أهوال الحرب تتسبب في ارتفاع حالات الأمراض النفسية وتُحدث شرخ مجتمعي

تكتظ العيادات النفسية في السودان بعدد من المصابين بالأمراض النفسية، نتيجة الحرب التي اندلعت في البلاد منذ أكثر من عام والتي تركت تداعيات سلبية يواجهها الأهالي رغم الظروف الصعبة.

آية إبراهيم

السودان ـ تركت الحرب في السودان آثار وأضرار جسدية ونفسية طويلة المدى على السكان، فضلاً عن الفقر وسوء التغذية والتدهور الاقتصادي والأمراض النفسية والاجتماعية وأبرز تلك الأمراض النفسية الناجمة عن صدمة الحرب.

في إحدى العيادات النفسية تنتظر النازحات من العاصمة الخرطوم من فئات عمرية مختلفة دورهن لمقابلة الطبيب النفسي، العامل المشترك بينهن أنهن أصبن بقلق وتوتر بشكل مفاجئ إضافة إلى مرافقة أصوات الرصاص والمدافع لسمعهن على مدار الساعات وعدم انتظام نومهن، بالرغم من أن المنطقة التي نزحن إليها آمنة، إلا أن أصوات الاشتباكات لم تفارق سمعهن.

تقول (ن، ع) أنها تفاجأت ذات يوم بوالدتها وشقيقتها في حالة غير طبيعية وأنهن تتحدثن لوحدهن وكل حديثهم يدور حول الرصاص والجيش وقوات الدعم السريع وسط خوف وذعر كان واضحاً عليهن، مشيرةً إلى أنها عندما حاولت التحدث إليهما أنكرا ولم تعرفا حتى من هي وعند إخبار بقية أفراد أسرتها طلبوا بأن تذهب بهن إلى طبيب نفسي "قمت بمقابلة الطبيب الذي بدأ معهن العلاج، وقال لي أن هناك العديد من الحالات المشابهة التي جاءت إليه".

بدورها تقول الإخصائية النفسية أسيلة محمد عثمان، إن السكان في السودان استيقظوا بشكل مفاجئ على حرب وأصوات دويي المدافع، ما أدى إلى فقدانهم للأمان الذي يعتبر أصعب ما يمر به الإنسان، مضيفةً أن هناك أشخاص في البلاد تعرضوا لما يعرف بالصدمة النفسية الناتجة عن تأثر الإنسان بالمؤثرات الخارجية من حوله.

ولفتت إلى أن الأهالي في السودان تأثروا بالحرب وتغيرت حياتهم ونزح الكثير منهم لمناطق أخرى ووجدوا اختلاف فيها بشأن التغيير في البيئة، مما أثر على حياتهم ودخلوا بصدمة ما يسمى بعدم التكيف البيئي وهي أحد الاضطرابات التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان.

وأوضحت أن أكثر الفئات التي تعرضت للصدمة هن النساء، لأنهن أكثر عاطفة وتقبلهم للحرب كان مشكلة، إضافة للشباب بسبب فقدان مستقبلهم وعدم تقبلهم الحياة الجديدة، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الإدمان للتعايش مع البيئة الجديدة.

وقالت أسيلة عثمان، إن نسبة الإصابة بحالات الاكتئاب والانتحار ارتفعت في الآونة الأخيرة، لافتة إلى أنهم كأطباء يحاولون مساعدة المرضى بعدة طرق من خلال أرقام تواصل وتقديم استشارات "أصبحت السودان بؤرة للاضطرابات النفسية، وفي العام الماضي تم تسجيل أعلى نسبة اكتئاب في البلاد".

وبالرغم من أن الأمراض النفسية واحدة من الأمراض التي يجب علاجها لدى الطبيب المختص لكن يلاحظ أن المجتمع السوداني يرفض الاستعانة بطبيب نفسي حال تعرض واحد من أفراده لأزمة نفسية، بحجة أن من يذهبون للطبيب النفسي هم من فئة فاقدي العقل "مجانين" وأنهم إذا أقدموا على هذه الخطوة، فذلك وصمة داخل أسرتهم.

 

 

من جانبها قالت الإخصائية الاجتماعية تقوى مبارك عبد العاطي، إن الحرب تترك آثار على المدى القريب والبعيد وتؤثر على الأفراد والأسر التي تعتبر النسيج الاجتماعي للبلاد، لافتةً إلى أن الحرب أدت لنزوح عدد من الأسر إلى ذويهم بالولايات الأخرى والعيش معهم بمنزل واحد ما أدى إلى اكتظاظ المنازل واحتكاكات ومشاكل بين الأسر بحكم أن لكل فرد وأسرة مفاهيم وعادات مختلفة، الأمر الذي تسبب بتفككها وخسارة الأخوة بعضهم البعض وارتفاع نسبة الطلاق، إضافة إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض النفسية والاكتئاب على وجه الخصوص والشرخ المجتمعي الذي سيطر على أفراد المجتمع من أبرز تداعيات الحرب في السودان.

ومع كل ذلك يحاول المجتمع السوداني التماسك والتعايش مع هذه المتغيرات وتقبلها، بالرغم من أنه وجد نفسه أمام ذلك بين ليلة وضحاها، إلا أن الأمل لايزال موجود لدى الأهالي في أن يتم التوصل لحلول عاجلة تنهي الحرب ويعود الأمن والاستقرار على السودان، وينعكس ذلك على مجتمعه ليعود كذلك سليم معافى.