراوات".

وتابعت "ظروف المعيشة بات صعبة والحصول على الدخل ليس بالأمر السهل، أقوم بجني الطماطم والبطاطا مقابل أجرٍ زهيد، فمنذ عام 2018 وأنا أعمل في هذه القرية، وعندما ينتهي الموسم الزراعي أتوجه إلى رعي الأغنام والأبقار وإزالة الأعشاب من الحقول، كما أعمل في تنظيف البيوت للأهالي حيث أبقى لساعات متأخرة من الليل في هذا العمل".

وأشارت "تعمل معي 10 نساء أخريات في الزراعة، لكن مع انتهاء الموسم الزراعي يغادرن المنطقة حتى الموسم القادم، أما أنا فقد عرض عليّ أهل القرية البقاء في قريتهم والعمل في رعي الأغنام مقابل قدر من المال، أو الرحيل لحين بداية الموسم المقبل، لكنني وافقت على البقاء لأنه إذا لم أقبل فأنه سوف يتوجب عليّ البقاء في المنزل دون عمل حتى الموسم القادم، لهذا أنا مجبرة على قبول هذه الأعمال من أجل تأمين حياة أفضل".

ووصفت النظرة الدونية التي تقابل بها النساء العاملات "ينظر لنا على أننا بحاجة إلى من يكملنا، خاصة عندما يعلم أحدهم أني مطلقة حيث تزداد أطماعه تجاهي، لكن على الرغم من الصعوبات والأجور الضئيلة ونظرات المجتمع يبقى العمل في الزراعة مهنة تكفي لسد احتياجات والدتي وأبني الذي يمتنع والده عن تحمل نفقته".

ومن جهتها أكدت رشيدة فتحي مناضلة تنظيم المرأة بالقطاع الفلاحي التابع للجامعة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل والاتحاد التقدمي لنساء المغرب، أن النساء العاملات في القطاع الزراعي يعشن ظروف قاسية بكل المقاييس.

وأوضحت النقابية أن النساء العاملات يتعرضن لسوء المعاملة من أصحاب العمل والاستغلال، "ليس هناك عقود عمل كما أنهن لا يحظين بالضمان الاجتماعي، لأن العمل يتم بالتعاقدات العرفية، كما يطالهن التمييز في الأجور وساعات العمل الطويلة"، مشيرة إلى أنه بالإضافة للاستغلال الاقتصادي فأنه يتعرضن للتحرش الجنسي ومختلف أشكال العنف.

وأضافت أن العاملات تعانين من مصاعب أخرى تبدأ من عملية النقل العشوائية والغير الآمنة، بحيث يتم نقلهن بأعداد كبيرة بين القرى بواسطة شاحنات صغيرة ما يعرض حياتهن للخطر.

وعن انخراطهن في النقابات أفادت "في السنوات الأخيرة، تم تسجيل إقبال واضح لهذه الفئة من النساء الكادحات، مقارنة بالسنوات التي سبقتها، حيث أظهرن عن استعدادهن للاندماج داخل المؤسسة النقابية من أجل معرفة حقوقهن وواجباتهن".

وشددت رشيدة فتحي في ختام حديثها على أهمية جعل ظروف عمل النساء العاملات في القطاع الزراعي في قائمة أولويات النقاش العمومي، من أجل تحسين أوضاع هذه الفئة من المجتمع.