"الاحتضان" وسيلة نساء لكفالة أطفال أيتام في إدلب
بلغت أعداد الأطفال الأيتام في الشمال السوري، 203.743 طفل فقدوا ذويهم وشردتهم الحرب الدائرة في المنطقة، بحسب إحصائيات محلية.
هديل العمر
إدلب ـ الاحتضان يساهم في تلاشي شعور الطفل اليتيم بالوحدة النفسية، وهي عملية تنطوي على تنشئة نفسية واجتماعية تشبع حاجات الطفل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والمادية وتنظيم سلوكه.
تعيش الطفلة إسلام عبد الوهاب (11 عاماً) مع عائلة خالتها التي احتضنتها بعد إصابتها ومقتل والديها بقذيفة مدفعية استهدف منزلهم الكائن في بلدة حزارين جنوب إدلب أواخر عام 2019، لتغدو يتيمة الأب والأم في مواجهة أعباء الفقد وألم الحرمان من الحياة الأسرية والاجتماعية كباقي الفتيات.
وتعاني الطفلة من صعوبة بالنطق وضعف بالسمع جراء إصابتها بشظية استقرت برأسها تسببت لها بإعاقة دائمة وكادت أن تودي بحياتها، لتواجه أعباء المرض والإصابة من جهة، واليتم من جهة أخرى.
تقول إسلام عبد الوهاب لوكالتنا إنها بعد وفاة والديها لم يتبقى لها أحد سوى خالتها التي احتضنتها مع أطفالها الثلاثة وقدمت لها الرعاية والاهتمام، خاصة بعد أن ساعدتها على استكمال دراستها عبر تسجيلها في مدرسة بالقرب من المخيم الذي تقطنه، الأمر الذي ساعدها على التأقلم مع إصابتها وحياتها الجديدة.
"بنتي أمانة برقبتك" كانت آخر عبارة سمعتها حنان الخالد (32عاماً) من أختها قبل دخولها إلى غرفة العمليات التي ما لبثت أن فارقت الحياة داخلها جراء إصابتها الخطرة، لتجد نفسها المسؤولة الوحيدة عن الطفلة التي باتت جزءاً من عائلتها.
تقول حنان الخالد إن شعورها بالمسؤولية تجاه الطفلة بعد أن فقدت ذويها، دفعها لاحتضانها وتقديم كافة سبل الرعاية والعناية لها، خاصة في ظل عدم وجود أي أقارب لها وحاجتها الماسة للعيش ضمن بيئة أسرية تخفف عنها أعباء الإصابة وفقدانها لوالديها.
"عندي ثلاثة أولاد والآن أصبحوا أربعة" تقول حنان الخالد في إشارة إلى تعلقها بالطفلة التي لا تميزها عن غيرها من أولادها، مشيرةً إلى أنها لن تتخلى عنها حتى تصبح قادرة على الاعتناء بنفسها وإتمامها لتحصيلها العلمي حتى نهايته.
وتعيش حنان الخالد بالقرب من مخيمات مشهد روحين على الحدود السورية التركية شمال إدلب، وسط ظروف معيشة غاية في الصعوبة، في حين يعمل زوجها بالورش الزراعية بمبلغ لا يتجاوز 40 ليرة تركية يومياً.
ولجأت نساء في إدلب لاحتضان أطفال فقدوا ذويهم وشردتهم الحرب السورية، وأخذن على عاتقهن الاعتناء بهم وتقديم كافة سبل الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية، من خلال توفير بيئة أسرية طبيعية تساعدهم على خروجهم من واقعهم الصعب، خاصة مع ازدياد أعداد الأطفال الأيتام في مناطق شمال غرب سوريا وعجز الملاجئ عن تقديم الخدمات الأولية لهم بسبب غياب الدعم والاهتمام.
وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما، بنحو مليون طفل، منذ بدء الحرب السورية عام 2011 وحتى نهاية عام 2017، واصفةً ذلك بـ "كارثة بكل المعاني".
وبعد مقتل والديه بغارة جوية استهدفت سوق شعبي في مدينة معرة النعمان، احتضنت سارة زيدان (35عاماً) الطفل أحمد (7 أعوام) بعد أن بائت جميع محاولاتها في إيجاد أحد من أقربائه أو ذويه بالفشل.
"الدخان والغبار هو أكثر ما رأيته في تلك اللحظة، كانت دماء الناس ممزوجة بأرزاقهم، بضع لحظات لم أكن أصدق ما أرى، لفت نظري طفل لم يتجاوز الرابعة من عمره يبكي بالقرب من جثتي والديه، احتضنته بقوة وسارعت بالخروج من السوق قبل أن تعاود الطائرة الحربية قصفه مرة أخرى" بهذه الكلمات تلخص سارة زيدان حادثة مقتل والدي الطفل أحمد لتجد نفسها المسؤولة الوحيدة عن رعايته وتربيته.
تقول سارة زيدان إنها علمت غداة الحادثة أن عائلة الطفل كانت مهجرة من الغوطة الشرقية وهم غرباء عن المدينة، ما جعل التعرف عليه من أحد أقربائه أمر شبه مستحيل، وهو ما دفعها للتفكير في احتضانه وتربيته ضمن عائلتها المؤلفة من خمسة أشخاص.
ولفتت إلى أن قرارها باحتضان وكفالة الطفل جاءت من منطلق ودافع إنساني، فبعد قرابة ثلاث سنوات على احتضانه شعرت بأنه جزء من عائلتها ولا يختلف عن أبنائها في الرعاية والاهتمام.
ولا تخفي الشابة الثلاثينية نيتها بوضع الطفل بإحدى دور الأيتام في بداية الأمر، إلا أنها بقيت متمسكة بالطفل وتربيته ضمن بيئة أسرية خصبة تنجيه من الانحراف والضياع، مشيرةً إلى أنها لن تتخلى عنه حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه بشكل كامل وفق تعبيرها.
بدورها تؤكد رؤى الحمود وهي مستشارة أسرية مقيمة في مدينة إدلب على أهمية الاحتضان كونها وسيلة للاحتواء المادي والمعنوي من خلال متابعة الطفل دراسياً، وتوفير احتياجاته المادية، فضلاً عن التخفيف من مشاكله النفسية والاجتماعية الناتجة عن اليتم والتشرد ضمن بيئة وأجواء أسرية سليمة وصحيحة تضمن للطفل استقرار نفسي واجتماعي.
وأوضحت أن فكرة الاحتضان تساهم في تلاشي شعور الطفل اليتيم بالوحدة النفسية، وهي عملية تنطوي على تنشئة نفسية واجتماعية تشبع حاجات الطفل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والمادية وتنظيم سلوكه، وغرس القيم والاتجاهات لديه، وبالتالي يتم إنقاذ الطفل من غياهب الضياع والانحراف.
وأشارت المرشدة النفسية إلى ضرورة تقديم المساعدة لهذه الفئة الأكثر تضرراً التي وصلت حد "التهميش" في ظل حالة عدم الاكتراث التي تبديها المنظمات الإنسانية وسلطات الأمر الواقع في مناطق الشمال السوري.