أكثر من عشر حالات انتحار في شهر واحد... نساء إدلب في مهب الريح

ازدادت حالات الانتحار بين النساء بشكل ملحوظ مؤخراً نتيجة أسباب صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية، مرتبطة بالأوضاع المعيشية المتردية في إدلب.

هديل العمر

إدلب ـ شهدت مناطق ريف إدلب الخاضعة لسيطرة مرتزقة ما يسمى بـ "هيئة تحرير الشام" أكثر من 10 حالات انتحار منذ مطلع الشهر الحالي، معظمهم يقطنون ضمن المخيمات الواقعة قرب الحدود السورية التركية.

دفع طلاق ردينة الخطيب (22) عاماً ومعاملة محيطها السيئة لها ومنعها من رؤية أطفالها الثلاثة من قبل طليقها الذي فر هارباً بهم إلى خارج البلاد، للانتحار بعد ابتلاعها "حبة غاز"، وهي من حبوب الفوسفيد الهيدروجين المستخدمة في عمليات التعقيم.

تقول والدتها فاطمة التعتاع وهي من مهجري جبل الزاوية ومقيمة في مخيمات سرمدا في إدلب، أن ابنتها مرت بأوقات عصيبة بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على طلاقها من زوجها الذي تزوج بأخرى ومنعها من رؤية أطفالها بعد رحيله عن المنطقة.

لم تفلح الدعوى القضائية التي قدمتها ردينة الخطيب لمحكمة إدلب بمساعدة أهلها من تحصيل حقوقها من زوجها، ولا حتى بإعادة أطفالها لها، كما لم تستطع الأم منع ابنتها من تنفيذ قرارها بالانتحار وخاصةً وأنها لم تكن على علم بما يدور في رأس ابنتها من أفكار سيئة نتيجة صمتها وبكائها المتواصل.

وفي 20 أيار/مايو الماضي، انتحرت فتاة تدعى هيفاء زيدان وهي في العقد الثاني من عمرها، عبر شنق نفسها بحبل مخصص لطي الستائر المنزلية، وكانت هيفاء زيدان تعيش ظروفاً نفسية قاسية، وتتعرض لضغوط اجتماعية من قبل ذويها الذين لعبوا دور الوصاية عليها بعد وفاة والدها بوباء كورونا منذ أكثر من عام.

فتقول أختها مروى زيدان (18) عاماً، أنها وهيفاء منعن من الخروج أو إكمال دراستهن بحجة الفقر والظروف الأمنية، وتم معاملتهن بقسوة من قبل أعمامهن "المتسلطين"، وترى مروى زيدان أن أختها استطاعت أن تتخلص من الضغوطات بوضع حد لحياتها، بينما بقيت هي تعاني وسط ظروف معيشية معقدة، على حد تعبيرها.

حالات الانتحار التي كادت تتحول إلى ظاهرة في إدلب لم تنجح جميعها وإنما تخللتها محاولات فاشلة، ساهم إسعافها السريع بإنقاذ حياتها، حيث أضرمت رؤى اليونس (30) عاماً النار في جسدها بعد عجزها عن تأمين متطلبات أبنائها بعد وفاة زوجها.

وساهم تدخل الجيران السريع بإطفائها لإنقاذ حياتها بعد إسعافها إلى أقرب نقطة طبية، وتقول جارتها سناء العبد (36) عاماً أن رؤى اليونس كانت تمر بفترات عصيبة بعد عجزها عن تأمين دخل تنفق من خلاله على نفسها وأطفالها، مضيفةً أن يأسها وجوع أبنائها الذي أشعرها بالعجز دفعها للانتحار مرات عديدة وكانت تنجو في كل مرة.

من جانبها ترى المرشدة النفسية والاجتماعية نبيلة الطويل (37) عاماً أن العامل الاقتصادي كالفقر والاكتئاب النفسي هو الأبرز في عمليات الانتحار المتزايدة بعد فقد السوريين الأمل في إمكانية العيش بكرامة ضمن الحدود الدنيا، وسط ظروف معيشية متدهورة في ظل تراجع المساعدات الإنسانية وانتشار الفقر والبطالة.

ووثق فريق "منسقو استجابة سوريا"، وقوع نحو 25 حالة انتحار في مناطق إدلب وريف حلب الشمالي، 6 منها باءت بالفشل، منذ مطلع العام الحالي 2022، و"معظم الذين أقدموا على الانتحار من فئة النساء لعدم وجود من يساعدهنّ على تخطي الصعوبات التي تعانين منها، واليافعين غير القادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم".

وناشد الفريق في بيان له المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة لمساندة المدنيين والنازحين وتأمين المتطلبات الأساسية لهم، وخاصةً في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية والتهديدات المستمرة بقطع المساعدات الإنسانية عن المدنيين، والعمل على تأمين فرص العمل بشكل دوري للحد من انتشار البطالة في المنطقة.