اغتصاب واختطاف وزواج قسري... صراع السودان الأقسى على النساء (1)
"المغتصبة ضحية وليست مذنبة، ولا ينبغي أن تُعاقب"، كلمات نطقت بها نساء تعرضن للاغتصاب على يد قوات الدعم السريع، في مواجهة مجتمع يعتبر المرأة مذنبة عندما تتعرض لهذه الجريمة.

ميرفت عبد القادر
السودان ـ بات العنف الجنسي، بمختلف أشكاله، أداة تستخدم في الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ اندلاعه في منتصف نيسان/أبريل 2023، وقد أصبح هذا العنف سمة بارزة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث يبدو أن النساء هن الهدف الرئيسي، وكأن أجسادهن تحولت إلى ساحات للمعارك.
تتزايد أعداد حالات الاغتصاب يوماً بعد يوم، حيث تجاوزت الآلاف مع اقتراب الصراع في السودان من دخول عامه الثاني. ووفقاً للخبراء، فإن الإحصائيات الحالية ليست دقيقة، والأعداد الفعلية أكبر بكثير مما يتم الإبلاغ عنه، فهناك العديد من الحالات التي تُخفى ولا تُظهر خوفاً من الوصمة الاجتماعية التي قد تلحق بالضحايا.
وقالت المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" هالة الكارب، إنهم وثقوا سلسلة من الانتهاكات الجديدة على يد قوات الدعم السريع خلال شباط/فبراير الجاري في عدد من المناطق، لافتةً إلى أنه "خلال توثيق حادثة اغتصاب فتاة، قُتلت والدتها أثناء دفاعها عنها، حيث تعرضت الابنة والأب للإصابة، ولا يزالان عالقين في الخرطوم حتى الآن، كما تم التأكيد على وجود حالات اغتصاب في منطقتي الديوم الشرقية والحاج يوسف بشرق النيل. الوضع في غاية السوء، خاصة في مناطق جنوب الخرطوم وشرق النيل".
قصص مأساوية تروى لأول مرة
وعند زيارة وكالتنا لمركز الأمان "الأمل ألكس كافوري" تبين وجود خمسة عشر ناجية تعرضن لمختلف أشكال الانتهاكات وما تزال تلك النساء في مرحلة الصدمة.
الناجية (م. ع) التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، هي أول فتاة التقت بها وكالتنا عند دخولها المركز، تبلغ من العمر 25 عاماً، وهي حامل في شهرها التاسع نتيجة تعرضها للاغتصاب. تحمل في ذهنها هموماً وتساؤلات عديدة، مثل ماذا سيحدث لها؟ ما هو مصيرها؟ من سيتولى رعاية الطفل؟ وأين ستذهب به؟ كيف ستتمكن من لقاء عائلتها؟ وغيرها من الأسئلة التي تثير قلقها.
بدورها قالت (م. ع) بعد أن امتنعت عن التصوير خوفاً من التعرف عليها، إنها جاءت من القرى التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، حيث تعرضت للاعتداء الجنسي مع فتيات أخريات من قريتها، وقد تناوب على اغتصابها أربعة جنود بعد أن قاموا بضربها وإهانتها وتقييدها، ثم تركوها بعد أن فقدت الوعي، معتقدين أنها قد توفيت.
وأوضحت أنها استيقظت لتجد نفسها غير قادرة على المشي أو الكلام، لكنها استجمعت قواها وهربت من قريتها خوفاً من أن يقتلها أهلها، كما تفعل العديد من العائلات ببناتهن في القرية، وعندما وصلت إلى مدينة بورتسودان بعد المرور بعدة مدن وولايات، اكتشفت أنها حامل، مما زاد من مخاوفها وهمومها. التحقت بمركز لتلقي العلاج العضوي والنفسي، ومساعدتها على الولادة وتقديم طفلها للتبني.
عند سردها لقصتها تعرضت (م. ع) لانهيار وفقدت الوعي، مما استدعى تدخل الطبيبات لتهدئتها.
هديل محمد، وهو اسم مستعار، تحمل قصة مأساوية، بعد أن أخفت ملامح وجهها تماماً، قررت أن تتحدث لوكالتنا أمام الكاميرا، ودموعها لا تتوقف. تروي كيف دخلت قوات الدعم السريع منطقتهم بشكل مفاجئ، واقتحموا منزلها في غياب أهلها.
اختبأت لساعات طويلة على أمل أن يغادروا بعد سرقة الممتلكات، لكن اثنين منهم عثرا عليها ولم توقف صرخاتها المتوسلة، طلبت منهم أخذ جميع أغراض المنزل دون التعرض لها، لكنهما لم يرحما جسدها النحيل ولا عمرها الذي لا يتجاوز 18 عاماً، تناوبوا على اغتصابها واحداً تلو الآخر، كأنهم مفترسون ينهشون فريستهم، وتركوا جسدها في حالة من الوعي المفقود، لتعود والدتها وتجدها في تلك الحالة المروعة.
وأوضحت أن أسرتها قامت بتهريبها إلى مدينة بورتسودان، ومع مرور الوقت اكتشفت أنها حامل، وهو ما حاولت إخفاءه حتى عن أشقائها خوفاً من ردود أفعالهم، وقد ساعدتها والدتها في ذلك. الآن، هي في شهرها الثامن وتستعد لاستقبال مولودها، وتأمل أن تجد جهة تتبنى طفلها، وعلى الرغم من الأزمات النفسية التي مرت بها، والتي جعلتها تفكر في الانتحار عدة مرات بعد تعرضها للاعتداء، إلا أنها أصبحت قوية الآن بفضل دعم والدتها التي شجعتها على العودة للدراسة، وهي الآن تنتظر نتائج الشهادة الثانوية لتلتحق بالجامعة، وتأمل أن تعيش حياة أفضل تحقق فيها أحلامها وتتجاوز ما حدث لها.
وأكدت هديل محمد في رسالتها التي وجهتها للأسر والمجتمع، أن المغتصبة هي ضحية وليست مذنبة، ويجب عدم قتلها أو تحميلها وصمة العار، بل ينبغي على أسرتها أن تقدم لها الدعم.
العلاج والدعم النفسي داخل المركز
لا يزال المجتمع السوداني متمسكاً بتقاليده المحلية وأفكاره التي لا يقبل تغييرها، حيث يتجنب الحديث عن جرائم التحرش والاغتصاب التي تتعرض لها النساء، خوفاً من الوصمة الاجتماعية، ويحمّل المرأة المسؤولية الكاملة عن أي انتهاك تتعرض له.
عند مقارنة هذه الأعداد الكبيرة التي تجاوزت الآلاف من النساء المعنفات جنسياً، نجد أن المركز لم يستقبل سوى 33 حالة فقط من الضحايا اللواتي تعرضن للاغتصاب أو الزواج القسري أو الاختطاف.
فيما أفادت لبنى محمد علي المستشارة النفسية ومديرة مركز "الأمل ألكس كافوري" للناجيات من العنف، أن "هناك 913 حالات اغتصاب في الجزيرة، 139 حالة اجهاض، 124 حالات اغتصاب للقاصرات، 135 حالة حوامل بسبب الاغتصاب،70 حالة اغتصاب بولايتي سنار والنيل الأزرق، و35 حالة اغتصاب تم إرسالهن إلى مصر، و830 حالة اغتصاب بدولة تشاد هربن من إقليم دارفور".
مركز "الأمل ألكس كافوري" تم افتتاحه حديثاً بمدينة بورتسودان شرقي السودان وهو أول مركز يقدم العلاج والتأهيل النفسي والعلاجي للمعنفات.
وأشارت إلى أنه تم تقديم العلاج الكامل لـ 18 امرأة، والآن تتلقى 15 امرأة العلاج في المركز. يوفر المركز لهن الدعم النفسي من خلال طبيبات مختصات يتواجدن معهن، حيث يقدمن العلاج النفسي وتعديل السلوك ويدعمنهن في الاندماج بالمجتمع، كما يتضمن الدعم الرعاية الطبية، بدءاً من الفحص وتأكيد وقوع الانتهاك، حيث يتم تحويل القضية إلى وزارة الرعاية الاجتماعية في حال وجود حمل لتبني الطفل بعد الولادة. بالإضافة إلى ذلك، يتم تقديم دعم اقتصادي من خلال إنشاء مشاريع صغيرة.
قتل المغتصبات وإجبارهنّ على الانتحار
وأفادت تقارير من الأمم المتحدة وشهود عيان في ولاية الجزيرة، بأن العديد من الفتيات اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي يفكرن في الانتحار خوفاً من ردود فعل المجتمع وعائلاتهن، كما أقدمت بعض الأسر على قتل بناتهن بعد تعرضهن للاغتصاب، خاصة في ولاية الجزيرة وسط السودان، حيث تم إجبار بعض الفتيات على إنهاء حياتهن عن طريق تناول مواد سامة.
ولفتت لبنى محمد إلى أن نسبة الانتحار في السودان قد بلغت أعلى مستوياتها خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تم تسجيل 18 حالة انتحار في ولاية الجزيرة و5 حالات في ولاية الخرطوم، كما لوحظت حالات انتحار كبيرة في مصر، خاصة بين المهاجرات اللواتي تعرضن للاغتصاب، بالإضافة إلى حالات انتحار لأبناء مع بناتهم غرقاً في نهر النيل، خصوصاً في ولاية الجزيرة.
واعتبرت أن ما حدث في ولايتي الجزيرة ودارفور غرب السودان هو تطهير عرقي استهدف قبائل وسط وغرب السودان، مشددة على ضرورة أن يولي المجتمع أهمية لدعم واحتواء الناجيات، حيث أنهن ضحايا المجتمع.