الأدوية المخدرة... ملاذ مصابات الحرب في إدلب لنسيان معاناتهن

تعاطي الأدوية المخدرة تكاد تكون ظاهرة في إدلب وخاصة بين النساء، غير أن تردد الكثيرات في الإفصاح عن مشاكلهن مع الإدمان يحجم عن إلقاء الضوء على الظاهرة ومساعدتهن في الإقلاع عنها.

سهير الإدلبي

إدلب ـ اتجهت الكثيرات من مصابات الحرب وذوات الإعاقة لتناول الأدوية المخدرة المنتشرة في صيدليات الشمال السوري، في محاولة لنسيان إصاباتهن والبحث عن الراحة النفسية في حبوب بتن مدمنات على تناولها دون الاكتراث لمخاطرها المتعددة على صحتهن.

قالت حسنة المحمود (27) عاماً وهي نازحة من بلدة الخوين جنوب إدلب ومقيمة في مخيمات كفر يحمول شمال إدلب، أنها وبعد إصابتها بالقصف الذي طال منزلها والذي أسفر عن بتر قدمها اليمنى منذ أكثر من أربعة سنوات وهي تتناول حبوب الترامادول المخدرة والتي تحولت من وصفة طبية إلى إدمان لم تعد تستطيع التخلي عنها.

تسترجع حسنة المحمود ذكرياتها في ذلك اليوم لتتابع بحزن "١٧ حزيران ٢٠١٨، كان أسوأ يوم في حياتي جعلها تنقلب رأساً على عقب، بعد تعرضي لقصف الطيران الحربي الذي حولني من امرأة مفعمة بالحياة لمجرد ناجية تنتظر أن تنجو فعلاً من واقعها الذي تعيشه".

خسرت حسنة المحمود زوجها الذي تخلى عنها بعد إعاقتها وتزوج بأخرى، وحياتها مع أهلها بصحبة طفلها سليم الريان (6) سنوات، جعلها تشعر بضعفها وقلة حيلتها، وبأنها عالة على غيرها لا تملك إلا خيار النسيان أو التجاهل لتتمكن من الاستمرار والخروج من واقعها المؤلم على حد تعبيرها.

لم تكن زهرة البطال (30) عاماً بأفضل حالاً من حسنة، فهي الأخرى تعرضت لقصف مدفعية النظام أثناء تواجدها في منزلها بإدلب ما تسبب لها بإصابة بعمودها الفقري وشلل تام حولها لمعاقة بحاجة لمن يساعدها في جميع شؤونها.

وتقول "كم هو قاسٍ أن يجد المرء نفسه وقد تحول إلى مجرد شخص عاجز لا حول له ولا قوة، تثير حالته شفقة الآخرين وعطفهم، إنه شعور لا يعرفه إلا من عاشه ويعيشه كل لحظة".

لجأت زهرة البطال لتناول حبوب الزولام وهي من أنواع الحبوب المخدرة والتي وصفها لها الطبيب بعد إصابتها لتخفيف الألم الجسدي والنفسي، ورغم تحذيره لها بتوقيفه بعد نفاذ العلبة إلا أن زهرة مستمرة في تناوله منذ أكثر من عامين بعد إصابتها وتؤكد أنها ليست عازمة على إيقافه بعد إدمانها عليه.

تعاطي الأدوية المخدرة تكاد تكون ظاهرة في إدلب وخاصة بين النساء، غير أن تردد الكثيرات في الإفصاح عن مشاكلهن مع الإدمان يحجم عن إلقاء الضوء على الظاهرة ومساعدتهن في الإقلاع عنها، فلم يعد بإمكان أغلب النساء المتعاطيات ترك هذه الحبوب، بسبب عدم وجود مراكز لمعالجة الإدمان بالشمال السوري والخوف من العادات والتقاليد والوصم.

الصيدلانية منى الصديق (34) عاماً تقول إن انتشار الصيدليات العشوائية والغير مرخصة ساهم بانتشار الأدوية المخدرة وسهولة الحصول عليها رغم أنها من الأدوية التي يمنع بيعها إلا بوصفة طبية، "الصيادلة الذين لا يمتون للمهنة بصلة والذين مارسوا المهنة بموجب شهادات مزورة أو مجرد تدريبات وبعض الواسطة يعتبرون تجاراً من نوع آخر للمواد والأدوية المخدرة التي تصل إلى 30 نوع مثل ترامادول، ديالين، دبالين، فوستان، بيوغابالين، زولام، أوكسي كودون بلس، كايزول، سيدافيت بلس، موتيفال لكسوتان، لارجاكتيل، كلونازيبام".

 

وأوضحت أن أسعار هذه المواد ليست مرتفعة قياسياً بالمواد المخدرة الأخرى وهي تتراوح بين 30-40 ليرة تركية، وأكثر من 20 شخص بينهم نساء يقصدن صيدليتها يومياً للحصول على هذه الأدوية، وتتراوح أعمارهن بين 17 و40 عاماً، لكنها ترفض بيعهن تلك الأدوية دون وصفات طبية.

وتعزي الإقبال على تناول تلك الأدوية لدى شريحة واسعة من المدنيين إلى الإحباط واليأس والفقر والضغوطات النفسية والإصابات الحربية.

وعن مخاطر استخدام هذه الأدوية والإدمان عليها توضح الصيدلانية منى الصديق أنها تسبب الإمساك، الحكة، الغثيان، التقيؤ، اضطرابات عصبية وصعوبات في التنفس قد تعرض الحياة للخطر.

وفيما يفتقر الشمال السوري لعيادات مختصة لعلاج الإدمان والأطباء المختصين والكوادر المدربة ومراكز التوعية، ماتزال الأدوية المخدرة في متناول الكثيرات ممن لجأن إليها لتكون السبيل الأوحد لعلاج حالاتهن النفسية الصعبة متجاهلات تأثيرها المدمر للصحة على مر الزمن.